الرئيسية » الاخبار الرئيسية » في دائرة الضوء »
 
03 كانون الثاني 2021

حصاد 2020... الفلسطينيون لوحدهم في وجه المخططات الأمريكية الإسرائيلية

حمزة خليفة_ بوابة اقتصاد فلسطين.

يرحل العام 2020 كما جاء، محملاً بمحطات شديدة الصعوبة على الفلسطينيين سياسياً واقتصادياً، ومزدحماً بمستجداته القاتمة على قضيتهم، في ظل هجمة أمريكية إسرائيلية شرسة على الأرض والإنسان، وتخاذل عربي وصل إلى أبعد مما ظن متشائم، وانقسام داخلي مستمر منذ 2007.

لم يكن هذا العام مختلفاً بالنسبة للفلسطينيين رغم صعوبته، بل جاء ليكمل سلسلة سنوات طويلة، شهدت تضييقاً وحصاراً وحروباً وأزمات سياسية واقتصادية، في ظل عربدة إسرائيلية متصاعدة، أكثر خبثاً وأشد مكراً وتطرفاً.

في هذا التقرير، نحاول الوقوف عند أبرز المحطات والمستجدات التي شهدتها القضية الفلسطينية خلال 2020، ومناقشة انعكاساتها مع الأستاذ أحمد عزم أستاذ السياسة وعضو المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، في حديثه لـ "بوابة اقتصاد فلسطين".

صفقة القرن "شرعنة الأمر الواقع"

في كانون الثاني/يناير 2020، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن خطته للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والتي عرفت باسم "صفقة القرن".

تضمنت الصفقة شقين، الأول يتعلق بالاقتصاد، من خلال إقامة استثمارات بقيمة 50 مليار دولار لمشاريع استثمارية، وإنشاء بنى تحتية للفلسطينيين في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، بالإضافة لمشاريع في كل من مصر والأردن ولبنان، في محاولة لإنهاء قضية اللاجئين.

الشق الثاني هو السياسي، والذي يقضي بإقامة دولة حكم ذاتي فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة تكون عاصمتها ضواحي شرقي القدس، مع سيطرة إسرائيل على الأمن، وابتلاع ما نسبته 30% من أراضي الضفة الغربية، في حين تكون القدس تحت السيادة الإسرائيلية الكاملة وعاصمة لدولتها.

هذه الصفقة قوبلت برفضٍ فلسطينيٍ قاطع على المستويين الرسمي والشعبي، وهو ما وصفه عزم بالموقف الفريد والقوي، فإدارة ترامب سعى إلى حل القضية الفلسطينية وتصفيتها نهائياً، عبر دفع الفلسطينيين إلى الاستسلام بأساليب ترغيب، من خلال الحديث عن الاقتصاد واستثمارات بعشرات المليارات وخلق فرص عمل للشباب، لكنها بالواقع لم تتضمن استقلالاً فلسطينياً اقتصادياً حقيقياً.

وأوضح عزم أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة، كانت تعمل على مبدأ إدارة الصراع، أي الوصول إلى التهدئة بغض النظر عن تحقيق السلام من عدمه، لكن ترامب حاول أن يقوم بأمر مختلف من خلال صفقته، وتقديم خدمة العمر لدولة الاحتلال.

حاول ترامب فرض خطته على الفلسطينيين من خلال أوراق ضغط تمثلت بقطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية والضغط على دول العربية لوقف مساعداتها أيضاً، بالإضافة لإغلاق مكتب بعثة منظمة التحرير في واشنطن، وإعلان القدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إليها، وما تبعها من محاولات لتصفية قضية اللاجئين عبر إنهاء عمل الأونروا.

ويرى عزم أن الصفقة تسعى للإبقاء على الوضع القائم حالياً وشرعنته كحل نهائي للقضية الفلسطينية، عبر إعطاء الفلسطينيين دولة على مساحة لا تزيد عن 50% من الضفة الغربية بالإضافة لقطاع غزة، مع ضم القدس والأغوار والمستوطنات والطرق المؤدية لها لإسرائيل، ومن هنا أخذ نتنياهو الضوء الأخضر لتنفيذ خطة الضم.

