الرئيسية » الاخبار الرئيسية »
 
05 أيار 2021

عمالة النساء في فلسطين .. فجوة في الأجور وتهميش للكفاءات

ملاك أحمد- بوابة اقتصاد فلسطين

بينما يتم الحديث عن رفع الحد الأدنى للأجور علينا ألا نغفل قضية فرق الأجور ما بين الجنسين، تباينات زادت حدة الإقبال عليها بواسطة الكثير من المؤسسات التعليمية والتسويقية على مستوى عدة محافظات، منها محافظة رام الله.

ضمائر ملطخة بحقوق ضائعة

 (ن.أ) معلمة اللغة الانجليزية من مدينة رام الله لجأت للعمل ضمن القطاع الخاص بعد العديد من المحاولات التي باءت بالفشل وخيبات الأمل المستمرة التي رافقتها على مدار أربع سنوات متتالية بعد التخرج.

أوضحت المعلمة قائلة أنه منذ اللقاء الأول لتوقيع العقد قام مدير المدرسة بتحديد الراتب بقيمة ألف ومائتان شيقل مقابل العمل من الساعة السابعة والنص صباحاً إلى الساعة الثانية والنصف بعد الظهر على مدار الأسبوع، عدا أيام الإجازات الرسمية. وعلى خلاف ذلك حصلت واقعة أمام (ن.أ) أثناء توقيعها للعقد ألا وهي مناقشة أحدى المعلمات المرشحات للالتحاق لمدير المدرسة على الراتب المقترح والمطالبة برفعة، لكن كانت المفاجأة بتعقيب المدير (هاد الموجود ما عجبك الله معك ) .

وأضافت (ن.أ) أجبرت على العمل ضمن هذه الشروط رغم عدم معرفتي لماذا كانت هذه المعلمة معارضة على مقدار الأجر بالمقابل كنت أراه حلم بسبب الوضع الاقتصادي الرديء الذي كنت أعيشة في تلك الفترة، مع مرور الوقت أصبح هناك ضغوطات عديدة تفرض على المعلمات وكان من أبرزها التقليص من وقت الاستراحة والحرمان من الإجازات المرضية، كما أن أبسط الحقوق التي يجب أن يتمتع بها العامل وهي الحصول على نسخة من عقد العمل الموقع لم تحصل علية (ن.أ) ولم يكن إلا هناك نسخة واحدة بيد المدير. وكما ترتب عن هذه الأعمال خروج العديد من المعلمين الحاصلين على رواتب أكثر بقليل من المعلمات من العمل بسبب دنو الأجور فأصبح كامل فريق التدريس معلمات وبأجور منخفضة.

 وأشارت السيدة (ن.أ) بأن نقطة التحول التي جعلت من عملها يتوقف بعد عمل متواصل على مدار عام حرمانها من إجازة الأمومة والرفض التام بإعطائها حقها الذي نص علية قانون العمل الفلسطيني فلم يكن أمامها إلا اختيار طفلها.

تجاوزات ما زالت تحدث

العاملة (ر.ح)  ابنة ل22 عام من مدينة رام الله عملت مع مجموعة من الفتيات المتعاقدات مع شركة دعاية وإعلان للترويج لصالح شركة غذائية داخل المحلات التجارية في مدينة رام الله.

قالت العاملة أنه تم الاقتصار على توقيع عقد شفوي للعمل لمدة 1 سنة مقابل 5 ساعات يومياً داخل المحلات التجارية، وذلك بحجة أن العاملة ما زالت على المقاعد الدراسية. أما استلام الأجر يقوم على مبدأ أن كل عاملة توقع على سند قبض يتضمن معلومات تفصيلية باسم المنطقة، ساعات العمل وتاريخ اليوم، اسم العاملة إضافة إلى مقدار المبيعات التي قامت بها ومدة الدوام.

أشارت العاملة (ر.ح) على اقتصار فريق الترويج على فئة الفتيات دون الشباب، وأسباب هذا الاختيار واضحة، ومنها أن أغلب أصحاب المحلات التجارية كانوا يشترطون على شركة الإعلان أن تكون المروجات فتيات إذا كان الموظفين داخل المحال التجاري شباب، وذلك بهدف زيادة جذب الانتباه الزائرين وزيادة عدد المشترين، كما تستغل  الشركة الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه البلاد بالوقت الحالي، لذلك تجبر الفتيات على للعمل ضمن ظروف صعبة.

