الرئيسية » محلي »
 
27 شباط 2020

مختصون يدعون الحكومة لوضع الخطط لتقوية مناعة الاقتصاد الفلسطيني

بوابة اقتصاد فلسطين

عقد معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) أمس الأربعاء جلسة طاولة مستديرة حول حول "الرؤية الأمريكية الإسرائيلية لإنهاء القضية الفلسطينية: الأبعاد الاقتصادية والأثار المحتملة للتطبيق" وذلك في مقر المعهد في رام الله.

قدم الباحث عصمت قزمار ورقته الخلفية، مستعرضاً بمراجعة سريعة لنص وثيقة الرؤية، والتي يتضح أنها تتبنى بشكل مطلق الرواية الإسرائيلية، ليس فقط ما يخص الصراع، ولكن حتى بما يتعلق بالرواية التوراتية لتاريخ المنطقة والصراع الدائر فيها (ما يمكن تسميتها "بحرب المائة عام ضد فلسطين"). كما تدل صياغتها وتفاصيلها على أنها تستند إلى خطاب استعماري-وصائي، وإلى مفاهيم كولونيالية جديدة تميّع مفاهيم السيادة الوطني وحق تقرير المصير. وتفترض أن على الفلسطينيين أن يثبتوا جدارتهم في إدارة الدولة لكي يستحقوها. كذلك فإن هذه الرؤية تتجاهل كافة القرارات الأممية التاريخية بخصوص القضية الفلسطينية، والتزامات إسرائيل بموجب الاتفاقيات الدولية في مجالي القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، ناهيك عن التزاماتها في إطار اتفاقيات أوسلو. باختصار، فإنها رؤية مرفوضة لتنكرها التام لحقائق التاريخ وللحقوق الوطنية والإنسانية للشعب الفلسطيني في فلسطين.

وشدد الباحث على أن هذا الوضع يفرض على القيادات الفلسطينية، وصانعي السياسات الاقتصادية، والاقتصاديين الفلسطينيين، الانخراط في حوار مفتوح وصريح حول مدى خطورة هذه الرؤية وما تمثله من تغيير جوهري في مرجعيات وغايات "العملية السلمية" واتجاهات النضال الوطني الفلسطيني، وحول سبل مواجهتها وإفشالها، بما يتضمنه ذلك من مراجعات للخطاب، والسياسات والبرامج خلال المرحلة السابقة. كما يستدعي محاولة توقع الإجراءات الإسرائيلية المحتملة، وسبل مواجهتها ميدانياً ومن خلال البرنامج الاقتصادي "الانفكاكي" للحكومة، قدر الإمكان.

كما تكرس الرؤية السيطرة الإسرائيلية على المعابر مع الأردن، وتجبر الفلسطينيين على استخدام الموانئ الإسرائيلية، وتحرمهم من إنشاء ميناء ومطار خاص بهم في "المستقبل المنظور" وتربط ذلك بلائحة اشتراطات طويلة. هذا بالإضافة إلى ضم غور الأردن بالكامل وكافة المستوطنات والبؤر الاستيطانية الإسرائيلية، وإنشاء شبكة طرق وأنفاق وجسور لربط هذه المستوطنات بإسرائيل، بما يعنيه ذلك من مصادرة المزيد من أراضي المواطنين الفلسطينيين.

وأشار قزمار إلى أن معدو الرؤية يحاولون الترويج لها من خلال التركيز على المنافع الاقتصادية التي ستجلبها للاقتصاد الفلسطيني وحجم التمويل المرصود لتنفيذ الشق الاستثماري من الخطة. ولكن في الواقع، فإن النتيجة الحتمية لتطبيق هذه الرؤية ستكون تدمير الاقتصاد الفلسطيني وخنق الحيز المتاح للعمل والاستثمار، وليس تحقيق الازدهار. فالرؤية المطروحة تحرم الفلسطينيين من السيطرة على مفاتيح الإدارة الاقتصادية، وتبقيها في يد إسرائيل، كما تقطع وتشرذم الجغرافيا الفلسطينية، وتحاصر الفلسطينيين في معازل لا مجال فيها للتوسع السكاني أو الزراعي، وتمنح إسرائيل السيطرة المطلقة على حركة البضائع والأشخاص، من خلال سيطرتها على الطرق الخارجية (والأنفاق والجسور المفترض إقامتها) الواصلة بين المدن الفلسطينية (بما في ذلك الطريق الواصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة).

