الرئيسية » أقلام اقتصادية »
 
16 تشرين الثاني 2021

في يوم الاستقلال الفلسطيني، ما حجم "استقلالنا" الاقتصادي!

بوابة اقتصاد فلسطين

" فإن المجلس الوطني يعلن باسم الله وباسم الشعب العربي الفلسطيني... قيام... قيام دولة فلسطين فوق أرضنا الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف"

منذ الثمانينات أعلنها الختيار، والآن في عامنا هذا، 2021، لم يبق من هذا الإعلان سوى البسملة، وصوت الختيار الذي يحيي في نفوسنا تراتيل قصائد درويش "ونحن نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا" لم يبق لا شعب عربي فلسطيني، فقد أصبحنا مقسمين فئويين متعصبين للحزب أكثر من فلسطين، كما قسمنا طبقيا، فظهرت طبقة البرجوازية الفلسطينية وذابت الطبقة المتوسطة محاولة بشتى الطرق أن تظهر بمظهر البرجوازية حتى لوكان الثمن تقييد حياتها بقروض لا حصر لها، كما لم يبق من قيام دولة فلسطين سوى علامة النسر منزوعة السيادة والأرض والعاصمة، علامة نسر بلا مخالب.

رغم أن إعلان الاستقلال شكل بارقة أمل للفلسطينيين في شتى بقاع الأرض إلا أن اتفاقية أوسلو كانت من أكثر الجدران التي اصطدم بها استقلالنا، حيث نجح الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1994 بتكبيل الاقتصاد الفلسطيني بقيود مختلفة طمعا في تحقيق أهدافه الاقتصادية في المناطق الفلسطينية، ومن أعقد هذة القيود وأكثرها أثرا اتفاق أوسلو، وبروتوكول باريس الاقتصادي.

لابد عند تفكيك عناصر الاقتصاد الفلسطيني ومحدداته من أن نعرج على بروتوكول باريس الاقتصادي وتحديد تأثيره على استقلالنا الاقتصادي، البروتوكول كان له تأثيرات سلبية شديدة على مسار التنمية الفلسطينية حيث فرضت هياكل التكلفة الاسرائيلية على الاقتصاد الفلسطيني على الرغم من التباين الشديد في مستويات الدخل والتطور بين الاقتصاديين، يغطي البروتوكول جوانب التجارة والعمل والترتيبات المالية (الضرائب، والجمارك، والمقاصة) والنقدية (العملة والمصارف)، ولعل أبرز جوانب البرتوكول هو الجانب المالي، حيث يعطي الجانب الإسرائيلي مسؤولية تحويل مبالغ ضريبة القيمة المضافة، والإيرادات الجمركية المترتبة على الواردات الفلسطينية من طرف ثالث، وعوائد ضريبة الدخل من العاملين الفلسطينينيين في اسرائيل، بعد خصم 3% كرسوم تحصيل، وهو ما يعرف بنظام المقاصة.

وأكدت التطورات التي تبعته على صواب رأي الناقدين في حينه، فاتفاق أوسلو يمنح الفلسطينيين حكما ذاتيا مقيدا ومحصورا في مناطق محددة في الضفة الغربية وقطاع غزة. وليس هذا فقط، إذ إن قدرة الفلسطينين على ممارسة التنمية الاقتصادية في الأراضي المحتلة، التي حددها الاتفاق، اشترطت بتأمين حماية أمن الاسرائيليين، بما في ذلك المستوطنين. بينما يعطي نفس الإطار لإسرائيل نفوذا كاملا ونهائيا لإحكام سيطرتها على كامل المنطقة إذا رأت لذلك ضرورة. مما يعني أن الاتفاق منح إسرائيل الحق بكبت بل وتعطيل الأنشطة الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية المحتلة بأي شكل كان إذا شعرت أن هناك ما يهدد أمنها، والأمن بتعريفها هي فقط.

