الرئيسية »
 
02 كانون الثاني 2019

الحصاد الاقتصادي : مؤشرات البطالة والفقر ترتفع وفرص التحسن تنخفض

بقلم: أمين ابو عيشة
خبير السياسات النقدية والاقتصاد الرقمي

الحصاد الاقتصادي : مؤشرات البطالة والفقر ترتفع وفرص التحسن تنخفض 

كان العام 2018 الأسوأ من الناحية الاقتصادية والنقدية والمالية على السلطة الوطنية الفلسطينية في قطاع غزة بشكل خاص والضفة الغربية. وشهد هذا العام ارتفاعاً كبيراً في معدلات البطالة والفقر والفقر المدقع وزيادة في عدد الشيكات المرتجعة وتراجع في النشاط التجاري وانكماش القيمة الشرائية للمستهلكين وانحسار التمويل الدولي للخزينة العامة للسلطة وقرصنة اسرائيل على أموال المقاصة المتعلقة بمدفوعات أسر الشهداء والأسرى، وأصبحت المنظومة الاقتصادية للمحافظات الجنوبية على حافة الانهيار الاقتصادي،هذه الشواهد والأدلة نوجزها بجملة من الوقائع في المتغيرات الاقتصادية والمالية التالية:

1. ارتفاع معدلات البطالة والفقر

شهد العام 2018 ارتفاعا في معدلات البطالة. وأشارت التقديرات الأولية إلى إرتفاع إجمالي عدد العاملين في سوق العمل عام 2018 بنسبة 2% مقارنة مع عام 2017، ويعزى هذا الإرتفاع إلى إرتفاع عدد العاملين في أنشطة الإنشاءات والصناعة.

وبالرغم من ارتفاع عدد العاملين الا أن نسبة البطالة ارتفعت خلال عام 2018 لتصل إلى 31% مقارنة مع 29% خلال عام 2017 وذلك بسبب الارتفاع الحاصل في عدد العاملين كان أقل من الارتفاع في ‏حجم القوى العاملة، ويعزى ارتفاع نسبة البطالة في فلسطين خلال عام 2018 إلى الإرتفاع الحاد الذي شهده قطاع غزة والذي تجاوز 50% خلال الارباع الثلاثة الأولى من عام 2018، فيما لم تتجاوز في الضفة الغربية 19%.

هذا الأمر، خير دليل على التراجع الكبير في مستويات التشغيل بل غيابها من قبل حكومة الوفاق الوطني وتعطل واضح في النشاط التجاري وتراجعه، كما يعكس و بشكل واضح الأثر الإجرامي للاحتلال والحصار والانقسام والعدوان الإسرائيلي خصوصاً على قطاع غزة وغياب نظم تشغيلية يشوبها الاستدامة والاستمرارية من قبل الحكومة الفلسطينية.

2.الفقر بشكل عام

ظهرت نتائج مسح أجراه "الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني "[1] أن معاناة قطاع غزة من الفقر هي نحو أربعة أضعاف مثيله في الضفة الغربية، كما أن معاناة القطاع من الفقر المدقع تقترب من ثلاثة أضعاف مثيله في الضفة الغربية.

ويعني ذلك، أن أكثر من نصف السكان في قطاع غزة هم فقراء وذلك حسب أخر إحصائات سجلها الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني في الربع الثالث من العام 2018.

ووفقا للبيانات بلغت نسبة الفقراء في الضفة الغربية 13.9% لنفس الفترة، بينما وصلت نسبة الفقراء الى ما يزيد عن نصف السكان في قطاع  غزة و بلغت 54%، أي تفوق نسبة الفقر في قطاع غزة مقارنة مع نسبة الفقر في الضفة الغربية بحوالي أربعة أضعاف.

أما بالنسبة لخط الفقر المدقع[2] فقد بلغت نسبة الفقراء في الضفة الغربية 5.8% بينما وصلت في قطاع غزة الى 33.8%، حيث فاقت نسبة الفقر في القطاع مقارنة مع الضفة الغربية بحوالي ستة أضعاف.

كما نلاحظ ارتفاع نسب الفقر العام في عام 2017 كما أظهرت النتائج مقارنة مع عام 2011، فقد كانت نسبة الفقراء في عام 2011 حوالي 25.8% بينما ارتفعت لتصل الى 29.2% في عام 2017، أي بارتفاع نسبته 13.2%.  كما ارتفعت نسب الفقر المدقع من 12.9% عام 2011 الى 16.8% عام 2017 أي بارتفاع نسبته 30.2%.