خطة الضم... وتسارع وتيرة الاستيطان

لم يكن مفاجئاً لأحد، إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في حزيران/ يونيو 2020، عن خطته لضم الأغوار والمستوطنات المقامة على أراضي الفلسطينيين، ففي 2019 كانت الخطة واحدة من أهم أجزاء دعايته الانتخابية أواخر 2019.

الخطة لم تتضمن في طياتها إقامة دولة فلسطينية، كما اشتملت على ضم الأغوار والمستوطنات الإسرائيلية المقامة على أراضي الفلسطينيين في المناطق المصنفة "ج" والخاضعة للسيطرة الأمنية والمدنية الإسرائيلية حسب اتفاق أوسلو، حيث تبلغ مساحة الأراضي الواقعة تحت سيطرة المستوطنات مباشرة بنحو 40% من مجمل مساحة الضفة الغربية، وتشكِّل أكثر من 60% من مساحة المنطقة (ج). 

حسب دراسة أجراها مركز الجزيرة للدراسات بعنوان: ضم الضفة الغربية: نموذج إسرائيلي جديد "للحل" في فلسطين، فإن الهدف من خطة نتنياهو القضاء على أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967، ومن أجل تحقيق هذا الهدف تقوم الاستراتيجية الإسرائيلية الحالية على مبدأ "عكس الاتجاهات".

 ويعني هذا المبدأ أن إسرائيل، وضمن إطار "صفقة القرن" ستقوم بحسم القضايا المركزية (مصير مدينة القدس، والحدود، والمستوطنات، واللاجئين، والسيادة الأمنية) بصورة أحادية وخارج إطار المفاوضات الثنائية مع الفلسطينيين.

من جهته، قال الأستاذ أحمد عزم إن صفقة القرن وما صحبها من إعلان الضم جاء لشرعنة الأمر الواقع، بمعنى أن يصبح مقبولاً قانونياً وسياسياً، فلسطينياً وعربياً ودولياً، وهو ما فشلت إسرائيل في تحقيقه.

وتابع: " الضم كإجراءات عملية يتم على الأرض، من خلال تصاعد وتيرة الاستيطان، ويظهر ذلك من خلال مصادفة حكومة الاحتلال على بناء أكثر من 12 ألف وحدة استيطانية جديدة على أراضي الدولة الفلسطينية".

وقف التنسيق مع الاحتلال والإدارة الأمريكية

جاء رد السلطة الفلسطينية على الخطوات الأمريكية والإسرائيلية، عبر تعليق الاتصالات مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية "سي آي إيه"، الذي سبقه إعلان وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة الأمريكية.

وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد أعلن في أيار/مايو، إن السلطة في حِلٍّ من جميع الاتفاقات والتفاهمات مع الحكومتين الأميركية والإسرائيلية، ومن جميع الالتزامات المترتبة عليها، بما فيها الأمنية.

هذا القرار خلق أزمة جديدة، في محاولة إسرائيل ثني السلطة عن موقفها، فاشترطت تحويل أموال عائدات الضرائب الفلسطينية "المقاصة" بعد العودة للعمل الاتفاقيات والتنسيق مع القيادة الفلسطينية، وهو ما رفضته الأخيرة، واعتبرته ابتزازاً سياسياً تمارسه إسرائيل على القضية الفلسطينية.

ذلك الأمر، جعل السلطة تعيش أزمة مالية حادة، فأموال المقاصة تشكل ما نسبته 60% من إجمالي الإيرادات العامة الفلسطينية، فدخلت السلطة في أزمة جديدة تمثلت في عدم تمكنها من الإيفاء بالتزاماتها المالية تجاه موظفيها، في وقت كانت فيه جائحة "كورونا" تغزو الأراضي الفلسطينية.

التطبيع العربي... "السلام الزائف"

نكبة جديدة وطعنة في خاصرة القضية الفلسطينية، تمثلت بتسابق بعض الأنظمة العربية للتطبيع مع الاحتلال بغية كسب الرضا الأمريكي، وتحقيق أهدافٍ اقتصادية، تحت ما يسمى "السلام مع إسرائيل".

في أيلول/ سبتمبر من 2020، فتح البيت الأبيض أبوابه أمام الإمارات والبحرين لتوقيع اتفاقيات التطبيع، مهدتا بذلك الطريق لتعبره لاحقاً كل من السودان والمغرب.