تحليل الاستقلال الإقتصادي في فلسطين

أصبح الاقتصاد الفلسطيني مرتبطا بشكل شبه تام باقتصاد المحتل بحيث أصبح السوق الثاني للمنتجات الاسرائيلية، وقد نجحت مخططات التقسيم وتغييب فلسطين عن الخريطة الجغرافية الدولية منذ 1948، وإقامة اسرائيل فوق الجزء الأكبر ثم احتلال بقية الأجزاء عام 1967، إلى نشوء الفقر كظاهرة في فلسطين واتساع نطاقها. فقد تسبب عزل الشعب عن موارده الوطنية ومصادر دخله الرئيسية وتشتيته بتقويض مقومات النمو الذاتي والتنمية المستدامة.

ومن الملاحظ أنه في كل عام يتكبد الاقتصاد الفلسطيني خسائر اقتصادية جمة بسبب الاحتلال الاسرائيلي واجراءاته التعسفية وفي مقدمتها مصادرة الأراضي وموارد المياه ، الاستيطان، الحصار، الإغلاق، تقييد حركة الأشخاص والسلع حيث كشف تقرير أعده مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) أن تكلفة الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في الفترة الواقعة بين عام 2000 و2017 تقدر بنحو 47.7 بليون دولار(أونكتاد، 2020) ، ولا بد أن هذه التكلفة ازدادت في 2018-2020 بسبب أزمة المقاصة التي كشفت حالة الارتهان المعيشي والاقتصادي الفلسطيني لإسرائيل، ظنا بإمكانية إجبار الشعب الفلسطيني على مقايضة حقوقه الوطنية وحقوق أسر الشهداء باحتياجاته المعيشية.

ويمكن رصد الآثار الاقتصادية والخسائر الجسيمة التي ألحقت بالإقتصاد الفلسطيني بسبب تواجد الإحتلال الإسرائيلي من مطلع القرن العشرين حتى اليوم ب:

