هل تستخدم الصين سلاحها الاقتصادي ضد الولايات المتحدة؟
مترجم- بوابة اقتصاد فلسطين
في ظل تصاعد التوترات بين الصين والولايات المتحدة، يطفو على السطح سؤال محوري: هل تمتلك بكين ورقة ضغط اقتصادية قد تُغيّر ملامح المواجهة؟ الرد الصيني الأخير على سياسات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بزيادة حادة في الرسوم الجمركية على السلع الأميركية، ليس سوى فصل جديد من صراع أعمق يدور حول السيادة العالمية والتفوق التكنولوجي.
فرض ترامب رسوماً جمركية بلغت 125% على واردات صينية، وردّت بكين برسوم بنسبة 84% على السلع الأميركية، في تصعيد لحرب تجارية تخلّلتها مفارقة: إذ خفّض ترامب الرسوم الجمركية على بعض الدول الأخرى إلى 10%، وجمّد تنفيذها لمدة 90 يوماً.
ورغم أن خطة ترامب استهدفت دولًا متعددة، فإن الصين كانت الهدف الأكبر. ويبدو أن حلّ الأزمة بين البلدين هو مفتاح لتخفيف التوترات التجارية عالميًا.
جذور الصراع.. من "مائة عام من الإذلال" إلى "صنع في الصين"
وفقًا للخبير في الشؤون الصينية، يوفال وينيرف، فإن جذور الصراع تعود إلى اللحظة التي انفتحت فيها الصين على العالم في أواخر السبعينيات، مدفوعة برغبة عميقة في استعادة مكانتها كقوة كبرى. ويتحدث وينيرف عن مفهوم "مائة عام من الإذلال"، الممتد من حرب الأفيون في القرن التاسع عشر وحتى صعود الشيوعية، كحافز داخلي قوي لدى القيادة الصينية للعودة إلى واجهة العالم.
وقد ساهم انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001، وأزمة 2008 المالية العالمية، في تسريع صعودها الاقتصادي. ومن أبرز محطات هذا الصعود إطلاق برنامج "صنع في الصين 2025"، الذي يهدف لتحويل الاقتصاد الصيني إلى قوة صناعية تكنولوجية، ورفع الاعتماد على الابتكار المحلي في مجالات مثل الروبوتات، والمركبات الكهربائية، وأشباه الموصلات.
من ترامب إلى بايدن.. سياسة ثابتة
مع تولي ترامب الرئاسة في 2017، بدأت الحرب التجارية بين البلدين تتصاعد بشكل علني، حيث فرضت إدارته رسومًا على سلع صينية بمئات المليارات من الدولارات، متذرعة بسرقة الملكية الفكرية ونقل التكنولوجيا قسراً، واستمرار العجز التجاري.
ورغم تغيير الإدارة، لم تختلف السياسة كثيرًا. تقول د. هاداس بيليد، من جامعة بار إيلان، إن إدارة بايدن واصلت النهج ذاته، وإن كان بأسلوب أقل صدامية. فقد تبنّت الإدارة الحالية سياسة تقديم منح ضخمة للشركات لنقل التصنيع إلى داخل الولايات المتحدة، وواصلت فرض القيود على الشركات الصينية، لا سيما في قطاع الرقائق الإلكترونية.
الرقائق والذكاء الاصطناعي.. جبهة المواجهة الجديدة
يؤكد وينيرف أن الرقائق الإلكترونية أصبحت محور الصراع، نظرًا لاعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي عليها. وكانت الولايات المتحدة تُنتجها محليًا قبل أن تتحوّل إلى الاستعانة بمصادر خارجية في آسيا، وتحديدًا تايوان وكوريا. هذا التحوّل أتاح للصين الوصول إلى التكنولوجيا، لكن الولايات المتحدة بدأت تقييد هذا الوصول مؤخرًا، ما أعاق قدرة الصين على التطور لكنه لم يوقفها.
السندات الأميركية.. القنبلة الاقتصادية المؤجلة
على الجانب المالي، تمتلك الصين أكثر من 750 مليار دولار من الديون الأميركية، وتحتل المرتبة الثانية بعد اليابان في قائمة حاملي السندات الأميركية. هذا المخزون، وفق محللين، يُمكن أن يتحوّل إلى سلاح اقتصادي في حال قررت بكين بيع كميات كبيرة من السندات، ما قد يرفع كلفة الاقتراض الأميركي ويهز الأسواق.
ومع ذلك، فإن مثل هذه الخطوة ستكون سلاحًا ذا حدين، إذ قد تؤدي إلى انخفاض قيمة الدولار، وبالتالي تقلّ قيمة الأصول الدولارية التي تمتلكها الصين.
تايوان.. النقطة الأخطر
يبقى التهديد الصيني المحتمل بغزو تايوان من أكثر النقاط حساسية. وبينما تعتبر بكين تايوان جزءًا لا يتجزأ من أراضيها، ترى الولايات المتحدة فيها شريكًا استراتيجيًا، ليس فقط بسبب موقعها الجغرافي، بل أيضًا لكونها مركزًا عالميًا لتصنيع الرقائق.
وقد أنشأت شركة TSMC التايوانية مصنعًا في الولايات المتحدة واستثمرت أكثر من 100 مليار دولار هناك، في خطوة أثارت جدلًا داخل تايوان بين من يرونها تعزيزًا للدعم الأميركي، ومن يخشون أن تُضعف الالتزام الأميركي تجاه الجزيرة.
يتفق الخبراء على أن التصعيد بين الصين والولايات المتحدة ستكون له عواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي. ومع ذلك، يشير وينيرف إلى أن الاعتماد المتبادل بين الطرفين لا يزال يشكل عائقًا أمام الانفجار الكامل. فالصين تهيمن على معادن نادرة يصعب الاستغناء عنها، والولايات المتحدة تبقى أهم سوق لتصريف المنتجات الصينية.
وفيما ترى د. بيليد أن الرسوم الجمركية تمثل نزاعًا اقتصاديًا لا يرقى إلى مستوى الحرب، فإنها تحذّر من أن التشابك بين الجوانب الاقتصادية والجيوسياسية يجعل أي خطوة غير محسوبة سببًا في زعزعة الاستقرار الدولي.
#اعلام_عبري
#غلوبس