إضافة إلى ذلك فالوثيقة تمنح إسرائيل السيطرة على نهر الأردن والبحر الميت، وعلى المياه والمياه الجوفية الفلسطينية، وعلى المجال الجوي، والسبيراني الفلسطيني. مما يعني تكريس كافة القيود التي تفرضها إسرائيل على الاقتصاد الفلسطيني حاليا وتكريس تبعيته للاقتصاد الإسرائيلي، وإضافة قيود ومحددات جديدة، وتقزيم حيز الفعل الاقتصادي.

وطرح الباحث في عرضه محوران يستدعيان التحليل فيما يخص الرؤية المطروحة؛ يتعلق الأول بالشق الاستثماري الذي من المفترض أن يقود إلى إنعاش وتطوير الاقتصاد الفلسطيني (المشروط باستسلام الفلسطينيون "لحتمية" فرض الرؤية السياسية). أما الثاني فهو يتعلق بالآثار الاقتصادية المترتبة على قيام إسرائيل بتنفيذ ما ورد في الشق السياسي/الأمني بشكل أحادي الجانب وتدريجي وصامت، كما اعتدنا في جميع تجارب مواجهة الاستيطان الصهيوني الزاحف لفلسطين (في الداخل، وفي القدس وفي باقي الضفة الغربية).

من جانبه أشار ماهر المصري رئيس مجلس إدارة البنك الاسلامي الفلسطيني أن هذه الجلسة جاءت مكلمة لجلسات سابقة ولاحقة نظرا للأحداث المتجددة في هذا الموضوع، وان هذه الخطة لم توضح الحدود التي ستقوم عليها الدولة الفلسطينية، وبالتالي لن تكون للفلسطينيين دولة مستقلة ذات كيان واضح،  وفيما يتعلق بالأثر الاقتصادي لهذه الصفقة وكيف نستطيع ان نواجها بما تحمله من معطيات جديدة سوف تنعكس على الواقع الفلسطيني، وذلك كون مكونات هذه الخطة ستفرض قيودا جديدة على جميع مناحي حياة الشعب الفلسطيني، وأنها ستزيد من شراسة المستوطنين ومن حدة أعمالهم تجاه الفلسطينيين، كما نوه إلى ان ما جاء في هذه الخطة بما يتعلق بالجانب الفلسطيني لن ينفذ على الأرض، وهذا الامر لا يختلف عن ما سبقه  من الاتفاقيات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي. وطالب المصري الحكومة بتشكيل فريق لدراسة تفاصيل هذه الخطية من اجل مواجهة الاثار المترتبة على تنفيذها، ووضع خطوط تفصيلية تساعد الحكومة في تنفيذ ما تسعى اليه على الأرض، وهذا بدوره سيعزز من التمكين الاقتصادي للفلسطينيين. كما نوه إلى أن الحالة السياسية الراهنة والموقف الفلسطيني الضعيف في موازين القوى تتطلب تجنب الدخول في مواجهات اقتصادية لا يمكننا ضمان نتائجها، وعلى الفلسطينيين العمل بهدوء على تعزيز أركان الصمود الاقتصادي والنسيج الاجتماعي.

وأشار هيثم الوحيدي الرئيس التنفيذي لهيئة تشجيع الاستثمار الفلسطينية ممثلاً عن وزارة الاقتصاد الوطني في حديثه إلى أن ما جاءت به الخطة لتنمية الاقتصاد الفلسطيني لا يختلف عما جاء في المبادرات الخارجية الأميركية السابقة للنهوض بالاقتصاد الفلسطيني، وأنها ليست سوى المقومات الأساسية لاي اقتصاد يسعى للنمو والبقاء، وذكر ان الجانب الإسرائيلي لم يهتم فقط بالجانب السياسي والأمني للصفقة، بل كذلك اهتم بالجانب الاقتصادي، وذلك لما سيدر على الاقتصاد الإسرائيلي من منافع عديدة. وأشار إلى أن الحكومة الفلسطينية تبني سياسة الانفكاك الاقتصادي، وتسعى من خلال سياساتها إلى تعزيز حصة المنتج الوطني، والمبادرات الحكومية لتعزيز الاستثمار في الاغوار، وفي المناطق (ج)، وتطرق أيضا إلى السياسات التي تتبناها الحكومة للاستثمار في السياحة في القدس، وكيف ستمكن هذه المبادرات من تعزيز الصناعات وتعزيز التمكين الاقتصادي للفلسطينيين في القدس. كما تطرق أيضا الى تبني الحكومة سياسة التنمية بالعناقيد، بالإضافة إلى حرص الحكومة على تعزيز الشراكة بين القطاع الخاص والعام.