  1. نكوص التنمية الفلسطينية (de-development): حيث عمد الاحتلال منذ 1967 التضييق على استغلال الموارد الطبيعية التي ساهمت في تراجع القدرة الانتاجية المحلية، وتضخم الخدمات غير المرتبط بالانتاج، وأضعفت القدرة الاستيعابية المحلية للقوى العاملة. (معهد أبحاث السياسات الاقتصادية ماس، 2016)
  2. الحصار الإقتصادي: تكبد الشعب الفلسطيني خسائر كبيرة بسبب سياسات الإغلاق ومنع حركة الأفراد والسلع، وفي قطاع غزة الذي ما زال يرزح في سجن كبير حيث يعيش مليونا إنسان فلسطيني في ظروف معيشية صعبة وسيئة للغاية تهدف إلى تركيعهم وإذلالهم، وتكبد الشعب تكاليف اقتصادية بسبب الإغلاق طويل الأمد والحروب الثلاثة الممنهجة تخطت 16.5 مليار دولار، إلى جانب ذلك يفتقد معظم السكان المياه الصالحة، ولا يتمتعون بشبكة صرف صحي ملائمة. كما أن معدل الفقر الوطني في قطاع غزة كان من الممكن أن يتناقص إلى 15% في عام 2017، أي ربع المعدل 53%[1] لو لم يكن هناك إغلاق وعمليات عسكرية، وقتل عشوائي للمدنيين خلف العديد من العائلات بلا معيل. (موقع الأمم المتحدة، 2020)
  3. فتح أسواق الضفة والقطاع المخطط للمنتجات الإسرائيلية: حيث بلغت الواردات من اسرائيل 30% من العرض الكلي للسلع في الاقتصاد الفلسطيني خلال الأعوام ما بين 2010-2018. فيما كان دخول المنتجات إلى السوق الإسرائيلية فقط لسد النقص في تلك السوق وبشكل انتقائي بهدف حماية المنتج الإسرائيلي من المنافسة ( معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس)، 2020) .
  4. التوغل الاستيطاني: هناك علاقة وثيقة بين سياسات الاستيطان وسلب الموارد الوطنية، وبين تردي خدمات الرفاه وتوزيع المداخيل وجودة الحياة، حيث بلغ حجم الخسارات الاقتصادية الناتجة عن وجود المستوطنات على الأقل 10.2% من الناتج المحلي الإجمالي لاقتصاد الضفة الغربية، وهو ما يعني أن القيمة الحقيقية لهذه الخسائر تعادل 857 مليون دولار وفق الأسعار الثابتة للعام 2004، تتوزع الخسائر الاقتصادية للاستيطان الإسرائيلي بين خسائر غير مباشرة تحتسب على أساس القيم المضافة للناتج المحلي الإجمالي، وقد بلغت 153 مليون دولار سنويا في القطاع الزراعي، و212.7 مليون دولار في قطاع الصناعة ، كما تؤثر على قطاع السياحة بما يقدر ب 63 مليون دولار، و60 مليون دولار لقطاع الانشاءات، كما أظهرت الإحصاءات أن حجم الخسائر في سوق العمل بلغت 38.3 مليون دولار. أما فيما يتعلق الخسائر المتعلقة بالمداخيل فتبلغ 488.7 دولار أمريكي (مدار، 2015).
  5. رهن العمالة الفلسطينية لتنمية الاقتصاد الإسرائيلي: بالتزامن مع تدمير القطاعات الإنتاجية، استوعبت إسرائيل العمالة الفلسطينية في أسواقها من خلال برنامج استخدام رسمي أطلق في العام 1968، أدى إلى تفريغ الأراضي الفلسطينية المحتلة من الأيدي العاملة لصالح إسرائيل، ووجدت إسرائيل في اليد العاملة الفلسطينية خصائص عدة تخدم بناء إقتصادها ورفع ناتجها القومي بما ينافس العمال والمستخدمين الإسرائيليين. ومن أهم هذه الخصائص أن اليد العاملة الفلسطينية في إسرائيل تشتغل بنظام المياومة، فغالبية العمال يعودون إلى بيوتهم يوميا، ولا يشكلون أي عبء إقتصادي على إقتصاد الإحتلال، ولا يتطلبون أي إستثمار في توفير المساكن لهم، ولا يحتاجون إلى دمج في المجتمع الإسرائيلي. وبدلا من أن يساهم بروتوكول باريس الاقتصادي في تعزيز الاستقلالية الاقتصادية للسلطة الفلسطينية، ازداد الأمر سوءا فقد تعمق الاعتماد على الاقتصاد الإسرائيلي في مناح عدة، بما فيها التشغيل، فبلغت نسبة العاملين الفلسطينيين في إسرائيل حوالي 19% من مجموع القوى العاملة في الضفة الغربية. (إحصاءات مسوح القوى العاملة، 2017.(
  6. إضعاف القدرة الانتاجية للصناعات الفلسطينية: حيث تتعرض لتحديات حقيقة وأحيانا زيادة في التكلفة، حيث تحظر اسرائيل دخول نحول 60 مادة وسلعة إلى السوق الفلسطينية والتي تستخدم كمادة أولية في انتاج سلع أخرى، حيث تكلف قيود الحركة على السلع الاقتصاد الفلسطيني بما قيمته 142 مليون دولار، و60 مليون دولار خسائر قطاعي التصنيع وتكنولوجيا المعلومات، كما تمنع اسرائيل نحو 90 شركة في قطاع غزة من الحصول على مواد الخام بحجج أمنية، وبسبب منع استيراد مادة حامض الكبريت تأثرت صناعة دباغة الجلود مما أثر على جودة الجلود المصنعة.

