الرئيسية » محلي » مجتمع واقتصاد »
 
28 حزيران 2015

سياحة فلسطينيّ الداخل بالضفة: إنعاش للإقتصاد وتوثيق للهويّة

في أقصى البلدة القديمة من مدينة نابلس، يصطف العشرات من الزبائن أمام محلّ حلويّات الأقصى، بانتظار دورهم.  إنّه يوم السبت حيث يؤمّ المحلّ أضعاف أعداد الزبائن مقارنة بالأيّام الأخرى، كما قال محمّد النابلسي، وهو أحد العاملين فيه. والسبب في ذلك يعود لتوافد فلسطينيّ الداخل إلى المدينة وهو ما يجعلهم يضاعفون كميّة الكنافة النابلسية الّتي يتمّ إعدادها.

\

نابلس- بوابة اقتصاد فلسطين| إنّ مدن الداخل الفلسطينيّ هنا، هو المصطلح الّذي يطلقه الفلسطينيّون على المدن الّتي تمّ احتلالها في عام 1948، وباتت تعرف باسم إسرائيل. وفلسطينيّو الداخل هم الفلسطينيّون الّذين بقيوا في أرضهم، ولم يهاجروا منها في تلك الحرب. وإنّ هؤلاء الفلسطينيّين، بعد انقطاع لسنوات بسبب انتفاضة عام 2000 والوضع الأمنيّ في الضفّة الغربيّة عادوا ليتدفّقوا بالآلاف إليها خلال السنوات الأربع الأخيرة (حوالي 900 ألف سنويا)، وأصبحت تشكّل بالنسّبة إليهم سياحتهم الداخليّة ومكان تسوّقهم وترفيههم، نظراً لانخفاض أسعارها، مقارنة مع المدن في إسرائيل، فضلاً عن الأسباب الوطنيّة، كونها امتدادهم الفلسطينيّ الطبيعيّ، كما أشارت أريج مكروش من بلدة كفر كنا في قضاء الناصرة.

وقالت مكروش 23 عاماً لـ"المونيتور": "في الضفّة، نشعر بالانتماء والأمان لا بالغربة، على عكس التسوّق من المدن الإسرائيليّة في الدّاخل. وهنا، نقرأ اللغّة العربيّة على اللاّفتات، ولا نضطرّ إلى استخدام اللّغة العبريّة".

ورغم الوضع الأمنيّ غير المستقرّ في الضفّة، إلاّ أنّها بالنّسبة إلى مكروش أكثر أمناً من المدن الإسرائيليّة الكبيرة، ممّا يجعلها تشتري كلّ ما تحتاج إليه من ملابس من مدينة جنين الواقعة في شمال الضفّة. كما تزور مدينتي رام الله ونابلس باستمرار للاستجمام في العطل الرسميّة والأعياد.

ولا تقوم مكروش وهي طالبة الإعلام والتّاريخ في جامعة حيفا بذلك وحدها، بل كلّ عائلتها. وفي هذا السّياق، قالت: "نحن نشتري كلّ ما نحتاج إليه من الضفّة حتّى الموادّ التموينيّة للبيت". كما أنّ شقيقتها خلال مرحلة التّجهيز لزفافها اشترت كلّ ما احتاجت إليه من محال في جنين. وذكرت أنّ أحد أقاربها جهّز أثاث منزله بالكامل من مدينة نابلس.

ولفتت مكروش إلى أنّ الأمر غير مرتبط بانخفاض الأسعار دائماً، لكنّ هناك وعياً كبيراً لضرورة دعم الاقتصاد الفلسطينيّ، إذ أنّ السلع نفسها في أسواق تل أبيب تكون أحياناً أرخص خلال أيّام التّصفيات، ولكن فكرة الشراء من الفلسطينيّين هي الخيار.

ولم يؤثّر بعض المواقف الّتي تتعرّض لها مكروش، في بعض الأحيان، على قناعتها، فهي تزور مدينة جنين كلّ سبت وتشتري ما تحتاج إليه، وقالت: "أحياناً، يستغلّنا التجّار، ولكن رغم ذلك نفضّل الشراء من الضفّة أفضل من الشراء من الأسواق الإسرائيليّة. إنّ الوضع الاقتصاديّ في الضفّة سيّئ للغاية، وما نقوم به هو لإنعاش الإقتصاد الفلسطينيّ، وهذا أقلّ ما يمكن أن نقدّمه".

