بقلم: ثابت أبو الروس
عضو الاتحاد العام للاقتصاديين الفلسطينيين
بوابة اقتصاد فلسطين
قررت الحكومة الفلسطينية التعامل بالمثل على القرار الاسرائيلي بمنع ادخال المنتجات الزراعة الفلسطينية إلى اسواقها وذلك بمنع استيراد الخضار والفواكه والمياه الغازية والمياه والعصائر الإسرائيلية الى السوق الفلسطينية.
هذا قرار قديم جديد ولكن الى أي مدى يمكن ان ينعكس هذا القرار على الاقتصاد الفلسطيني خلال الفترة الحالية وخاصة وأن الجديد في الموضوع ان القرار جاء أولا من الجانب الإسرائيلي وليس الفلسطيني.
تعد المقاطعة الاقتصادية أسلوبا حديثاً ونوعيا ً في العلاقات الدولية ،فهي اجراء تلجأ اليه الدول بقطع العلاقات التجارية ومنع التعامل معها بقصد الضغط الاقتصادي عليها رداً على اعمال عدوانية تم الارتكابها. وتعتبر المقاطعة الاقتصادية أعنف صور الحرب الاقتصادية التي تمارسها الدول على بعضها خاصة إذا كانت متكافئة في القوتين العسكرية والاقتصادية.
صور المقاطعة الاقتصادية والتجارية :-
هناك العديد من الصور والنماذج التي يمكن تبنيها لتعزيز المقاطعة والانفكاك الاقتصادي ومنها:-
- حث الدول على عدم استيراد المنتجات الإسرائيلية وتحديدا السلع المنتجة في المستوطنات
- تفعيل الحملات الداخلية المستمرة وليست الموسمية أو المؤقته حيث تهدف هذه الحملات على تشجيع المقاطعة وتعزيز المنتج المحلي
- اعتماد منهج اكاديمي تعليمي في المدارس والمؤسسات التعليمية تحث على تشجيع المنتجات المحلية
- مراجعة الاتفاقيات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي والمتعلقة بالتبادلات التجارية والعمل على تعديل هذه الاتفاقيات وخاصة بروتوكول باريس الاقتصادي
- السعي لايجاد البديل المحلي أو المستورد من الخارج لأن المقاطعة توجب إيجاد البديل
- محاربة تهريب البضائع من الجانب الإسرائيلي عبر النقاط الواصلة بين الجانب الإسرائيلي والفلسطيني والتصدي للمهربين
طبيعة العلاقة التجارية الفلسطينية الإسرائيلية حقائق وأرقام
يجب أن تكون العلاقات التجارية بين الدول قائمة على التوازن والتكافؤ في أهمية وجودة وأسعار المنتجات حتى تستطيع أن تستخدم سلاح المقاطعة كسلاح فعال وبتحليل الأرقام الصادرة عن الدوائر الرسمية نجد ما يلي :-
1- إن السلطة الفلسطينية تستورد ما لا يقل عن 8000 سلعة من الجانب الإسرائيلي وبالمقابل تصدر تقريباً 60 سلعة الى اسرائيل خلال 2018.
2- تستورد السلطة الفلسطينية ما قيمته 600 مليون دولار من المنتجات الزراعية وبالمقابل صدرت ما قيمته 88 مليون دولار خلال العام 2018
اذن هناك حالة من الاستحواذ والسيطرة شبه المطلقة بقيمة وعدد السلع المصدرة من الجانب الإسرائيلي الى الجانب الفلسطيني حيث لا تتعدى نسبة التكافؤ في التبادل 15% وهذا مؤشر لا يخلق علاقة تبادلية وانما يخلق علاقة سيطرة وتحكم.
3- تقييم مدى مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي نجد انها لا تتعدى 7% وهذا ناقوس خطر بحد ذاته اذ ان فلسطين لديها من المميزات الجغرافية والمناخية ولديها من الخبرات والكفاءات ما يجعلها قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي أولا والقدرة على التصدير ثانياً
4- أما مساهمة القطاع الزراعي في تشغيل القوى العاملة فلا تتعدى 6% . وبتفصيل القوى العاملة فهي موزعة في أغلبها ما بين كبار السن والنساء بمعنى هناك غياب واضح لعنصر الشباب
5- الاستثمار في القطاع الزراعي سيعمل على خلق ما لا يقل عن 12000 فرصة عمل وبالتالي سيكون هناك انخفاض ولو بشكل بسيط في نسبة البطالة المتفشيه في فلسطين والتي بلغت ما لا يقل عن 30 %
هل تستطيع السلطة الفلسطينية المقاطعة الفعلية للبضائع والمنتجات الإسرائيلية ؟
يمكن ان تنجح المقاطعة وتضع أصحاب القرار الفلسطيني امام التحدي الأكبر في إيجاد الحلول للسلع التي تم مقاطعتها في الحالات التالية :-
- اذا كان الجانب الإسرائيلي هو الذي يدعوا الى مقاطعة المنتجات الفلسطينية ويمنع استيراد المنتجات الفلسطينية وكذلك يمنع دخول المنتجات الإسرائيلية الى السوق الفلسطيني فيمكن ان يتم اعتبار هذا القرار تحدي كبير للسلطة بهدف إيجاد بدائل وهذا أمر غير مستبعد من الجانب الإسرائيلي.
