المساعدات الإنسانية في غزة: منقذ للأرواح أم أداة للابتزاز السياسي؟
بوابة اقتصاد فلسطين
منذ 9 مارس 2025، دخلت غزة مرحلة جديدة من الحصار بانقطاع الكهرباء، وتصفيه المياه، ومنع المساعدات الغذائية والطبية، وقطع الوقود. معظم محتويات المساعدات أصبحت تذكرة لمفاوضات وقف إطلاق النار.
انخفاض إنتاج المياه وتأثيره العميق
في خضم الحصار المتصاعد، سجّلت منظمة أطباء بلا حدود تراجعًا حادًا في إنتاج محطة تحلية المياه الأساسية في خانيونس، حيث انخفض الإنتاج من 17 مليون إلى 2.5 مليون لتر يوميًا فقط. هذا الانخفاض لا يُعد مجرد رقم تقني، بل تهديد مباشر لحياة ما يقارب 1.9 مليون إنسان في غزة، غالبيتهم من النساء والأطفال. ومع انقطاع الكهرباء وشحّ الوقود، أعلنت الجهات البلدية أن توقف ضخ مياه الصرف الصحي بات ينذر بكارثة بيئية وصحية، قد تفتح الباب لانتشار أوبئة في منطقة تعاني أصلًا من انهيار المنظومة الطبية وانعدام النظافة العامة. في غزة اليوم، حتى شربة الماء باتت معركة يومية من أجل البقاء.
اغلاق الأفران ونقص الخبز
من أصل 22 فرنًا في جنوب غزة، لم يبقَ سوى 6 تعمل بشكل متقطع، منهكة بنقص الوقود والطحين (حسب تقرير لمنظمات أطباء بلا حدود). النتيجة واضحة في الشوارع: طوابير طويلة، وأطفال يقفون لساعات من أجل رغيف، وأُسر تخلد للنوم جائعة.
أسرار خطيرة حول "اتجار" بالمساعدات
أكثر من 170 منظمة دولية، من بينها أوكسفام وأطباء بلا حدود ومنظمة العفو الدولية، تطالب بإغلاق نظام "GHF" للمساعدات المدعومة من إسرائيل والولايات المتحدة، بعد مقتل أكثر من 500 فلسطيني قرب مراكز توزيعها منذ نهاية مايو 2025. تقرير منظمة العفو الدولية اتهم هذا النظام بـ"الاتجار بالمساعدات" وإهمال سلامة المدنيين، واصفًا المراكز بأنها أصبحت "فخاخًا مميتة للسكان الجائعين". ووصفت الوكالات الدولية تعامل النظام مع المساعدات بأنه "مجزرة إنسانية" غير مبررة، حيث تم اتخاذ قرارات توزيع المساعدات وفق معايير عسكرية تناقض مبادئ الحياد الإنساني.
استخدام المساعدات كورقة تفاوض
رأت منظمة أطباء بلا حدود (MSF) أن تعليق المساعدات الإنسانية يشكل تكتيكًا سياسيًا متعمدًا، مشيرة إلى أن آخر شاحنات الإغاثة دخلت قطاع غزة في 27 فبراير، ومنذ ذلك الحين لم تُجرَ أي دورات منتظمة لتوفير المساعدات . ووصف المفوض العام لوكالة الأونروا، فيليبي لازاريني، الحصار المفروض على القطاع بأنه "عقاب جماعي" يستهدف نحو مليوني فلسطيني. وعلى الرغم من وجود نحو 3000 شاحنة مساعدات جاهزة عند المعابر، يؤكد المعنيون أن تعطيل دخول هذه الشحنات هو قرار سياسي متعمد يُعرقل جهود الإغاثة الإنسانية.
العواقب الإنسانية الكارثية
أعلن برنامج الأغذية العالمي أن نحو 85% من سكان غزة يعتمدون بشكل كامل على المساعدات الإنسانية، وأن أي انقطاع في هذه الإمدادات قد يؤدي إلى انتشار مجاعة واسعة النطاق. وفي القطاع الصحي، شهدت المستشفيات تراجعًا كبيرًا في قدرتها على العمل بسبب نقص الوقود، مما عرض المولدات الكهربائية لخطر التوقف الكامل، وأسفر عن وقوع حالات وفاة متعددة نتيجة تدهور مستوى الخدمات الصحية الحيوية.
نداءات عاجلة
تدعو منظمة أطباء بلا حدود إلى رفع الحصار فورًا والامتثال الكامل للقانون الدولي الإنساني . كما تطالب وكالة الأونروا بـ"رفع فوري للحصار وإدخال المساعدات الإنسانية" لإنقاذ ما تبقى من حياة المدنيين في غزة ، وفي إطار هذا الجهد، تُفعّل أكثر من 170 منظمة دولية ضغوطًا عالمية من أجل إرساء شراكة فعالة وآمنة بين الأمم المتحدة والمجتمع المدني لضمان إدخال المساعدات بشكل منظم ومستدام.
في غزة، المساعدات الإنسانية تربح أو تُجوع بناءً على شروط سياسية، تتحكم فيها إسرائيل وتوسّع نطاق تأثيرها عبر استغلال المعاناة كأداة للتفاوض. المدنيون هُم الأكثر تضررًا: يموتون من الجوع والأمراض، على وقع لعبة دبلوماسية تقاس بالأسلحة والكهرباء والماء.