بين صمت عربي من جهة، وترحيب من جهة أخرى، أكدت السلطة الفلسطينية والفصائل الوطنية، رفضها لتطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل، واعتبرت ذلك "خيانة للقدس والأقصى والقضية الفلسطينية، واعترافاً بالقدس عاصمة لإسرائيل".

من جانبه اعتبر رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية التطبيع العربي مع إسرائيل "بديلاً للسلام مع الفلسطينيين".

وقال اشتية إن محاولة تصوير تطبيع الدول العربية مع إسرائيل على أنه بديل للسلام مع الفلسطينيين، يمثل هروباً من الحقيقة.

وفي تعقيبه، أوضح عزم إن التطبيع بمثابة نكبة على الإجماع العربي، فالفلسطينيون يدركون منذ البداية أنهم لوحدهم في هذا الصراع، ولذا لا بد لهم أن يعتمدوا على العامل الذاتي الفلسطيني. "في الحقيقة لا وجود لحرب بين الدول المطبعة والاحتلال".

وأضاف: "مشكلة إسرائيل هي معنا نحن الفلسطينيون، وسيستيقظ نتنياهو صباحاً ليجدنا أمام وجهه، وكذلك المستوطنون سيجدوننا أمامهم، نحن صامدون، ولن يكون هناك سلام بدون الفلسطينيين، وبالتالي كل ما جرى لا يؤدي إلى تغيير حقيقي".

المصالحة الفلسطينية... خطوة للأمام وخطوات للخلف

لم تزل قضية المصالحة الفلسطينية، التحدي الأبرز على الصعيد السياسي الفلسطيني الداخلي، وبين شد وجذب بين حركتي فتح وحماس، فشلت عشرات الجهود العربية والإقليمية في إحداث أي اختراق على هذا الصعيد، وتغيير الواقع الذي يعيشه الفلسطينيون منذ الانقسام عام 2007.

هذه المرة كانت مختلفة، فمواقف الحركتين كانت موحدة ومتقاربة، حول القضايا التي عصفت بالقضية الفلسطينية وأبرزها صفقة القرن وخطة الضم، ونجم عن توحيد المواقف تقارب في وجهات النظر، فتحت الباب أم إمكانية إنجاز الملف الداخلي لمواجهة التحديات الخارجية الأكثر خطورة.

أول التحركات في هذا الاتجاه، كان اجتماع أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح جبريل الرجوب مع نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري بر تقنية الاتصال المرئي، في أول اجتماع بين الطرفين منذ 2018.

أظهر هذا الاجتماع النوايا الحقيقية للطرفين، عبر دعوتهما لتوحيد الجهود، حيث قال الرجوب إن الحركتين أعلنتا عن اتفاق لإفشال صفقة الضم ومشروع تصفية قضيتنا كقضية سياسية، وأنهما -أي فتح وحماس-ستعملان على تطوير كافة الآليات التي تحقق الوحدة الوطنية، كما أكد العاروري على "الوحدة" بين الحركتين، وأن هذا المؤتمر المشترك فرصة لبدأ مرحلة جديدة، تكون بمثابة خدمة استراتيجية للشعب الفلسطيني في أكثر المراحل خطورة.

ذلك الاجتماع، تبعه اجتماع للأمناء العامين للفصائل الفلسطينية، ترأسه الرئيس محمود عباس في أيلول/ سبتمبر2020، وهو أول لقاء يعقد بين الفصائل الفلسطينية دون وساطات ورعايات خارجية منذ الانقسام الداخلي، حيث توافقوا خلاله على ترسيخ مبدأ التداول السلمي للسلطة من خلال الانتخابات الحرة والنزيهة، وفق التمثيل النسبي الكامل.

هذا الاجتماع لم يكن الأخير، بل تبعه إجراء وفدي الحركتين مباحثات في العاصمة التركية أنقرة، كان التركيز خلاله على تجاوز الانقسام، وإجراء الانتخابات، ووضع برنامج وطني لمجابهة التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية، وآليات العمل المشترك والموحد للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني ومصالحه، والتصدي لكل المؤامرات حتى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وقرر الطرفان إحالة ما توافقا عليه إلى لقاءٍ قياديٍ يجمع الأمناء العامين للفصائل، ويسبق إعلان الرئيس الفلسطيني رسميا عن موعد الانتخابات.