وتعتبر الصناعات المعدنية والهندسية من أكثر الصناعات التي تعاني من رقابة الاحتلال المشددة، حيث يمنع ادخال الآلات التي تشكل المواد المعدنية، بحجة أن ماكنات الخراطة المعدنية يمكن أن تستخدم في صناعة السلاح، وكل الماكنات الموجودة حاليا هي قديمة جدا يقدر عمرها بأكثر من 14 عام، ولا شك أن  الصناعات الكيماوية والمنظفات محط الأنظار للجهات الرقابية الاسرائيلية، من حيث منع مواد الخام من استيرادها، حيث يتخوف أن تستخدم بعض المواد لصناعة المتفجرات، كما ان حجز المواد المسموحة حتى دخولها يؤخر الدورة الانتاجية وهي معاناة تتكرر مع كل شحنة مستوردة.[2](الجزيرة نت)

  1. تكلفة الاحتلال من المال العام الفلسطيني: ونقصد في هذا البند خسائر الإيرادات العامة الفلسطينية التى تتكبدها الحكومة من جراء الاحتلال، وهي خسائر تعزز الهشاشة المالية لدولة فلسطين، ويقوضان قدرتها على التخطيط وتمويل التنمية لتوجية الاقتصاد نحو النمو المستدام ويمكن تقسيم تلك التكلفة إلى قسمين: القسم الأول خسائر مالية نتيجة تسرب مال عام فلسطينى إلى الخزانة الإسرائيلية بدلا من وصولها إلى صاحب الحق وهى الخزانة الفلسطينية، وذلك طبقا لنصوص بنود بروتوكول باريس الاقتصادى لسنة 1994 والذى ينظم العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الحكومة الفلسطينية وإسرائيل؛ والقسم الثانى للتكلفة المالية للاحتلال يتمثل فى ضياع إيرادات وأموال عامة كان من الممكن أن تتحصل عليها الحكومة الفلسطينية إن لم يكن الاحتلال موجودا، أي التكلفة المالية للاحتلال والموارد المالية الضائعة على الشعب والحكومة الفلسطينية بسبب الاحتلال والتدابير التى يفرضها على الشعب الفلسطينى فى أرضه المحتلة. (أونكتاد، 2020)
  2. نقاط التفتيش المنتشرة في الضفة الغربية: الضفة الغربية مقسمة إلى جزر منفصلة بفعل أكثر من 600 نقطة تفتيش عسكرية وبوابات وطرق مخصصة حصريا للمستوطنين الإسرائيليين. وتفيد التقديرات أن نقاط التفتيش الإسرائيلية وحدها تكلف اقتصاد الضفة الغربية ما لا يقل عن 6٪ من الناتج المحلى الإجمالى.

المصادر والمراجع:

  1. 2020. الانفكاك عن الاقتصاد الاسرائيلي: المفاهيم النظرية والإمكانات العملية، معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس)، رام الله، فلسطين.
  2. اونكتاد، 2020. التكلفة للإقتصادية للاحتلال الإسرائيلي: قطاع غزة نموذجا. مقرالأمم المتحدة.

https://unctad.org/system/files/official-document/a75d310_en_1.pdf

  1. المركز الفلسطيني للدراسات الاسرائيلية "مدار"، 2015.الاستيطان: آثار كارثية على الاقتصاد الفلسطيني. رام الله، فلسطين.
  2. الجزيرة نت، الاقتصاد والناس،الاحتلال واستهداف الاقتصاد الفلسطيني بحجة الأمن.

https://www.youtube.com/watch?v=tKSukAPiSvQ

  1. موقع أخبار الأمم المتحدة، 25-2-2020 . تقرير أممي: خسائر قطاع غزة الاقتصادية الناتجة عن عقد من الاحتلال والحصار الإسرائيلي تخطت ال 16,5 مليار دولار. https://news.un.org/ar/story/2020/11/1066492
 

[1] حسب احصاءات الجهاز المركزي للإحصاء 2017.