أوروبا تتحرك ضد إسرائيل: تهديدات بمراجعة اتفاقية الشراكة وتلويح بعقوبات اقتصادية
مترجم- بوابة اقتصاد فلسطين
في تطور سياسي لافت، أعلنت دول أوروبية مركزية، من بينها السويد وفرنسا وهولندا، أنها بصدد مراجعة العلاقات مع إسرائيل في ضوء استمرار الحرب على قطاع غزة، والتدهور الإنساني الحاد الناتج عن منع دخول المساعدات. ويترافق هذا التحرك مع موجة أوروبية متصاعدة تطالب بتفعيل المادة الثانية من اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، والتي تنص على التزام الطرفين بـ"القيم المشتركة"، وعلى رأسها حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية.
تحول في الموقف الأوروبي... وضغط داخلي يتزايد
السويد، فرنسا، فنلندا، إيرلندا، إسبانيا، ولوكسمبورغ، إلى جانب دول أخرى، أعلنت تغييرًا رسميًا في موقفها من الحرب الإسرائيلية على غزة، مطالبة المفوضية الأوروبية بمناقشة مدى التزام إسرائيل باتفاقية الشراكة الموقعة عام 2000. وتُعد هذه الاتفاقية الأساس للعلاقات التجارية والسياسية والعلمية بين الطرفين، وتوفر لإسرائيل إعفاءات جمركية وتعاونًا واسعًا في برامج مثل "الأفق" و"إيراسموس"، بقيمة تجارة تبلغ نحو 50 مليار يورو سنويًا.
وقال وزير الخارجية الهولندي كاسبار فالدكامب إن "الوضع الكارثي في غزة" يتطلب مراجعة فورية، مضيفًا: "نحن نرسم خطًا أحمر، ونرسل رسالة واضحة إلى إسرائيل". وبدورها، أعلنت فنلندا دعمها لمناقشة المادة الثانية من الاتفاقية إذا استمرت إسرائيل في منع إدخال المساعدات الإنسانية.
وأكّد وزير الخارجية السويدي دعم بلاده لهذا التوجه في مقابلة تلفزيونية، في حين دعا وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو المفوضية الأوروبية رسميًا إلى دراسة الأمر، معتبرًا أنه "مطلب مشروع". وأفادت التقديرات بانضمام البرتغال وبلجيكا وربما مالطا إلى هذا الحراك، ما يُقربه من تشكيل أغلبية في الاتحاد الأوروبي دون الحاجة إلى إجماع.
ترامب يتجاهل إسرائيل... وتوسّع مساحة المناورة الأوروبية
يتزامن هذا التحرك مع زيارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، دون أن تشمل إسرائيل، في إشارة يُنظر إليها في أوروبا على أنها فجوة آخذة في الاتساع بين واشنطن وتل أبيب. ويرى محللون أن هذا التجاهل شجّع الدول الأوروبية على المضي في الضغط على إسرائيل دون الخشية من رد فعل أميركي، خاصة في ظل الانتقادات الضمنية الصادرة عن البيت الأبيض بشأن الوضع الإنساني في غزة.
المادة الثانية تحت المجهر: هل تُعلّق الاتفاقية؟
وفقًا للباحثة د. مايا زيون صدقيا، من معهد "ميتفيم"، فإن مناقشة المادة الثانية تمثل سابقة سياسية خطيرة لإسرائيل، مشيرة إلى أن مجرد فتح الملف يعني التلويح بإمكانية تعليق أو إلغاء اتفاقية الشراكة، رغم أن المسار القانوني لذلك طويل ومعقّد. وتضيف أن الفشل في إدخال المساعدات، وانتشار المجاعة، وغياب أي أفق سياسي، من بين العوامل التي دفعت العواصم الأوروبية إلى التحرك.
وتُضيف صدقيا أن "إسرائيل باتت تُنظر إليها بشكل متزايد كطرف غير ملتزم بقيم الاتحاد الأوروبي، وأن المعسكر المعارض لحكومة نتنياهو داخل أوروبا يتسع بسرعة"، محذّرة من خطر تحول إسرائيل إلى "دولة منبوذة دوليًا".
وسيلة ضغط أم بداية لتغيير حقيقي؟
ورغم أن تعليق الاتفاقية لا يزال سيناريو بعيدًا في الوقت الراهن، إلا أن مجرد إدراج هذا البند على جدول أعمال اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي المقبل يعد تطورًا غير مسبوق. ومن المتوقع أن تحسم رئيسة العلاقات الخارجية الجديدة في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، قرار إدراج هذا الملف للنقاش في الاجتماع المرتقب.
ويرى مراقبون أن هذه المبادرة الأوروبية تمثل وسيلة ضغط سياسية حقيقية على حكومة نتنياهو، خاصة إذا اقترنت بتصعيد ميداني جديد في غزة أو استمرار منع دخول المساعدات. أما في حال تراجع إسرائيل عن هذه السياسات، فقد تتوقف الإجراءات دون أن يتم تفعيل العقوبات.
هل يقود الاتحاد الأوروبي قطيعة تدريجية مع إسرائيل؟
تشير القراءة السياسية إلى أن هذا الحراك الأوروبي لا يهدف فقط إلى الاحتجاج، بل يحمل في طياته تحذيرًا جديًا لإسرائيل بأن العلاقات مع أوروبا لم تعد محصنة، وأن استمرار السياسات الحالية، سواء في غزة أو الضفة الغربية، قد يؤدي إلى تصدع غير مسبوق في العلاقة السياسية والاقتصادية بين الطرفين.
غلوبس