قال مدير شركة لدعاية والإعلان (س.ط) والذي يعتبر مدير العاملة (ر.ح) أن حق العاملات محفوظ وذلك عن طريق توقيع عقود مكتوبة وموثقة بشكل رسمي ويحمل كلا الطرفين نسخة عن العقد كما يحفظ حق الشركة بتوقع العاملات على سند قبض.

وأشار (س.ط) إلى أن المنتجات الغذائية الذي تقوم على ترويجها العاملة (ر.ح) ومجموعة أخرى من الفتيات لا يمكن لرجل القيام بترويجها، وذلك لأن ربات المنزل لا يرغبن بالحديث مع مروجين شباب بسبب طبيعة المجتمع المحافظ الذي نعيش فيه وخاصة مدينة رام الله،كما أن الشباب ليس لهم خبرة بالمواد الغذائية. 

مستقبل مقيد … ودخل محدود

أكدت خبيرة وحدة النوع الاجتماعي إيمان عساف أن فرق الأجور ما بين الجنسين يعتمد على التفاوت في متوسط الأجر مقابل الساعة لكل من الجنسين، وتبرز هذه القضية بتسليط الضوء على مفهوم القيمة المكافئة وتعرف بالأجر المتساوي ذي القيمة المتساوية، ويقوم المفهوم بعلاج عدم المساواة في الأجور داخل سوق العمل على مدار السنوات. تبعاً لقانون الخدمة المدنية الذي يعمل على تحديد مقدار الراتب بناءاً على المستوى الوظيفي، وخاصة ضمن الدوائر الحكومية التي تلزم الموظفين بالعقود المكتوبة، وعلى ضوء ذلك يصبح هناك فرص تدعم الرجال في التقدم بالمستوى الوظيفي مقارنة بالنساء مثل التدريب والسفر.

كما تظهر القيمة المتساوية ضمن المهارات والمسؤوليات التي يقوم بها الموظفين ومحاولة ربطها بالتعويض المالي، ويترتب على ذلك التأثير بشكل مباشر على الاستناد الوظيفي، ويقلل من المناصب النسائية ضمن السلم الوظيفي .

 وأضافت عساف أن أصحاب العمل يتقيدون بالنظرة المجتمعية التي ترى أن المرأة هي المعيل الثانوي والرابط المكمل للعائلة مقارنة بالرجل وهو رب الأسرة، كما ترتبط الفجوة بطبيعة الأعمال التي تشغلها المرأة حيث تركز على المهن التربوية والصحية ذات الأجور المنخفضة مقارنة بالمهن الاقتصادية والإدارية الذي تشكل حضورا كبيرا من كادر الذكور .

وقالت عساف أن الوظائف التي تشغلها النساء محدودة التقدم وتتصف بالأجر القليل، حيث تشكل نسبة 10% فارق الأجر ما بين الجنسين ضمن الوظيفة ذاتها. وتنشئ هذه الاختلافات بناء على مقدار مشاركة النساء بالمؤتمرات وإمكانية مساعدتهم في تمثيل وتأهيل المؤسسات العاملات ضمنها. وبالتالي هذه المشاركات تساعد برفع كفاءتهم وتدعم أحقيتهم بالحصول على ترقيات تطلب من قبلهن. وعلى خلاف ذلك تبلغ نسبة 90% ذروتها داخل مؤسسات التي تمنع النساء من المشاركة بالامتيازات التي تساعد في التقدم بالسلم الوظيفي سواء على صعيد القطاع العام أو الخاص. وتجمع نسبة 15% من مشاركة النساء في سوق العمل تقسم ما بين العاملات والباحثات عن عمل من عمر 20 إلى60 عام .