لكن وكما جرت العادة، سرعان ما طفت الخلافات مجدداً على السطح، وهو ما حال دون عقد اجتماع الأمناء العامين للفصائل لإقرار آليات إنهاء الانقسام.

انتقل وفدا الحركتين هذه المرة إلى العاصمة المصرية القاهرة، للتباحث حول نقاط الخلاف، في محاولة لحل المشاكل العالقة، وبعد ثلاثة أيام من المباحثات لم يحرز فيها أي تقدم يذكر، وكما جرت العادة جاء الإعلان عن مخرجات اللقاءات مشابها لتلك التي رافقت ختام اجتماعات سابقة، دون الإعلان عن صيغة نهائية لإنهاء الانقسام، أو إعلان موعد اجتماع الأمناء العامين للفصائل.

المشهد عاد مجدداً ليبدو قاتماً، خاصة بعدما أعلنت السلطة الفلسطينية عودة استلام أموال المقاصة والعمل بالاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال بعد أشهر من وقفها، وهو ما أثر بشكل كبير على سير تلك الاتصالات حسب محللين.

اعترضت حركة حماس على الخطوة، وقالت على لسان عدد من قياداتها إن عودة التنسيق يعتبر ضربة في العمق لأي شراكة وأي عمل وطني، من جانبها اتهمت حركة فتح أن حماس تراجعت عن التفاهمات التي جرت في تركيا، واعتبرت أن حماس تستخدم العودة للتنسيق كذريعة للتنصل من إجراء المصالحة.

لكن أستاذ العلوم السياسية أحمد عزم يرى أن تحقيق المصالحة من بوابة انتخابات المجلس التشريعي تبدو صعبة، ويجب التفكير في طرق أخرى من ضمنها إعادة تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية، وتجديد الانتخابات داخل النقابات المهنية والشعبية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي تشكل الجزء الأكبر من المجلس الوطني الفلسطيني باعتباره الممثل والرافعة الوطنية.

عودة التنسيق 

بعد ستة أشهر على قطع العلاقات مع الاحتلال، أعلن وزير الهيئة العامة للشؤون المدنية حسين الشيخ في تشرين ثاني/ نوفمبر، أن التنسيق الامني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل سيعود إلى ما كان عليه سابقاً.

وغرد الشيخ عبر تويتر قائلاً: " على ضوء الاتصالات التي قام بها سيادة الرئيس بشأن التزام إسرائيل بالاتفاقيات الموقعة معنا، واستنادا إلى ما وردنا من رسائل رسمية مكتوبه وشفوية، بما يؤكد التزام إسرائيل بذلك. وعليه سيعود مسار العلاقة مع اسرائيل كما كان".

بعد أيام من إعلان الشيخ، أفرجت السلطات الإسرائيلية عن أموال المقاصة كاملة، والتي بلغت قيمتها 3.768 مليار شيقل.

لكن وسائل إعلام إسرائيلية، أعلنت أن إسرائيل ستقوم بعملية خصم قيمة الرواتب التي تدفعها السلطة لعوائل الشهداء والأسرى، وتبلغ قيمتها 600 مليون شيقل، بدءاً من شهر كانون أول/ ديسمبر بالتقسيط، بمبلغ يصل إلى 50 مليون شيقل شهريًا.

وعلق الأستاذ أحمد عزم على هذه القضية، حيث قال إن ما حدث من وقف العمل بالاتفاقيات مع الاحتلال جاء في إطار التصدي لخطة الضم، رغم أن السلطة كانت تعلم أن هناك ثمن صعب لمثل هذه الخطوة على صعيد مستحقات المقاصة، وعلى صعيد حركة البضائع والمسافرين، والكثير من الملفات التي كانت متعلقة بهذا القرار، وهي نوع من علاقة الأسير مع السجان لا أكثر ولا أقل.

ما يحدث هو ليس تنسيق مع دولة مجاورة، بل ما يجري هو أننا نعيش تحت الاحتلال ونحن مضطرون للتعامل معه، وهذا القرار لم يأت لتنمية مصالح إنما للتعايش مع واقع صعب يفرضه علينا الاحتلال، عودة التنسيق لم تغير أي شيء على الأرض، فالعلاقات ما زالت في حدها الأدنى، ولا يوجد أي اتصالات سياسية.