الرئيسية » مجتمع واقتصاد » في دائرة الضوء »
 
30 كانون الثاني 2022

قانون ضريبة القيمة المضافة... حل الأزمة المالية من جيب المواطن

إخلاص طمليه-بوابة اقتصاد فلسطين: في محاولة للخلاص من الأزمة المالية والمديونية العالية التي تعاني منها خزينة السلطة الفلسطينية، تسابق وزارة المالية الزمن، لإقرار قانون جديد لضريبة القيمة المضافة، حيث تم إقراره بالقراءة الثانية في مجلس الوزراء.

مشروع هذا القرار بقانون، لم يرفق بلائحة تفسيرية، وهنا يفسر الباحث المؤسس في مرصد السياسات الاقتصادية والاجتماعية فراس جابر أن هدف الاستعجال لإقراره يهدف لزيادة إيرادات الخزينة وتخفيض العجز المالي للسلطة، حيث أن فرض قانون ضريبة القيمة المضافة على مجموعة جديدة من الأنشطة الاقتصادية التي لم تكن مشمولة سابقا بأي نوع من الضريبة، دون مراعاة أسس العدالة الاجتماعية والاقتصادية".

من جانبه أكد مدير المركز القانوني لاستقلال المحاماة والقضاء إبراهيم البرغوثي أن فرض أية ضريبة يفترض أن يقابلها منافع أو خدمات، كالصحة، والتعليم، ودعم القطاعات المنتجة والتشغيلية، وتحسين شروط الحياة، إلا أن القانون لم يحدد اتجاهات التصرف بعوائد هذه الضرائب المستجدة، ومن هي الفئات المستفيدة منها، أم أنها ستنفذ برنامج السلطة التنفيذية الذي يتعارض مع المصالح الأساسية للمواطنين، كما يجب أن يقترن فرض الضرائب مع كفالة الحقوق الدستورية مثل الحق في الرقابة على أداء السلطة التنفيذية، والحق في كشف جرائم الفساد.

النصف الممتلئ من الكأس

في المقابل، يذكر جابر بعض النتائج الإيجابية التي ستتحقق عند تطبيق هذا القانون بقوله: "إن من إيجابيات القانون فرضه لضريبة قيمة مضافة على أنشطة اقتصادية كانت في السابق غير مغطاة، مثل الأنشطة العقارية والتطوير العقاري، وأنشطة البورصة التي تدر أرباحاً عالية جدا دون خضوعها لأي نوع من الضرائب".

من جانبها، ناقشت وزارة المالية تجربة الأردن في إضافة أعباء ضريبية على الشركات التي تحقق دخولاً مرتفعة، فالبنوك العاملة في الأردن يتم تحصيل ضرائب منها تصل إلى 35%، أما في فلسطين فيتم تحصيل 15% فقط، وتحقق العديد من الشركات أرباحاً عالية ومضمونة دون أن يكون عليها مساهمات ضريبية تذكر".

وممن الجدير بالذكر أن المرصد لمس تغيراً في نمط التفكير والعمل في وزارة المالية، حيث أن الوزارة انفتحت على نقاش السياسات المالية مع الأطراف المختلفة، بعد ما كانت تعزل نفسها عن أي نقاشات مالية أو اقتصادية بحثية وتطويرية، كما أن مقترح القانون يضبط التهرب والتحايل الضريبي.

إلغاء الضريبة على أجور ومنح الجمعيات

فرض مشروع القرار بقانون ضريبة على إجمالي أجور المؤسسات غير الربحية، ومنها البلديات ومؤسسات المجتمع المدني والأهلي وأيضا المؤسسات المالية، كما اقترح فرض ضريبة قيمة مضافة على المنح والتبرعات التي تصل لهذه المؤسسات عدا المنح التي تقدمها الحكومة، حيث أن هذا "يمس بشكل كبير من قدرة الجمعيات والمؤسسات الأهلية على استمرار عملها، ويؤدي إلى ارتفاع التكاليف الإدارية على حساب المنتفعين من تلك الخدمات، حسب المرصد.

ويؤكد جابر على أنه تم الاتفاق مع وزارة المالية على إلغاء فرض ضريبة القيمة المضافة على مجمل أجور المؤسسات الأهلية وعلى المنح التي تصلها، حيث تم تعديل المادة رقم (4)، والمتعلقة بفرض الضريبة على المؤسسات غير الهادفة للربح.

إلا أن د. مؤيد عفانة الخبير المالي والضريبي يشير إلى أن القانون شمل المؤسسات الأهلية، حيث ورد في مشروع القرار بقانون أنه "إذا كانت المؤسسة تمارس نشاطاً ينافس القطاع الخاص تفرض عليه ضريبة القيمة المضافة" وبالتالي فإن هذا النص عرضة لتأويلات عديدة، ومن الممكن أن تصبح الجمعيات النسوية -التي ترعى مشاريع نسوية لإعداد الطعام والتطريز مثلاً -في نظر مأمور الضريبة منافسة للقطاع الخاص، وكذلك الحال بالنسبة للمؤسسات الشبابية التي تقدم خدمات استشارية للمشاريع الصغيرة.

