الرئيسية » الاخبار الرئيسية »
 
06 تموز 2025

من اقتصاد الاحتلال إلى اقتصاد الإبادة الجماعية: تقرير أممي يكشف ربحية الحرب على غزة

بوابة اقتصاد فلسطين

صدر عن الأمم المتحدة، عبر المقرّرة الخاصة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، فرانشيسكا ألبانيزي، تقرير بالغ الأهمية بعنوان: "من اقتصاد الاحتلال إلى اقتصاد الإبادة الجماعية".

يرصد التقرير، الذي نُشر في الأول من تموز/يوليو 2025، التحوّل العميق الذي طرأ على الاقتصاد الإسرائيلي بعد السابع من أكتوبر 2023، مشيرًا إلى أنه لم يعد مجرّد اقتصاد احتلال عسكري، بل أصبح، بفعل الاستراتيجية والتخطيط والمصالح العابرة للقارات، اقتصاد إبادة جماعية، تُشارك فيه شبكة واسعة من الشركات العالمية الكبرى المتواطئة بصورة مباشرة وموثقة في الجرائم المرتكبة ضد الفلسطينيين، لا سيما في قطاع غزة.

الإبادة: استثمار مربح

يصل التقرير إلى نتيجة مرعبة وبسيطة في آنٍ معًا: إن السبب الجوهري لاستمرار الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة هو أنها تدرّ أرباحًا طائلة لكثيرين. بمعنى آخر، فإن استمرار الحرب واستدامة التدمير لم تعودا فقط نتيجة لسياسات الاحتلال، بل تحوّلا إلى ضرورة اقتصادية داخل منظومة عالمية تمكّن وتُشجّع على الاستمرار في الجريمة.

ويؤكد التقرير أن هذا النمط من الاقتصاد يعتمد على تدمير حياة الفلسطينيين وبناهم التحتية وتفكيك مجتمعهم، ليصبح نموذجًا ربحيًا مستمرًا لقطاعات تمتد من صناعة السلاح إلى التكنولوجيا، ومن التمويل إلى التعليم العالي.

أفعال ترتقي إلى الإبادة الجماعية

بحسب التقرير، فإن ثلاثة من الأفعال الخمسة المنصوص عليها في اتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها (1948) تنطبق على سلوك الدولة الإسرائيلية في قطاع غزة، وهي:

القتل العمد لأعضاء جماعة بشرية محددة؛

التسبب بأذى جسدي أو نفسي جسيم لأفرادها؛

إخضاع الجماعة لظروف معيشية مُصمَّمة لتؤدي إلى تدميرها المادي الكامل أو الجزئي.

شبكة شركات تتربح من الدم

أعدّت المقرّرة الخاصة قاعدة بيانات شملت ما يزيد عن 1000 شركة ومؤسسة متورطة. وبعد توجيه دعوات لتقديم معلومات ومساهمات من الجهات المختلفة، استقبلت ألبانيزي أكثر من 200 رد، ساعد في رسم خريطة دقيقة لتورّط مؤسسات عالمية في انتهاكات جسيمة للقانون الدولي في فلسطين المحتلة.

وقد تم التواصل مباشرة مع أكثر من 45 شركة ورد اسمها في التقرير، وتزويدها بالوقائع التي تم التوصل إليها، والتي أسّست لعدد من الادعاءات القانونية بحقها.

ويكشف التقرير عن تعقيدات هائلة في البنية المؤسسية لهذه الشركات، حيث تتشابك الروابط بين الشركات الأم والتابعة، والعلامات التجارية، وامتيازات التوريد، والمشاريع المشتركة. ويوضح أن هذا التعقيد يُستغل عمدًا لإخفاء التورط والتواطؤ في الجرائم.