- اذا كان قرار المقاطعة ناتج عن قرار جماهيري شعبي غير مرهون بهبات ومناسبات وفعاليات على ان يكون هذا القرار مدعوماً بقرار حكومي داعم لايجاد البديل للمنتجات والتدخل لدى كبار التجار لمنع حالات الاستغلال الناتجة عن هذا القرار
خطة السلطة الفلسطينية لتفعيل المقاطعة
إن موضوع مقاطعة المنتجات الزراعية الإسرائيلية هو أحد صور الانفكاك الاقتصادي عن الجانب الإسرائيلي و لتفعيل موضوع الانفكاك الاقتصادي يجب على السلطة وضع خطة شاملة لكافة القطاعات والمنتجات فلا يعقل أن نتحدث عن مقاطعة المنتجات الزراعية ولا يوجد لدينا خطة لمقاطعة مشتقات البترول ولا يوجد بديل للمنتج الإسرائيلي فالمقاطعة ليست قرارا ارتجاليا وانما هي قرار مصيري .
الخطة المقترحة للمقاطعة الشاملة عن الجانب الإسرائيلي وتعزيز الانفكاك يجب اتباع الخطوات التالية :-
- الحراك الدبلوماسي الدولي فيما يتعلق بتعديل الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة مع الجانب الإسرائيلي والتي تتيح للجانب الفلسطيني الاستيراد من الخارج دون قيود وتأخير من الجانب الإسرائيلي وهذا الحق كفلته اتفاقية باريس الاقتصادية ولم يتم تطبيقه
- وضع خطة شاملة للانفكاك الاقتصادي وتعزيز المقاطعة على ان تكون خطة انفكاك تدريجي وليس كلي لان الاقتصاد الفلسطيني لا يملك من الإمكانيات والمقومات للانفكاك الكامل والمباشر سواء الأنظمة والتشريعات وتوافر المواد الأولية وغيرها .
- حملات توعية وتثقيف للمواطن الذي يعتبر الركيزة الأساسية في المقاطعة.
- التوجه للاستيراد المباشر وخاصة المواد الأولية بهدف تشجيع التصنيع وعدم الاقتصار على استيراد المنتجات الجاهزة .
- تفعيل المدن الصناعية :- لقد تم بناء مدن صناعية سواء في اريحا أو جنين أو غيرها حيث ان تستوعب مشاريع إنتاجية ضخمة ويمكن لهذه المشاريع ان تستوعب أيدي عاملة وفنيين وموظفين بأعداد كبيرة قادرة على امداد السوق بحاجاته المختلفة من السلع والمنتجات
- مراجعة السياسات والأنظمة الضريبية والقانونية التي تساعد على تعزيز ودعم المنتجات الوطنية وأن لا تكون هذه الأنظمة عاملا سلبياً في دعم وتعزيز المنتجات المحلية
- مراجعة قانون تشجيع الاستثمار بما يكفل حماية وتشجيع المستثمر في العمل في بيئة قانونية داعمة ومحفزة على الاستثمار
- توافر المرونة اللازمة من العاملين في الدوائر الحكومية بخصوص تسهيل وتسريع إجراءات تسجيل الشركات والمؤسسات والمصانع دون تكليف المستثمر بمبالغ عالية.
- دعم وحماية الشركات والمشاريع الصغيرة التي يمكن أن توفر للسوق المحلي منتجات ذات جودة عالية .
- تشجيع المستثمر الخارجي من خلال اعداد دليل يبين الاستثمارات الواعدة في فلسطين وتزويد السفارات في الخارج بهذا الدليل وتوزيعه على المستثمرين.
- تفعيل فكرة العناقيد التي اطلقها مجلس الوزراء من خلال اعتبار كل محافظة عنقودا اقتصاديا .
- محاربة افة تهريب البضائع الإسرائيلية الى السوق المحلي.
وأخيرا لا يمكن لهذه الخطوات ان تنجح الا بتلاحم ثلاث قطاعات مهمة وهي :-
- الحاضنة الحكومية التي تقر وتعدل الأنظمة والقوانين والتشريعات والتي توفر الحماية القانونية واللوجستية للمستثمرين بما يكفل نجاح المشاريع .
- القطاع الخاص والذي يمثل فئة المستثمرين والتجار وأصحاب الاعمال حيث يشكل القطاع الخاص ما لا يقل عن 93% من حجم الاعمال في فلسطين
- المستهلك النهائي للسلع والمنتجات والذي يجب ان يكون لديه الحس الوطني أولا بأهمية المقاطعة وكذلك يجب يتمتع بامتيازات في المنتجات ذات الجودة العالية والسعر المعتدل .