الرئيسية » منوعات »
 
11 تشرين الأول 2016

نظرية العقود بنوبل للاقتصاد.. أسباب الفوز

ما هي الأفكار التي قدمها العالمان الفائزان بنوبل للاقتصاد من خلال نظرية العقود؟، ما الذي تعنيه بالضبط؟ وكيف يمكن أن تفيد في كافة قطاعات المجتمع والحياة؟! 

\

فاز يوم الاثنين 10 أكتوبر/ تشرين الأول العالمان أوليفر هارت البريطاني المولد وبنجيت هولمستروم الفنلندي المولد بجائرة نوبل للاقتصاد لعام 2016 بحسب ما أعلنت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم، وذلك لجهودهما في تطوير نظام العقود في الاقتصاد وفي شؤون الحياة بشكل عام.

وقد استمعت لتفاصيل المؤتمر الصحافي لإعلان الجائزة الذي بث مباشرة على موقع الأكاديمية السويدية على الإنترنت، وتقدم للقراء هنا تلخيصا لأهم الأفكار التي قدمها العالمان من خلال نظرية العقود، ما الذي تعنيه بالضبط؟ وكيف يمكن أن تفيد في كافة قطاعات المجتمع والحياة؟!

تحفيز الناس أصعب من بناء الخطط الاستراتيجية

أحد الفائزين الفنلندي هولمستروم تحدث عبر الهاتف للصحافيين باللغتين الإنجليزية والسويدية، وقال إنه لم يكن يتوقع الجائزة وهو سعيد بها، وأوضح أن تفكيره في تطوير نظرية العقود جاء منذ فترة مبكرة قبل أن يصبح أكاديميا، عندما كان يعمل في إحدى الشركات في السبعينيات من القرن الماضي، وقد حاول أن يوظف أداة كالكمبيوتر في تطوير الخطط الاستراتيجية للعمل.

يقول: وقتها أدركت أن التحدي لا يتعلق بالوصول إلى الخطة الأفضل، إنما بتحفيز الناس على تقديم المعلومات الصحيحة التي تساعد في بناء الخطة من الأساس، بل تقديم الحوافز لهم للتفاعل الإيجابي مع بناء الخطط.

لماذا المعلومات الدقيقة مهمة في بناء التعاقدات؟!

منذ تلك الفترة بزغت الفكرة لهولمستروم كيف أن بناء التعاقدات أو تصميم التعاقد الأمثل، يتطلب معلومات دقيقة تقود إلى أن يخدم العقد موضوعه ويؤدي لتطوير العمل والدافعية للناس وليس مجرد أداة شكلية، كما يزن بدقة المخاطر في مقابل الحوافز أو العكس.

هذا التفكير بحسب لجنة الجائزة في تقديمها، فتح الأفق لنظرية جديدة حول تصميم العقود بحيث تحررها من التفكير في اللحظة الراهنة وتجعلها أكثر ديناميكية باتجاه المستقبل، كما أنها تراعي الأوضاع الاجتماعية والمناخ العام لموضوع العقد.

وإذا كان من المستحيل أن تحدد العقود كل شيء وإلا أنها أصبحت مئات الصفحات، فإن ذلك يعني التفكير في مسائل أكثر دقة وبشكل يراعي مصالح الأطراف وليس طرفا واحدا، كما يحدث أحيانا؛ أو إملاء الطرف الأقوى. كذلك كيف يمكن تحديد القرارات السليمة في الأوقات المناسبة، فيما يعرف بالتحكم.

عقود المستقبل أكثر عدالة!

إن نظرية العقود التي طورها العالمان تساعد في كتابة عقود أفضل وأعمق تراعي مختلف الأبعاد، كما تضع في الاعتبار المحفزات المستقبلية، فإذا كان على سبيل المثال هناك عامل في شركة معينة، فإن العقد يجب أن يعطيه ليس مجرد الاستمرارية الروتينية في العمل، بل الدافع لكي يرى مستقبله من هذه اللحظة.