وفي ذات السياق قالت عساف تفرض المؤسسات على النساء ضمن أغلب أعمالهن عدم توفير العقود المكتوبة التي تضمن حقوق العاملين داخل سوق العمل، وتكتفي بالعقود الشفوية، وذلك يدعم التلاعب ببنود العقد ومقدار الراتب

الإنفراد الاقتصادي… حلم لن يتحقق

أكدت المتخصصة في شؤون ودراسات المرأة في جامعة بيرزيت نداء أبو عواد أن اختلاف الأجور حاضر ومتدني حيث هناك 30% من الفلسطينيين يتقاضون تحت الحد الأدنى للأجور، وتتراوح الأموال المقبوضة ما بين 1200 -1450 شيقل. وتتضح القضية ضمن أعمال النساء اللواتي يعتبرن المعضلة البارزة ضمن هذه المسألة، حيث تتراوح مقدار الأجور ما بين500  شيقل في الشهر داخل رياض الأطفال.

وأضافت أبو عواد أن هناك عوامل تساعد على خلق فجوة بين الجنسين. وتظهر بواسطة عملية الاقتصاد الأفقي الذي يرفض عمل المرأة ضمن مجالات عمل الرجل، ومنها قطاع المواصلات، والطب البشري المتقدم التخصصي. مقابل المجالات التي تعاني من فائض الكادر النسائي ومنها قطاع التعليم، التربية والصحة، وتتصف هذه المهن بالأجور المنخفضة.

وفي ذات السياق قالت أبو عواد أن هناك تسهيلات تقدم لرجال ليتمكنوا من الوصول إلى الإعانات من غير الراتب كالتأمين الصحي وتعويض النفقات. كما تعتبر هذه التسهيلات ليست متاحة للكثير من النساء داخل المؤسسات. إضافة إلى أن هناك من لا يعطي العاملات إجازة أمومة، والعديد من الحقوق التي نص عليها قانون العمل الفلسطيني.  

تشريعات مدرجة … وأحكام غير مطبقة

أكد المستشار القانوني مجد أحمد أن قانون العمل جاء لينظم العلاقة بين صاحب العمل والعامل، ليمثل الحد الأدنى لحقوق العامل من إعطاء الحقوق الكاملة لكل مواطن قادر على العمل، توفير كافة الفرص للعمل على أساس مبدأ مكافأة الفرص دون أي نوع من أنواع التمييز. وفقا للمادة 2 من قانون العمل.

وأشار أحمد أن قانون العمل الفلسطيني في الباب 7 جاء لينظم عمل النساء، الذي يحظر في المادة 100من قانون العمل وقوع تمييز ما بين الرجل والمرأة، ويحظر تشغيل المرأة ساعات عمل إضافي أثناء الحمل و6أشهر التالية للولادة، وأيضاً ساعات  العمل الليلية  في ما عدا الأعمال الذي يحددها مجلس الوزراء. والتزاماً في مادة 102 علماً أن قانون العمل أعطى المرآة إجازة عمل لمدة 180يوم، ومنح المرأة المرضعة الحق في فترات الرضاعة أثناء العمل لا تقل عن مجموعها ساعة يومية لمدة1  سنة من تاريخ الوضع على أن تحسب هذه الساعة من ساعات العمل اليومية.

وكانت دراسة أعدت لصالح معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني "ماس"، عام 2019 قد خلصت إلى أن الفجوة في الأجور بين الذكور والإناث في فلسطين غير مبررة، وتعكس في معظمها التمييز السلبي ضد الإناث.

وأظهرت الدراسة، التي أعدتها الباحثة وئام حمودة، ان المعدل العام للأجور يبلغ حوالي 85 شيقلا يوميا للذكور و56 شيقلا للإناث، ترتفع هذه الفجوة بين الذكور والاناث في القطاع الخاص بمعدل (84 شيقلا للذكور و62 شيقلا للإناث) وكذلك في المنظمات غير الحكومية والدولية (200 شيقلا للذكور و150 شيقلا للإناث)، لكنها تنخفض إلى شيقلين فقط في القطاع الحكومي (111 شيقلا للذكور و109 شواقل للإناث).

وبشكل عام، فان أكثر من 30% من النساء العاملات يتقاضين اقل من الحد الادنى للأجور، مقابل 16% للذكور، ترتفع النسبة في القطاع الخاص الى 56% للإناث و24% للذكور، فيما تضيق في المنظمات غير الحكومية والدولية الى 16% من الاناث و3% للذكور، في حين تصل نسبة الذين يتقاضون اقل من الحد الأدنى للأجور الى مستوى قريب من الصفر في القطاع الحكومي، بنسبة 2% للذكور و2.5% للإناث.