من جانبه تحدث المهندس أسامة عمرو أمين سر المجلس التنسيقي لمؤسسات القطاع الخاص في مداخلته عن رفض القطاع الخاص بشكل قطعي للصفقة، وان الصفقة لا تقدم أي منفعة مجدية سياسا او اقتصاديا، وأن المنفعة التي سيجنيها الاقتصاد الفلسطيني من استغلال الأراضي في المناطق (ج) ستحقق منافع على الاقتصاد الفلسطيني أكثر من المنافع الاقتصادية التي جاءت بها هذه الصفقة، وان الحلول والاقتراحات المقدمة في هذه الصفقة مقدمة للطرف المهزوم. وأشار إلى ان الحكومة الفلسطينية أخفقت خلال الفترة السابقة في نيل ثقة الشعب، وهذا ترتب عليه ردة الفعل الضعيفة من قبل الشعب الفلسطيني لما يجري حاليا من احداث، لذا يجب العمل على ان يستعيد الشعب ثقته بالحكومة، كما شدد على ضرورة تعزيز الشراكة ما بين القطاعين العام والخاص، ورفع أداء المؤسسات وضرورة تحليها بالشفافية ومكافحة الفساد. وركز على ضرورة دمج الشباب في معترك المرحلة الحالية، وتنويع الخيارات للوصول الى الأهداف المنشودة وعدم الاعتماد على خيار واحد، وهذا درس مستفاد من 25 سنة الماضية من اعتماد الحكومة الفلسطينية على نهج المفاوضات للوصول للأهداف التي تسعى الحكومة لتحقيقها.

واعتبر الخبير الاقتصادي د.نصر عبد الكريم ان هدف هذه الرؤية هو تصفية القضية الفلسطينية، وان الجانب الاقتصادي لهذه الخطة ليس سوى وعود وهمية، غير واقعية، وهذا بالاستناد الى ان الظروف الموضوعية لتحقيق هذا الجانب وفق ماء جاء بالخطة غير متحقق. وشدد على أن الهدف الذي تسعى لتحقيقه هذه الخطة هو تحويل الازمات المرحلية الانتقالية التي يعانيها الاقتصاد الفلسطيني الى أزمات دائمة وذلك من خلال الوصاية التي تبنتها هذه الخطة. وهذا بدوره سينعكس في شرعنة الوضع القائم، وما سيقلل من حيز العمل في الاقتصاد الفلسطيني.

ودعا عبد الكريم لمواجهة هذه الخطة الى ضرورة تقوية المناعة والحصانة في الاقتصاد الفلسطيني، وذكر أن وتيرة الجانب الإسرائيلي في تنفيذ الخطة سوف تزداد حدة وتيرتها مع الوقت، ودعا الى ضرورة احداث تغيير جذري في الموقف الحكومي الفلسطيني على الصعيد الاقتصادي لكي نستطيع مواجهة هذه الخطة (مثلا ان تخصص الحكومة جزءا في موازنتها الجديدة أموالا لدعم سياسة التنمية بالعناقيد، نفقات تدعم الانفكاك الاقتصادي ...)، كما دعا إلى ضرورة تغيير السياسة التجارية الفلسطينية وذلك بمزيج من تبني سياسة تشجيع الصادرات وسياسة احلال الواردات او تبني سياسة تدمج ما بين المنهجين، ويرى انه لا بد للحكومة من تبنى سياسات تواجه التحديات الكبيرة المتمثلة في الفقر والبطالة وتوزيع الدخل والثروات.

وأجمع الحضور في مداخلاتهم على ان الهدف من هذه الصفقة هو تصفية القضية الفلسطينية، وشددوا على أهمية الدور الذي يجب ان تقوم به الحكومة الفلسطينية من خلال وضع خطط تهدف الى تقوية مناعة الاقتصاد الفلسطيني وزيادة حصانته، وتمكين الفلسطينيين ودعم صمودهم، وأشار بعض المتحدثين إلى أن إسرائيل لا تريد التفاوض على الصفقة، بل تريد تنفيذها بشكل احادي على الأرض تحت غطاء شرعي من الولايات المتحدة الامريكية، ودعا الى ضرورة تقوية مناعة الاقتصاد الفلسطيني من خلال أربعة أمور: توسيع وتنويع المصادر الطبيعية، وتوسيع القاعدة الإنتاجية، وأيضاً توسيع حصة المنتج المحلي في السوق المحلي والخارجي، وأيضا الى تطوير القوى العاملة الفلسطينية تقنيا ومهنيا. وأكد المشاركون من قطاع غزة على وحدة المصير الفلسطيني بين شطري الوطن وعلى ضرورة تحقيق الوحدة الوطنية في مواجهة الرؤية الأميركية الإسرائيلية المعادية، كما شددوا على أهمية الاستثمار في القاعدة الإنتاجية الفلسطينية لدعم القدرة الشعبية على مواجهة المرحلة.