الرئيسية » آخر الأخبار » الاخبار الرئيسية » أقلام اقتصادية »
 
11 تشرين الثاني 2025

أربع سنوات على ازمة المقاصة.. إلى متى؟

بقلم: عماد الرجبي
صحفي اقتصاد

بوابة اقتصاد فلسطين

منذ أربع سنوات يعيش الموظف الفلسطيني في زمن مكسور بين الراتب والكرامة، زمن تُقاس فيه الأيام بمواعيد تحويل المقاصة من قبل الاحتلال الاسرائيلي. وكما عبر ألبير كامو في فلسفته عن عبث الانتظار، فإن أسوأ ما يمكن أن يعيشه الإنسان هو أن ينتظر ما يعرف أنه لن يأتي.

هكذا ينتظر الفلسطيني راتبه كما ينتظر الفجر في ليل لا ينتهي، فيما تحولت أموال المقاصة إلى أداة ابتزاز سياسي، والسؤال ما زال معلقا: إلى متى؟

بدأت القصة بذريعة "أموال الأسرى والشهداء"، ثم أصبحت جزءًا من سياسة ممنهجة بعد السابع من أكتوبر، إذ عمد الاحتلال إلى تحويل المقاصة بآلية تفصل الضفة عن غزة، في محاولة لإعادة رسم الخريطة السياسية عبر الأدوات المالية.

إنها ليست مجرد إجراءات مالية، بل هندسة اقتصادية للاستعمار الحديث، حيث يتحول المال إلى وسيلة لضبط إيقاع الحياة الفلسطينية، وتحديد من يستحق البقاء ومن يُستنزف.

وكأن الاحتلال يُعيد تعريف الاقتصاد ليصبح : "فن إخضاع الشعوب من خلال أرقام الميزانية لا من فوهات البنادق."

ورغم أن المقاصة حق خالص للفلسطينيين، تتقاضى إسرائيل مقابل جبايته عمولة ثلاثة بالمئة، إلا أن العالم يقف صامتا، وكأن الحق المالي للفلسطيني يحتاج إلى ترخيص سياسي كي يُفرج عنه.

بل إن بعض المصادر الإسرائيلية تتحدث عن ابتزاز علني، حيث يشترط وزير مالية الاحتلال سموتريتش رفع العقوبات عنه مقابل تحويل أموال ليست له أصلا.

في الأرقام، تجاوزت الأموال المحتجزة 12 مليار شيكل، لكنها في المعنى تجاوزت ذلك بكثير؛ تجاوزت حدود المال إلى حدود المعنى ذاته: من يملك قرار الحياة اليومية للفلسطيني؟ ومن يحدد إن كان موظفا سيشتري الخبز أم ينتظر البيان القادم؟

حتى الدعم الدولي، الذي كان يُفترض أن يُسند الفلسطينيين في لحظات الضعف، تحول هو الآخر إلى حساب مشروط بالرؤية السياسية لا بالمأساة الإنسانية؛ على نحو يُجسد ما عبر عنه نعوم تشومسكي حين قال إن المساعدات كثيرا ما تكون أداة للسيطرة لا عطاءً بريئًا.

تعهدات كثيرة ووعود بتمويلات وصلت إلى 200 مليون دولار عقب الاعترافات الدولية، لكن ما وصل فعليا بعض ملايين لا تغير شيئا في المعادلة، وكأن العالم يشارك في لعبة "إدارة الأزمة" لا في حلها.

اليوم، ومع نفاد الإيرادات المحلية وتآكل القدرة على الاقتراض، باتت الحكومة الفلسطينية تعتمد على المساعدات لتسيير الحد الأدنى من الخدمات، وعلى ما يصلها لتغطية رواتب الموظفين.

تحول الاقتصاد الفلسطيني إلى ما يمكن تسميته بـ "اقتصاد المساعدات المشروطة"، حيث السيادة ليست في القرار، بل في الانتظار.

أما الاحتلال، فيبدو أنه يدير الأزمة لا لينهيها، بل ليُطيلها عمدا، لأن الأزمة بالنسبة له ليست عبئًا، بل أداة سياسية.

في كل مرة تُحتجز فيها الأموال، يعاد تشكيل المشهد الفلسطيني؛ سلطة تبحث عن رواتب، واقتصاد يلهث وراء القروض، ومجتمع يقف في طوابير الصبر.

ورغم أن الحلول المطروحة كثيرة — من الضغط الدولي إلى التحرك العربي وحتى الرهان على دعم سعودي— إلا أن الحل الحقيقي لا يكمن في انتظار التحويلات، بل في استعادة القدرة على الفعل.

فالتحرر المالي هو جزء من التحرر السياسي، وتحرير المقاصة ليس مطلبًا ماليًا بل مطلب وجودي.

ولذلك، فإن معركة المقاصة ليست حول المال فقط، بل حول الحق في أن نحيا بكرامة.

لكن هذا الطريق يتطلب أكثر من بيانات واستنكارات، يتطلب شجاعة الدخول في معركة سياسية طويلة النفس، واستنهاض كل المحافل الدولية للمطالبة بمحاسبة الاحتلال على جريمة احتجاز أموال شعبٍ يعيش تحت نير الاحتلال.

السؤال الذي يفرض نفسه هنا:

هل نحن مستعدون لدفع ثمن هذا التحرك؟

لأن الثمن هذه المرة لن يكون مالاً... بل إرادة وموقفًا وقرارًا لا رجعة عنه

هل تتفق مع ما جاء في هذا المقال؟