وواقعيا فإن العقود في عالم اليوم فيها الكثير من الإشكاليات وبحيث إنها تخضع لمن يمتلك الإرادة أو المال أو يتحكم في ظروف التعاقد، لاسيما الاستغلال الذي يحدث أحيانا بل كثيرا. لهذا فإن التفكير في مستقبل العقود وفق نظرية جديدة يعني أن ذلك سوف يدخل في صميم القوانين وسيكون جزءا من الفكر الذي يساعد في بناء مستقبل أكثر عدالة للناس ويدعم الإنتاج والمساواة في الأسواق وفي تطوير الحياة عموما.

وقد أشارت لجنة الجائزة إلى أن العقود وفق نظرية الفائزين ليست إطارا محددا بالمفهوم الضيق لها في حيز التجارة والأعمال، بل هي نظرية عامة تنطبق مثلا على: العلاقة بين الدولة والمواطنين أو غيرها من أشكال الأنساق والعلاقات في المجتمعات، وليس مجرد الربح والخسارة المادية.

بداية تطوير نظرية العقود

نشر العالمان الفائزان في عام 1979 لأول مرة بشكل منفصل أفكارهما حول ذلك الموضوع، والتي ركزت على أن العقود المثالية يجب أن تربط بشكل واضح بين النظام المحاسبي والعوامل الخارجية المختلفة، فهناك عوامل خارج إرادة المدير أو المتعاقدين يجب أن توضع في الحسبان، أي تحرير العقود من الهوى الشخصي المباشر.

فعلى سبيل المسائل في الشركات ذات الأداء المستقر فإن تحفيز المدير على الإنتاج يكون ضروريا والأداء يصبح هو الحكم، وبالتالي لا يكون الراتب هو المقياس الأساسي، لكن في حال الشركات أو المصانع التي تقوم على المخاطرة فهنا يفضل أن يكون الراتب ثابتا ولا يمكننا أن نجعله تحت رحمة الظروف حيث يقاس الأداء بغض النظر عن النتيجة.

كذلك فإن دراسات قام بها العالمان على مسائل مرتبطة بالتعاقد تصبح ضرورية لفهم النظرية، مثلا إن الضغط على التكاليف بشكل غير سليم يؤدي إلى تقليل الكفاءة الإنتاجية أو الجودة، وهذا نتاج طبيعي للعقود غير المكتملة التي سوف تصبح سمة عالم قديم في المستقبل، بعد أن يضع الناس اعتبارات جديدة لشكل التعاقد، فحقيقة العقود اليوم أنها ليست مفصلة بالشكل الذي يغطي المسائل الجوهرية.

الخصخصة.. والتنازع بين خفض التكاليف والجودة

يعالج العالم الثاني هارت في نظريته حول العقود التنازع ما بين القطاعين العام والخاص، فهل مؤسسات كالمستشفيات والمدارس والسجون يجب أن تدار من قبل الحكومات أم الشركات؟

والإجابة عن ذلك بحسب النظرية تعتمد على عدد من الأمور، فمثلا لنفترض أن مديرا ما يدير منشأة رعاية في الحالة الأولى بهدف تجويد الخدمة، وفي الحالة الثانية تقليل التكاليف على حساب الجودة، فما الذي يجب أن يحكم الأوضاع بشكل عام، ومن يقرر؟ ومن يمتلك حق صياغة العقود النهائية التي تلزم طرفا ما بأن يكون جيدا أم لا، أو يعطي كفاءة أو ديمومة.

في عام 1997 قدم بحث لهارت بالتعاون مع علماء آخرين، أثبت أن الحوافز لخفض التكاليف في الشركات غالبا ما تكون أقوى من أي شيء آخر. وهذا يعني أن الرغبة في الخصخصة تعتمد على مفاضلة بين الحد من التكلفة والحفاظ على الجودة.

على سبيل المثال درس العلماء وضعية السجون الخاصة في أميركا وتوصلا إلى أنها سيئة للغاية مقارنة بالسجون العامة، وقد أدركت وزارة العدل الأميركية ذلك، وكان أن عملت على الحد من السجون الخاصة لسوء الأداء فيها.

