الرئيسية » أقلام اقتصادية » الاخبار الرئيسية »
 
07 تشرين الثاني 2018

الفقر والبطالة.. وما سقط سهوا في هيكل الإنفاق الحكومي!

بقلم: بكر اشتية
أستاذ الاقتصاد في جامعة النجاح الوطنية، عضو الأمانة العامة لاتحاد الاقتصاديين الفلسطينيين

خاص بوابة اقتصاد فلسطين

تعبّر الموازنة العامة عن رؤية الحكومة وتطلعاتها التنموية في سبيل تحسين نوعية الحياة المقدمة للمواطنين، نظرا إلى أن المواطن على الأغلب هو الممول الرئيس لتلك النفقات.

وفي الحالة الفلسطينية، يمول المواطن (74%) من مجموع نفقات الحكومة في رام الله، و(85%) من إيراداتها، الأمر الذي يقتضي (في ظل غياب الجهة الرقابية الشرعية والمتمثلة بالمجلس التشريعي) تفعيل أدوات رقابة شعبية وإعلامية ترصد وتتابع مصادر إيرادات وأوجه نفقات السلطة الفلسطينية، وما إذا كانت منسجمة مع احتياجات وتطلعات الفلسطينيين نحو حياة كريمة.

تشوهات هيكل الإيرادات العامة:

تشير بيانات وزارة المالية إلى تراجع حاد في المساعدات والمنح الدولية المقدمة إلى خزينة السلطة الفلسطينية، ما أدى إلى تراجع حصة تلك المساعدات إلى مجموع الإنفاق العام من (61%) عام 2008 إلى (15.4%) للعام 2017.الأمر الذي أثر وبشكل مباشر على النفقات التطويرة وخطط التنمية الاقتصادية نظرا لارتباطها المباشر بالمانحين.

في حين ارتفعت حصة إيرادات المقاصة مع الاحتلال الإسرائيلي كنسبة من النفقات العامة من (39%) إلى (50.6%).علما أن مكونات المقاصة تعبر في معظمها عن الضرائب الجمركية وضريبة القيمة المضافة المتولدة عن الواردات السلعية من دولة الاحتلال ومن العالم الخارجي، وبالتالي فإن زيادة قيمتها تدل على انخفاض القدرة الإنتاجية لقطاعات الإنتاج الفلسطيني.

وفي هذا السياق لا بد من الوقوف قليلا على هيكل الإيرادات المحلية للسلطة الفلسطينية، حيث شكلت ضريبة القيمة المضافة مع ضريبة البلو على المحروقات نصيب الأسد من تلك الإيرادات بنسبة تجاوزت (48%) من مجموع الإيرادات العامة خلال السنوات العشرة الماضية، في حين لم تتجاوز حصة ضريبة الدخل (7%) من تلك الإيرادات لذات الفترة.

ورغم أن الهدف العام من السياسات المالية والتشريعات الضريبية هو إعادة توزيع الدخل والثروة بين أفراد المجتمع بما يضمن تحقيق العدالة اقتصاديا واجتماعيا، إلا أن هيكل الجباية الضريبية وفق الأرقام السابقة تعتبر بعيدة كل البعد عن أدنى متطلبات العدالة المنشودة، فهو يكرس تركز الثروة لفئات على حساب أخرى، فضريبة القيمة المضافة تفرض على كافة السلع مهما كانت أهميتها بالنسبة للفئات المهمشة بنفس النسبة التي تُفرض فيها على الفئات الأوفر حظا، أما ضريبة الدخل، فلا تعبر في وعائها الضريبي المتواضع عن فائض الأرباح المتضخم في الشركات ذات الصبغة الاحتكارية أو الوكالات الحصرية أو لدى الشركات التجارية والخدمية.

خلل في بنية الإنفاق العام:

من اللافت للانتباه عند قراءة الحسابات الشهرية التراكمية لبنود الإنفاق العام الفلسطيني اتساع الهوة بين الإنفاق الجاري والإنفاق التطويري التنموي خلال السنوات العشرة الماضية، حيث شكل الإنفاق الجاري (86.6%) من هيكل الإنفاق العام في السنوات الخمس الأخيرة مقارنة مع (84%) للسنوات (2008 – 2012)، الأمر الذي يعطي مؤشرا على استمرار المنحى الإغاثي الاستهلاكي للسياسات المالية الفلسطينية على حساب الإنفاق التطويري الموجه للتمكين الاقتصادي، ما حد من قدرة الموازنة العامة على خلق مصادر تمويل ذاتية مستدامة، خاصة في ظل التراجع الملموس في حجم المساعدات والمنح الخارجية لدعم الموازنة الجارية.

وبالنظر إلى تقسيم النفقات العامة على بعض القطاعات المختارة، يتضح استمرار استحواذ المؤسسة الأمنية على ما متوسطه ربع النفقات العامة، وهي حصة توازي مجموع الإنفاق على بندي التعليم والصحة، فيما لم تتجاوز حصة وزارتي الزراعة والتنمية الاجتماعية ما متوسطه (0.7%) و(5%) على التوالي من مجموع الإنفاق العام.والأمر ليس أفضل حالا مع وزارات الحكم المحلي والاقتصاد الوطني (شاملة هيئة المدن الصناعية ومؤسسة المواصفات والمقاييس وهيئة تشجيع الاستثمار) والعمل، حيث كان نصيبها من مجموع الإنفاق العام خلال السنوات العشرة الماضية (1.5%، 0.5%، 0.3%) على التوالي.