ويؤيده مدير المركز القانوني إبراهيم البرغوثي في ذلك، ويضيف: "الحديث هنا لا يدور عن فرض الضريبة لمرة واحدة، بل ستفرض على جميع المعاملات المالية، فالقانون يعتبر المنح التي تحصل عليها المؤسسات كمقبوضات، وتخضع لضريبة القيمة المضافة 16%، كما تخضع كل أوجه الصرف المتعلقة بالمنحة إلى تلك الضريبة، وبالتالي يتم خصم نسبة تفوق بكثير حاجز 16% من المنحة".

وتابع: "قانون الجمعيات أعفى بشكل صريح مؤسسات المجتمع المدني من الضريبة، بالتالي فرض ضريبة عليها واعتبارها مكلف فيه، هو انتقاص من استقلاليتها وهيمنة على أنشطتها ودورها".

الانفكاك عن نسبة بروتوكول باريس

في نسخته الحالية، يؤكد مشروع القانون في طياته على تبعية الاقتصاد الفلسطيني لاقتصاد الاحتلال، وذلك عبر تضمين النسب المتفق عليها ضريبيا وجمركيا مع الاحتلال، حيث بقيت نسب الضريبة محكومة بالسقف المحدد في اتفاق باريس الاقتصادي، كما يرى الباحث فراس جابر.

ويدور النقاش مع وزارة المالية حول وضع شرائح ضريبية، تؤدي إلى تمايز في نسب ضريبة القيمة المضافة على السلع تبعا لأولويتها للمستهلك، مراعية بذلك الفئات المهمشة والفقيرة، حيث تبدأ من نسبة 5% على السلع والخدمات الأساسية مثل السكر والطحين والأرز والحليب، وتتصاعد على بقية السلع والخدمات حسب درجة كماليتها مراعية أساسيات العدالة الاجتماعية، دون أن يؤثر على الإيرادات الضريبية للخزينة، فترتفع الضريبة على السلع الكمالية مثل الساعات والعطور والهواتف المحمولة.

ويؤكد جابر على أنه وحتى الآن تتبنى وزارة المالية لهذه الاستراتيجية، لكن من المتوقع أن يتم تحديد النسب في نظام من مجلس الوزراء، وإذا ما تم ذلك فإنه سيكون هناك اختلاف في النظام الضريبي الفلسطيني عن النظام الاحتلالي، ولم يوضح المشروع ما إذا كانت ستطبق النسب الجديدة للضريبة على السلع المستوردة، وهل سيكون هناك تقاص على نسب ضريبية 5%، 10%، 12% 16% أم لا؟

من جهته، أوضح عفانة أن المؤسسات البحثية والباحثين الاقتصاديين طالبوا على مدار سنوات بإصدار قانون ضريبة مضافة يتناسب مع الخصوصية الفلسطينية، حيث يخضع تحصيل ضريبة القيمة المضافة في الوقت الحالي للقانون رقم 16 لسنة 1963، الذي يقضي بفرض الرسوم على المنتجات المحلية، وقانون الجمارك، وقانون توحيد الضرائب رقم 25 لسنة 1966، بالإضافة إلى الأوامر العسكرية الصادرة بالخصوص.

أما فيما يخص بروتوكول باريس الاقتصادي فقد تم الاتفاق على أن تبقى هذه الضريبة مماثلة للضريبة لدى الاحتلال أو أكثر أو أقل بنسبة 2%، وفي المادة رقم 2 من مشروع القرار بقانون تم تحديد نسبة الضريبة بـ 16%، "وهذا يدل على أننا ما زلنا تابعين للاحتلال رغم إصدار قانون فلسطيني، والدليل بقاء النسبة 16%".

ويضيف عفانة " أن النص حول تغيير النسبة بتنسيب الوزير، هو نص فضفاض وغير واضح، فمن أسس التشريع وجوب التحديد والوضوح، فمثلا ضريبة المبيعات في الأردن مفصلة بنص القانون كضريبة تصاعدية محددة لكل السلع بشكل لا لبس فيه، وهنا يجب حل إشكالية الضريبة في فلسطين، والتي تعتبر ضريبة عمياء تمس جميع المواطنين بغض النظرعن المستوى المعيشي للفرد أو أولوية السلعة.

كما يرى أنه لابد من إطلاق حوار مجتمعي يشمل جميع الأطراف حول مشروع القرار بقانون، فأحد أبرز التحفظات عليه يكمن في تأثيره على شرائح مختلفة داخل المجتمع، بالإضافة لارتفاع نسبة إيرادات الخزينة المتحصلة منها والتي تصل إلى 30%.