من السياحة إلى الأسلحة: قطاعات متورطة

يمتد تورط الشركات ليشمل مختلف القطاعات:

  • القطاع السياحي: شركة "إير بي إن بي" متهمة بتسهيل الوصول إلى مستوطنات غير شرعية في الأراضي المحتلة.
  • القطاع العقاري: شركة "كيلر ويليامز" قامت بأنشطة في مستوطنات إسرائيلية غير قانونية.
  • التجارة الإلكترونية: أمازون تُخفي مصدر تصنيع منتجات المستوطنات وتسوقها دوليًا.
  • صناعة الأسلحة: زوّدت "إلبيت سيستمز" و"لوكهيد مارتن" الاحتلال بأسلحة متطورة، بما في ذلك طائرات F-35 وذخائر عنقودية "تم اختبارها ميدانيًا" في غزة.
  • شركات المراقبة والذكاء الاصطناعي: مايكروسوفت، غوغل، وأمازون قدّمت أنظمة ذكاء اصطناعي مثل "لافندر" لتحديد أهداف فلسطينية، بالإضافة إلى تقديم خدمات سحابية وأدوات تحليل بيانات لصالح الاحتلال.
  • شركات المعدات الثقيلة: كاتربيلر، فولفو، وهيونداي – وفّرت الآليات التي استخدمت في تدمير منازل الفلسطينيين وبُناهم التحتية.
  • شركات الطاقة: شيفرون لعبت دورًا محوريًا في تزويد الاحتلال بالنفط والغاز، ما دعم الحصار على غزة وساهم في تجويع سكانها.
  • شركات الاستثمار والتمويل: بلاك روك، فانغارد، وغيرها – استثمرت مليارات الدولارات في سندات إسرائيلية وشركات أسلحة، ما شكّل دعمًا ماليًا مباشرًا للاحتلال.

القمع الأكاديمي والتورط الجامعي

التقرير يفتح جبهة أخرى حين يسلّط الضوء على التورط العميق لمؤسسات أكاديمية مرموقة:

معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT): تُجري مختبراته أبحاثًا عسكرية بتمويل من وزارة الدفاع الإسرائيلية – وهي الجهة العسكرية الأجنبية الوحيدة التي تموّل أبحاثًا في المعهد.

برنامج Horizon Europe: يقدم دعمًا واسعًا لمؤسسات إسرائيلية ضالعة في الفصل العنصري والإبادة الجماعية، وقد خصص أكثر من 2.12 مليار يورو لهذه المؤسسات منذ عام 2014.

الجامعة التقنية في ميونيخ: تتعاون مع فرع شركة IBM في إسرائيل في تطوير أنظمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي وإدارة البيانات السكانية التمييزية.

ويُبرز التقرير الدور الحيوي الذي يلعبه الطلاب والعاملون في الجامعات لمحاسبة إداراتهم، في مقابل تصاعد القمع بحقهم تحت ذرائع "مكافحة معاداة السامية"، والتي، بحسب ألبانيزي، تُستخدم كستار لحماية المصالح الإسرائيلية والتمويل المرتبط بها.

الإبادة كنموذج اقتصادي

بعد عرض شواهد وأدلة متشابكة، يستنتج التقرير أن الاحتلال الإسرائيلي طوّر نموذجًا اقتصاديًا قائمًا على الربح من الإبادة الجماعية.

قطاع غزة، حسب التقرير، أصبح ميدانًا لاختبار الأسلحة الجديدة، وساحةً لتسويق التكنولوجيا، في ظل غياب شبه تام للرقابة والمساءلة.

ويؤكد أن شركات السلاح حققت أرباحًا غير مسبوقة من قتل المدنيين، وأن شركات البناء العالمية شاركت في منع إعادة إعمار غزة، بينما تقوم شركات الطاقة بتغذية الآلة العسكرية والظروف التي تهدف إلى تدمير الحياة الفلسطينية بالكامل.

دعوة إلى المساءلة والمحاسبة

في ختام التقرير، تطالب ألبانيزي بوضوح: يجب محاسبة الشركات والمديرين التنفيذيين جنائيًا ومدنيًا، عن تورّطهم المباشر أو غير المباشر في جرائم دولية، بما فيها الإبادة الجماعية وانتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة.

لكن هذه الدعوة لم تمرّ مرور الكرام؛ إذ تعرّضت ألبانيزي لهجوم شرس من قبل إسرائيل والولايات المتحدة. ووفقًا لموقع "واشنطن فري بيكون"، فإن إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب كانت قد قدّمت طلبًا رسميًا لإقالتها، بزعم "الكذب بشأن مؤهلاتها القانونية"، واتهامها بـ"معاداة السامية ودعم الإرهاب".

السفير العربي

كلمات مفتاحية::