فهم الواقع وتدارك المزالق المحتملة

يمكن القول إن الاقتصاد الحديث يقوم على عدد لا متناه من أنظمة العقود وهنا تعمل النظرية المطورة بواسطة هارت وهولمستروم، عبر أدواتها المتنوعة على فهم العقود من واقع الحياة كذلك تدارك المزالق المحتملة مستقبلا من وقت مبكر قبل وقوعها.

وبهذا فإن عقودا كالتي تقع بين سلطة تنفيذية والمساهمين في شركة وشركات التأمين وأصحاب السيارات وسلطة عامة وموردين وغيرها، غالبا ما تنطوي على مصالح متضاربة، ولهذا فإن العقود يجب أن تصمم بطريقة تجعل كل الأطراف لها القدرة على اتخاذ القرار وليس طرفا بعينه. أي العدالة في اتخاذ القرار السليم.

وبالتالي فإن النظرية تضع لنا إطارا شاملا لتحليل مختلف القضايا المثارة بشأن التعاقدات، مثل تحديد رواتب رؤساء الإدارات في الشركات من كبار المسؤولين التنفيذيين، كذلك أنظمة الخصومات والتأمينات التكافلية وخصخصة أنشطة القطاع العام.

وإذا كانت الفكرة في البداية قد غطت أمورا بسيطة غير منظورة في التعاقد من مهام قد يطلع بها طرف معين ولا توضع في الاعتبار ولا تُكافئ، إلا أنها مع الزمن قد تشعبت ليكون جانب المعلومات أساسيا فيها، وقد أتاح استخدام نموذج يسعى لتحقيق الواقعية في التعاقد إلى نتائج أفضل في الأداء بحيث تقاس الجهود الحقيقية ويمكن تفادي مسألة ركوب شخص على حساب آخرين في تحقيق الفائدة الذاتية، بسرقة جهدهم.

قد انتبه هارت في منتصف الثمانينات إلى أن الحصول على عقود واقعية مائة بالمائة أمر مستحيل، أي تصميم عقد يراعي كافة المصالح والاحتمالات، وإذا كان ليس لأي عقد أن يقول كل شيء، فإن هذا الجزء من النظرية يقوم على وضع أسس لضبط أو التحكم في حقوق الأطراف، مثلا أي طرف يحق له إصدار الأحكام أو القرارات تحت ظرف معين؟!

مستقبل النظرية في حل إشكاليات السلطة والتملك والحقوق

عموما فإن هذه النظرية التي تشكل فتحا ليس في عالم الاقتصاد بل الجوانب السياسية والاجتماعية عموما كما أشارت لجنة الجائزة، تنير ضوءا جديدا في مسار طويل من تعقيدات قضية السلطة والتملك والحقوق، في الشركات بوجه خاص، وفي مجتمع رأسمالي يسعى لتكريس الفائدة دون أن يضع الاعتبار لمصلحة المجموع. وبالتالي نحن أمام مرحلة لسيطرة أوضح على أنظمة الأعمال بما في ذلك العلوم السياسية والقوانين عموما.

وهذه الأبحاث تفتح الطريق إلى تلمس أدوات تمكن من دراسة والإجابة عن أسئلة مثل: ما هي طبيعة الشركات المؤهلة للاندماج معا؟ كذلك الطريقة السليمة للتمويل والموازنة بين الديون والرغبة في رفع رأس المال؟ أيضا اتخاذ القرار الصحيح بخصوص المؤسسات كالمدارس أو المستشفيات لمن تتبع في مرحلة معينة للقطاع الخاص أم الحكومات؟

ومن خلال نظرية العالمين بشكل عام فقد فتحا أفقا جديدا لعلم العقود بوصفه مناخا خصبا للأبحاث المستقبلية يجيب عن كثير من الأسئلة ويحل أزمات مستفحلة في المجتمعات، لاسيما أنه خلال العقود الماضية كانت ثمة تطبيقات ناجحة في هذا الإطار لهذين الباحثين، حيث قادت تحليلاتهما لإبداع التعاقدات المثلى إلى وضع قاعدة ذكية وأساسية لتصميم السياسات والأنظمة القانونية في عدد من الحقول، من تشريعات الإفلاس إلى الدساتير السياسية.

وكالات

مواضيع ذات صلة