الإنفاق العام وإعادة توزيع الفقر

تشير بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى ارتفاع معدلات الفقر في قطاع غزة إلى (53%) للعام 2017 مقارنة مع (38%) عام 2009، وذلك على الرغم من أن حصة قطاع غزة من برامج المساعدات النقدية المقدمة من مراكز المسؤولية في الموازنات العامة للسنوات السابقة تجاوزت (72%)[1] إضافة إلى أن(65.5%) من سكان قطاع غزة لاجؤون ويتلقون العديد من برامج الدعم من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين وغيرها من المؤسسات الدولية، الأمر الذي يقود إلى ضرورة مراجعة كافة برامج الدعم المقدمة للمناطق المنكوبة أو المهمشة سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، باتجاه التدرج في خلق برامج الدعم التنموي القادرة على تعزيز التمكين الاقتصادي والاجتماعي للأفراد، وخلق فرص عمل مستدامة لهم.

أما من حيث التقسيم القطاعي للفقر، فعلى الرغم من أن الأسر الأكثر فقرا في فلسطين هي الأسر التي يعيلها أصحاب الحيازات الزراعية، إلا أن سياسات الإنفاق العام لم تتوافق خلال السنوات العشرة الماضية مع تلك الحقيقة، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال الانتكاسة في المخصصات الفعلية لوزارة الزراعة للعامين (2016 – 2017)، حيث تراجعت حصة الوزارة من مجموع الإنفاق العام من متوسط (0.7%) إلى (0.1%)، ويبدو أن إجراءات التقشف التي قامت بها الحكومة نتيجة تراجع الدعم الخارجي أتت وبشكل جائر على قدرة الوزارة على تطوير برامجها التنموية التي أعلن عنها مؤخرا والمتمثلة بإنشاء كل من صندوق درء المخاطر والمؤسسة الفلسطينية للإقراض الزراعي دون أن يتمكن أي منها من أداء مهامه الإقراضية أو التأمينية.

النفاذ إلى سوق العمل

لم تساعد سياسات الإنفاق العام لبنود الموازنة العامة في علاج معضلة الزيادة المستمرة لمعدلات البطالة في المناطق الفلسطينية، حيث ارتفعت معدلات البطالة في قطاع غزة إلى (43.9%) خلال العام 2017، فيما استقرت عند متوسط (18%) في الضفة الغربية، لتشكل ما متوسطه (27.7%) في المناطق الفلسطينية، وهو انعكاس واضح لمعضلة إعادة توزيع الفقر في فلسطين من خلال اعتماد برامج الإغاثة في النفقات العامة عوضا عن اللجوء إلى برامج التشغيل والتمكين الاقتصادي.

وبحسبة بسيطة، نجد أن مجموع ما أضيف إلى جيش البطالة من القوى العاملة الفلسطينية بلغ (17,000) عاطل عن العمل سنويا خلال السنوات العشرة الماضية، ومع الأخذ بالاعتبار أن كل (9,500) دولار من الاستثمار تخلق فرصة عمل مباشرة في المدى القصير، وأخرى غير مباشرة على المدى المتوسط، نجد أن مجموع ما تحتاجه برامج التشغيل والتمكين الاقتصادي التابعة لمراكز المسؤولية ذات العلاقة لعلاج مشكلة البطالة (وبالتالي الفقر) هو (80.75) مليون دولار سنويا، وهو ما يمكن تأمينه من خلال:

  • تحويل مبلغ (57) مليون دولار من إيرادات ضريبة القيمة المضافة إلى مخصصات برامج التشغيل والتمكين الاقتصادي، وهو المبلغ الذي تقوم وزارة المالية بجبايته كفائض عن هوامش بروتوكول باريس الاقتصادي الذي سمح للجانب الفلسطيني تخفيض ضريبة القيمة المضافة نقطتين مئويتين عن تلك السائدة في إسرائيل، حيث تعتمد وزارة المالية نسبة (16%)، والأصل أن تنخفض تلك النسبة إلى (15%)، نظرا أن النسبة المعتمدة لدى الجانب الإسرائيلي هي (17%).
  • إعادة النظر في بعض النفقات البروتوكولية والتشريفية من سفريات ومنصرفات مركبات حكومية ومرافقين لموظفي السلطة، ومقرات وتأثيث ونثريات ونفقات متضخمة على المؤسسة الأمنية، فعلى سبيل المثال، بلغت فاتورة السفريات في قانون موازنة العام الجاري 2018 ما مقداره (16.7) مليون دولار، في حين قُدّرت عدد المركبات الحكومية للعام 2016 بـ (5578) مركبة تكلف خزينة الحكومة من محروقات وصيانة وتأمين ما لا يقل عن (27.7) مليون دولار سنويا.

من كل ما سبق، نجد لزاما على المالية العامة الفلسطينية التفريق بين الإنفاق الحكومي الإغاثي والتنموي، فالنفقات الإغاثية تقود إلى تسرب الجزء الأكبر من تلك الأموال للخارج ضمن نظام الواردات باعتبار أننا نستورد (70%) من احتياجاتنا من السلع والخدمات، دون أن تقود تلك النفقات إلى تحسين الطاقة الاستيعابية للقطاع الخاص، في حين أن الإنفاق باتجاه التمكين وتعزيز القواعد الإنتاجية الصناعية والزراعية سيقود حتما إلى خلق المزيد من فرص العمل، وبالضرورة تخفيض معدلات الفقر.

 

هل تتفق مع ما جاء في هذا المقال؟