معهد "ماس" ينظم يوماً دراسياً لمناقشة خطط إعادة إعمار فلسطين بعد الحرب
بوابة اقتصاد فلسطين
نظم معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس)، يوم الأربعاء الموافق 2 تموز/يوليو 2025، يوماً دراسياً بعنوان "خطط إعادة إعمار فلسطين بعد الحرب"، بمشاركة واسعة من الباحثين والمخططين والخبراء المحليين والدوليين. شارك في اللقاء أكثر من 50 شخصًا في مقر المعهد برام الله، إلى جانب نحو 90 مشاركاً عبر تقنية الزوم، عكسوا تنوعاً ملحوظاً في التخصصات والمجالات.
افتُتح اللقاء بكلمة ترحيبية ألقاها مدير عام المعهد السيد رجا الخالدي، تخللها الوقوف دقيقة صمت على أرواح الشهداء، ونعي المدير العام الأسبق د. سمير عبد الله. وأكد الخالدي أن هذا اللقاء يأتي استكمالاً لسلسلة الجهود البحثية التي ينفذها المعهد في إطار أولوياته المتعلقة بالحرب على قطاع غزة، لافتاً إلى أن المعهد اختار تنظيم هذا اليوم الدراسي رغم غياب التمويل، انطلاقاً من مسؤوليته الوطنية والمعرفية في فتح نقاش عام حول المبادرات والخطط المتداولة، واستشراف مستقبل أكثر عدلاً وسيادة للشعب الفلسطيني.
وأوضح الخالدي أن اليوم الدراسي يتوزع على ثلاث جلسات رئيسية، تستعرض أبرز الخطط والمقاربات المطروحة لمرحلة "ما بعد الحرب"، وقدّم للمشاركين الباحث السيد علي عبد الوهاب، الذي أعد التقرير الأساسي بالتعاون مع إدارة المعهد.
استعرض عبد الوهاب مضمون التقرير الذي قدّم مراجعة تحليلية مقارنة لأحد عشر مخططًا ومبادرة لإعادة إعمار غزة، صادرة في أعقاب حرب أكتوبر 2023، متناولًا السياقات السياسية والمعرفية والتمويلية المحيطة بها، ومحذراً من خطط الإعمار التي تُفرغ العملية من مضمونها السيادي، وتحولها إلى أداة لضبط السكان وإدارة ما بعد الكارثة.
أدار الجلسة الأولى د. حسن أبو لبدة، وشارك فيها م. علي شعث، د. سميح العبد، ود. سمير أبو عيشة.
قدّم المهندس شعث قراءة نقدية لخطط "RAND"، متناولاً مكوناتها الفنية وأبعادها السياسية، محذراً من مخاطر تنفيذها بمعزل عن الإرادة السياسية الفلسطينية. أما د. أبو عيشة فقد قدّم عرضاً لخطة "غزة 2050"، داعياً إلى ضرورة تبني رؤية شاملة طويلة الأمد تراعي احتياجات القطاع الفعلية. من جهته، ناقش د. سميح العبد تقييمات الأضرار من خلال خطة IRDNA ومؤشرات الخطة الوطنية، مؤكداً على أهمية المزج بين التقييم التقني والأثر الاجتماعي، وضرورة أن تبدأ أي خطة من "القاعدة إلى القمة".
أدارها د. عمر شعبان، وافتُتحت بعرض من الباحث مسيف جميل، الذي ناقش الخطة الرسمية للسلطة الفلسطينية داعياً إلى بلورة "الخطة الأم" وطنياً لضمان الاتساق السيادي بين المبادرات. قدّم د. شعبان لاحقاً قراءة لخطة التعافي المصرية العربية، مشيراً إلى فرصها السياسية وتحدياتها. كما عرض م. يحيى السراج ملامح "خطة فينيق غزة"، وهي مبادرة يقودها القطاع الخاص والبلديات، تركز على الإعمار التدريجي بمقاربة لا مركزية. بينما ناقش عبد الوهاب المبادرات الإرشادية غير التنفيذية، مستشهداً بمبادرة FES وملتقى ماس التشاوري.
أدار الجلسة الباحث زين أبو دقة، وركزت على المبادرات الدولية والإسرائيلية المثيرة للجدل. عرضت د. هنيدة غانم تحليلاً لخطط مراكز الأبحاث الإسرائيلية، ووصفتها بأنها تسعى لتكريس استعمار جديد تحت غطاء "الإعمار". أما الباحثة ماندي تيريز، فقد ربطت بين "رأسمالية الكوارث" وأدوات إعادة الإعمار الحالية، محذرة من استخدام نموذج الشراكات العامة-الخاصة (BOT) كأداة لإعادة تشكيل غزة بما يخدم المستثمرين. في السياق ذاته، عرضت نور عرفة خطة ترامب/بيلزمان كنموذج اقتصادي للسيطرة السياسية، بينما قدّمت كايت الحلبي قراءة نقدية لخطة الحبتور الإماراتية، منتقدة الدور المتنامي للقطاع الخاص في التخطيط الحضري وعلاقته بالسيادة.
شهدت الجلسات الثلاث تفاعلاً واسعاً من المشاركين، سواء داخل القاعة أو عبر المنصة الإلكترونية، وتنوّعت الأسئلة بين الجوانب التخطيطية والسياسية والمؤسسية. وأجمع الحضور على أهمية الخطط المحلية باعتبارها الأقرب إلى التعبير عن الإرادة الفلسطينية، والأكثر احتراماً للهوية والسيادة الوطنية.
اختُتم اليوم الدراسي بعدد من التوصيات المحورية، أبرزها:
ضرورة وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة كشرط أساسي لأي عملية إعادة إعمار.
رفض الخطط المفروضة من الخارج، والتمسك بمشاريع تنبع من الواقع المحلي وتُبنى على مبادئ السيادة، العدالة، والاستقلال.
حماية النسيج الاجتماعي ورفض أية مشاريع تسعى لهندسة ديموغرافية أو جغرافية مفروضة.
أهمية بلورة رؤية فلسطينية موحدة تنبع من القاعدة وتضع احتياجات الناس في المقدمة.
في كلمته الختامية، أكد السيد رجا الخالدي التزام معهد "ماس" بمواصلة دوره كمنصة معرفية وطنية تسعى لإنتاج السياسات القائمة على الإرادة الشعبية، والشراكة المجتمعية، والمواجهة الواعية لمحاولات التهميش والإقصاء.