قطاعات إن لم تعفى... ستتضرر

من النتائج الوشيكة لفرض الضرائب على قطاعات اقتصادية حيوية ومنتجين محليين لم يكن يجبى منهم ضرائب سابقاً، سيؤدي إلى انخفاض تنافسية هذه المنتجات في السوق المحلي أمام منتجات الاحتلال، وبالرغم من إنشاء معظم المشاريع السياحية بناء على إعفاء خدماتهم من الضريبة، إلا أن النقاشات ما زالت مستمرة حتى الآن حول فرض الضريبة على القطاع السياحي، مما سيؤدي إلى إثقال كاهل شرائح كثيرة في المجتمع، إن بقيت أصلاً.

ويشير جابر إلى أن قطاع الإنتاج الحيواني ما زال غير معفي من ضريبة القيمة المضافة، حيث حاول المرصد تعديلها مع وزارة المالية لإيجاد تمايز بين منتج الثروة الحيوانية وبين التاجر، وأيضا التمايز بين المنتج الكبير والمنتج الصغير، لكن الوزارة ترى أن تجار المواشي والملاحم يحققون أرباح عالية، لكن المرصد بصر على مبدأ تشجيع الإنتاج الحيواني والزراعي وإعفاءه من أية ضرائب، خصوصا في ظل الأسعار المرتفعة للمنتجات الحيوانية.

ويقترح جابر تمييز قطاع الأدوية الفلسطيني عن الأدوية المستوردة، وذلك لتوفير حق العلاج للفئات المهمشة، وتحسين مداخيل شركات الأدوية الفلسطينية، وبالتالي زيادة إنتاجهم وتشغيلهم، بالإضافة لتخفيض الطلب على البضائع المستوردة وبضائع الاحتلال، وما زال هذا المقترح قيد النقاش.

الصلاحيات المطلقة مفسدة مطلقة

أوضح جابر أن مشروع القانون يخوّل صاحب القرار سواءً كان المدير أو الوزير أو مجلس الوزراء الموافقة أو رفض إعفاء ضريبي معين أو فرض ضريبة بنسبة ما، وبالتالي يعطي سلطة واسعة دون أي أساس موضوعي ومحدد.

كما يرى أن هذه النقطة خلافية وجوهرية بشكل كبير، وسببها الأساسي أن الذي قام بصياغة القانون هو نفسه الذي ينفذه، خصوصا في غياب المجلس التشريعي، بالتالي فإن وزارة المالية عندما صاغت القانون منحت نفسها صلاحيات بالقانون.

وأردف: "تم منح صلاحيات واسعة للوزير والمدراء ومفوضي الضريبة، دون وجود جهات رقابية من خارج الوزارة، وهذا يؤدي إلى ضياع الثقة بين المكلفين بمهنية الصلاحيات تلك، ولهذا طالبنا باقتراح جهة من خارج الوزارة للتدقيق، أو أن تكون الصلاحيات في الإطار الواضح الذي لا مجال للتعسف به، أو التجاوز، أو الفساد، كما أن لجوء الأطراف للتقاضي مسألة متعبة، وطويلة الأمد ولا يثق بها المواطنون، لذا فإن أفضل حل هو ضبط الصلاحيات والمسؤوليات في القانون بحيث تكون منطقية، على أن تستخدم وقت الحاجة فقط، دون تجاوز لأي قوانين سابقة".

الرؤية المستقبلية بعد التطبيق

يرى جابر ضرورة أم تستند وزارة المالية إلى دراسة اقتصادية حول تأثير فرض القانون بنسبه المطروحة حالياً على الاقتصاد الفلسطيني، على الأمد القصير والبعيد، فتعديل القانون حسب ملاحظات المرصد سيؤدي إلى تغير إيجابي، بحيث تنخفض أسعار بعض السلع الأساسية، كما يتوقع زيادة إيرادات الخزينة.

كما يعتقد أن نجاح القانون مرتبط بوجود كوادر بشرية ولوجستية تلاحق وتفتش وتضبط الملفات الضريبية، خصوصا الشركات ذات الحصة السوقية الكبيرة من القطاع الخاص، وعدم الاكتفاء بملاحقة صغار التجار.

وأضاف: "يجب أن يقترن إصدار قانون ضريبة القيمة المضافة مع تعديل قانون تشجيع الاستثمار، والذي يمنح بعض الشركات ذات الحصة السوقية الكبيرة إعفاءات ضريبية عالية منذ 20 عاماً".

من جهته يرى البرغوثي أن هذا المشروع سيزيد من عمق الأزمة المجتمعية والطبقية، وسيؤدي إلى عزوف العديد من فئات المجتمع المنتجة كالمزارعين، والحرفيين من مزاولة أعمالهم نتيجة زيادة العبء الضريبي عليهم، بدون أي مراعاة للفوارق الاجتماعية بين الناس، كما أكد على ضرورة إيجاد موقف موحد لكافة مؤسسات المجتمع المدني والقطاعات الاقتصادية، للضغط على الحكومة باتجاه تعديل القانون بما يضمن العدالة الاجتماعية والضريبية.