وهذا التوجّه تحوّل أخيراً إلى ظاهرة، إذ تنطلق رحلات جماعيّة منظّمة أسبوعيّاً من مختلف البلدات العربيّة في الداخل إلى مدن الضفّة. وبحسب دراسة قام بها الإقتصاديّ الدّكتور رجا الخالدي فإنّ أكثر من مليار ومليون ومئة ألف شيكل (أيّ أكثر من ثلاثمئة مليون دولار)، هو مقدار ما يدخل سنويّاً للاقتصاد الفلسطينيّ من هذه السياحة.

وعرض الخالدي خلال حديثه لـ"المونيتور" دراسة يقوم بإعدادها، وهي تبيّن ارتفاعاً في عدد زيارات فلسطينييّ الداخل من 840 ألف زيارة في عام 2012 إلى 950 ألف زيارة في عام 2013. وتشكّل هذه الأرقام على أقلّ تقدير نسبة 30 في المئة من مجمل الزيارات السياحيّة الوافدة من خارج الضفّة.

وأكّد دراسة الخالدي، ما قاله مدير منتجع قرية حدّاد السياحيّة داخل مدينة جنين في شمال الضفّة الغربيّة فؤاد زكارنة لـ"المونيتور": "إنّ 80 في المئة من زبائننا من فلسطينيّ الداخل، وترتفع الأعداد أكثر في فترة الأعياد والإجازة الصيفيّة".

أضاف: "إنّ فكرة إنشاء المنتجع كانت في الأساس سياحة بديلة لأهالي الضفّة، بعد إغلاق الحواجز ومنع فلسطينيّ الضفّة من الدخول إلى داخل إسرائيل للاستجمام، ولكن ما حصل العكس، لأنّ فلسطينيّي الداخل هم الّذين يتوافدون للسياحة في الضفّة".

ويتّفق زكارنة على أنّ شعور فلسطينيّ الداخل بالأمان في الضفّة سببه هذا التوجّه، فضلاً عن شعورهم الوطنيّ، فالمؤسّسات الإجتماعيّة والمجالس المحليّة العربيّة والمؤسّسات النسويّة تنظّم نشاطات كاملة في القرية، والهدف المعلن هو دعم الإقتصاد الفلسطينيّ.

ومن جهته، رأى الخالدي أنّ هناك قصوراً في التّعامل الرسميّ واستغلال هذه الظاهرة إقتصاديّاً، فهي غير مرصودة حتّى اللّحظة، لا من قبل السلطة الفلسطينيّة ولا إسرائيل، إلاّ أنّ المؤشّرات كلّها تبيّن أنّها ليست حركة فرديّة عابرة، إنّما حركة جماعيّة، إجتماعيّة، وسياسيّة، بقدر ما هي إقتصاديّة.

وأشار النّاطق الرسميّ باسم وزارة الإقتصاد عزمي عبد الرّحمن إلى أنّ هذا القصور سيتمّ استدراكه قريباً من خلال خطّة شاملة وضعت لهذه الغاية، وقال لـ"المونيتور": "إنّ وزارة الإقتصاد والمؤسّسات الرسميّة الأخرى تنبّهت لهذه الظاهرة أخيراً، ووضعتها ضمن أولويّات عملها في المرحلة المقبلة لتنشيطها وتنظيمها من خلال اعتماد خطّة متكاملة وضعت، بالتّعاون مع القطاع الخاص، لتنظيم العقبات وإزالتها وتنمية هذه الظاهرة".

ولفت إلى أنّ تسوّق فلسطينيّ الداخل لا يقتصر فقط على السلع والمنتجات الاستهلاكيّة، وإنّما يتعدّاه إلى شراء الخدمات التعليميّة والمحاسبيّة والقانونيّة، وهو ما يمكن أن يشكّل إضافة نوعيّة للإقتصاد الفلسطينيّ.

وعن آليّات استثمارهذه الظاهرة لدعم الإقتصاد الفلسطينيّ، قال عبد الرّحمن: هناك تسهيلات ستقدّم إلى هؤلاء المتسوّقين داخل مدن الضفّة، كتوفير مراكز إرشاد ومرافق عامّة وحراسة على مركباتهم بصورة منظّمة.

(المونيتور)

مواضيع ذات صلة