الرئيسية » الاخبار الرئيسية » آخر الأخبار » في دائرة الضوء »
 
02 تشرين الثاني 2025

مسودة قانون الحدّ من الدفع النقدي… مخاوف قبل الإقرار

خاص- بوابة اقتصاد فلسطين

يتناول مشروع القرار بقانون "تحديد سقوف الدفع النقدي" ضبط استخدام الكاش في المعاملات داخل فلسطين بهدفين رئيسيين: تقليص المخاطر المرتبطة بالنقد وتعزيز وسائل الدفع غير النقدي (البطاقات، المحافظ الإلكترونية، التحويلات).

ينصّ المشروع على سقف نقدي أقصاه 20 ألف شيكل أو ما يعادله بالعملات المتداولة؛ ويتسع نطاقه ليشمل الدفعة الواحدة أو دفعات متتابعة لصفقة واحدة، ويطبّق على جميع العملات المتداولة محليًا.

يمنح النص سلطة النقد صلاحية تعديل السقف ووضع الاستثناءات وضبط "سقوف الشبكات" ورسومها بالتنسيق مع وزارة المالية والجهات ذات العلاقة، مع التزام المؤسسات العامة والمالية والتجار بإتاحة وسائل دفع غير نقدي والاحتفاظ بسجلات تثبت ذلك.

يقرّ المشروع استثناءات إنسانية لحالات الإغاثة والعمل الأهلي عند تعذّر الوسائل الرقمية، ويحدد غرامات نسبية من قيمة المعاملة تتشدد عند التكرار من دون أن تمسّ بصحة العقد المدني. وللتنفيذ، تُشرف سلطة النقد مع وزارات وهيئات رقابية وأمنية على تطبيق تدريجي بجدول زمني انتقالي لا يتجاوز ستة أشهر من تاريخ النشر الرسمي.

لماذا يثار الجدل؟

يرى مختصون أن القانون يتعامل مع النتيجة أكثر من السبب. فمشكلة فائض الشيكل في المصارف ناجمة أساسًا عن قيود الترحيل والمراسلة البنكية، وليس عن كثافة استخدام الكاش وحدها. تقليص النقد محليًا من دون معالجة تلك القيود لن يحلّ الاختناق القائم.

البنية التحتية أولًا

يشير خبراء إلى عدم تكافؤ انتشار نقاط البيع والإنترنت في الضفة والقرى ومناطق "ج" وقطاع غزة. فرض سقوف صارمة قبل استكمال التغطية الرقمية يعني عمليًا تعطيل معاملات يومية ضرورية لدى شرائح واسعة، ويحوّل التحول الرقمي إلى عبء إداري لا خيار فيه.

من يتحمل كلفة الرسوم؟

تُحذّر آراء مهنية من أن عمولات البطاقات والتحويلات قد تنتقل للتاجر ثم تُحمَّل للمستهلك عبر الأسعار. غياب سقوف واضحة للرسوم وآليات لحماية المستهلك يفتح الباب لارتفاع الكلف بطريقة تمس القدرة الشرائية، خاصة لدى المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر.

فجوة اجتماعية وجغرافية

كما أن تطبيق القانون بلا ترتيبات للفئات غير المشمولة ماليًا—من لا يملكون حسابات أو محافظ رقمية—قد يعمّق الفوارق بين مركز المدن المخدّم رقميًا والأطراف الأقل حظًا.

ضغط على السيولة واحتمال ركود

تقييد الكاش بلا بدائل تمويل قصيرة الأجل وبلا حوافز للتجار قد يضغط على السيولة في قطاعات يغلب فيها الدفع النقدي مثل العقارات والجملة والذهب والتبغ والمحروقات. النتيجة المتوقعة: تباطؤ في الحركة التجارية، وتأخر في التسويات، وارتفاع في التعثر.

مخاطر عابرة للحدود

هناك تخوف من البعض من الاعتماد الأوسع على قنوات رقمية، والذي حسب قولهم قد يعرّض حسابات فلسطينية لإغلاقات أو تحفظات من مزوّدي خدمات وبنوك مراسلة خارجية، خاصة في ظل القيود الإسرائيلية الأحادية. يطالب مختصون بضمانات تنظيمية وآليات تظلّم سريعة تحمي الأفراد والشركات من التعسف.

صلاحيات واسعة… وتفاصيل غائبة

ويرى مختصون أن المسودة تمنح الجهات المنظمة صلاحية تعديل السقوف ووضع استثناءات و"سقوف للشبكات" والغرامات. غير أن غياب جداول رسوم ومعايير حماية واضحة يخلق حالة عدم يقين قانوني، ويجعل الامتثال مكلفًا وملتبسًا.

هل يعالج القانون فائض الشيكل؟

الإجابة التي يقدمها خبراء هي: ليس وحده. من دون مسار تفاوضي وعملي لتحسين ترتيبات الترحيل مع الجانب الإسرائيلي وتأمين قنوات مراسلة بنكية موثوقة، سيبقى جزء كبير من الأزمة قائمًا حتى لو انخفض استخدام النقد.

ما الذي يُطلب قبل الإقرار؟

قبل الإقرار، يطالب مختصون باعتماد مسار مرحلي يبدأ بالقطاعات الأكثر جاهزية مثل المدفوعات الحكومية والمرافق والاتصالات، مع تقييمات دورية تُعدّل السقوف وفق واقع السوق، وبموازاة ذلك تحديد سقوف عادلة لرسوم البطاقات والتحويلات وتوزيع الكلفة بين مزوّدي الخدمة والتجار والمستهلكين مع إعفاءات للفئات الهشّة والمشاريع الصغيرة، وتمويل حكومي/تنموي لنشر نقاط البيع وتوسيع تغطية الإنترنت في الأطراف وبرامج إدماج مالي لحسابات أساسية ومحافظ رقمية منخفضة التكلفة، ووضع استثناءات صريحة ودائمة لحالات الطوارئ والبيئات الهشّة ولا سيما في غزة مع مسارات نقدية بديلة عند انقطاع الخدمات، وتقديم حوافز ضريبية وتخفيضات رسوم وتشجيع رقمي بدل الاكتفاء بالعقوبات، مع حملات توعية وحماية مستهلك وآليات تظلّم سريعة وشفافة، وتحسين ترتيبات ترحيل فائض الشيكل والمراسلة البنكية بقنوات آمنة وتحصين قانوني ضد القيود الخارجية، فضلًا عن نشر المسودة رسميًا مع مذكرة أثر اجتماعي-اقتصادي وفتح مشاورات ملزمة مع غرف التجارة والنقابات وجمعيات المستهلك قبل الصياغة النهائية.

الانتقال إلى المدفوعات الرقمية هدف مشروع ومطلوب، لكنه ليس مجرد نص قانوني؛ إنه مشروع بنية وثقافة وثقة. من دون بدائل رقمية ميسّرة وعادلة، واستثناءات إنسانية صريحة، وحلول جذرية لفائض الشيكل، قد يتحول القانون من رافعة للشفافية والنمو إلى قيد إضافي على السوق والمواطن. الطريق الآمن يبدأ بالمرحلية، وتمويل البنية، وعدالة الرسوم، وتحصين النظام المالي من المخاطر العابرة للحدود.

كلمات مفتاحية::