 ويعزى هذا الارتفاع في نظري، إلى ارتفاع مؤشرات الفقر بشكل ملحوظ في قطاع غزة بالرغم من انخفاضها في الضفة الغربية. مما يعني أن الوضع في قطاع غزة أصبح أسوء بكثير مما كان عليه في العام 2011، فقد ارتفعت نسب الفقر في قطاع غزة بحوالي 37%، (من38.8% في العام 2011 ليصل إلى 56 % في الربع الثالث من العام 2018)، وما يدعم ذلك الأمر أن النتائج المسحية في النصف الثاني من العام 2018 لعدد من المؤسسات الدولية أبرزها البنك الدولي أشارت أن أكثر من 80% من سكان قطاع غزة يتلقون مساعدات من الغير.

3. الشيكات المرتجعة

تعد الشيكات الراجعة ظاهرة غير صحية إذ تؤدي إلى تباطؤ النمو لعدم تسديد الأموال في مواعيدها، ما ينتج عنه إرباك كبير في قائمة التدفقات النقدية المتوقعة للشركات والمؤسسات والأفراد وبتالي عدم مقدرتهم على الايفاء بالتزاماتها مستقبلا.

ومن المتوقع انخفاض عدد الشيكات المرتجعة مع نهاية العام 2018 بحيث تصل قيمتها النقدية لأقل من 1 مليار دولار أمريكي مقارنة مع قيمة نقدية قدرها 1.15 في العام 2017 وبلغت قيمتها خلال 8 شهور الأولى من العام 2018 حوالي 742 مليون دولار آمريكي، مقارنة مع  إجمالي الشيكات المرتجعة في الشهور الثمانية الأولى من 2017العام ، بلغ 707 ملايين دولار أمريكي وبزيادة قدرها 4.9% في عدد الشيكات المرتجعة.

وكانت بيانات "سلطة النقد الفلسطينية" أشارت إلى أن إجمالي قيمة الشيكات الراجعة في البنوك الفلسطينية في العام 2017 السابق بلغت مليار و150 مليون دولار أمريكي، لافتة إلى أن البنوك استقبلت شيكات بقيمة 15 مليار دولار في عام 2017.

وعند الحديث بشكل خاص عن قطاع غزة وعدد الشيكات المرتجعة ازدات إعادة الشيكات بكثافة غير مسبوقة، وبشكل خاص التجار في قطاع غزة وموظفي القطاع العام وبلغ نسبة الشيكات المرتجعة  المسحوبة من الموظفين العمومين والراجعة حوالي 32% من إجمالي الشيكات المرتجعة بقطاع غزة.

لقد أصبح هذا الأمر يشكل كابوسا حقيقيا هناك، ومؤشرا على خراب وانهيار الوضع الاقتصادي في قطاع غزة، بفعل الحصار الإسرائيلي المشدد منذ 12 عاما، والذي زاد بشكل ملحوظ في 2018، إلى جانب تفاقم أزمة رواتب الموظفين واستمرار الخصومات على رواتبهم بنسبة تجاوزت الـ50 في المائة، ما ينم عن إشكالية حقيقة داخل قطاع غزة نجم عنها سجن أكثر من 1000 تاجر نتيجة لارجاع شيكاتهم المقدمة للتقاص المصرفي وسجلت المحاكم في قطاع غزة حوالي 50000 قضية وأمر حبس خلال العاميين2017/2018..
وبحسب إحصائيات جديدة لجهات مختصة، فإن عدد الشيكات المرتجعة في قطاع غزة، بلغ خلال النصف الأول من عام 2018 نحو 17 ألف شيك، بقيمة مالية بلغت أكثر من 47.8 مليون دولار وبقيمة متوقعة مع نهاية العام 2018 تصل لحوالي 118 مليون دولار.

وتدريجيا بدأت وتيرة نمو الشيكات المرتجعة في السوق الفلسطينية، تتراجع، بفعل إجراءات متخذة من قبل "سلطة النقد الفلسطينية"، مرتبطة بأنظمة الاستعلام المصرفي أو ما يعرف بالربط الموحد، وأخرى شددت من حصول العملاء على دفاتر الشيكات، ومع بداية العام 2019 سيتم إطلاق نظام التقاص الالكتروني للشيكات الذي سيختصر مقاصة الشيك ليوم عمل بدلاً من ثلاثة أيام في النظام القديم وسيقلل هذا الأمر من عدد الشيكات المرتجعة وسيزيد من سرعة دوران النقد في المنظومة المصرفية والأقتصادية..

4. الميزان التجاري:

وفقاً لبيانات صادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني من المتوقع أن تتخطى قيمة الواردات الفلسطينة حاجز 5.9 مليار دولار أمريكي مع نهاية العام2018 مقابل حجم صادرات خارجية لا تتجاوز 950 مليون دولار أمريكي، وبزيادة في قيمة الواردات عن العام2016 نسبتها10%، وهو ما يعني أن حجم العجز التجاري ما بين الصادرات والواردات سيسجل قرابة 5 مليارات دولار، وأن هذا العجز في الميزان التجاري تاريخي، هو  بحاجة إلى زيادة في الصادرات وتخفيض الواردات.والانفكاك من الربط والعلاقة العضوية بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي.

 

5.معدلات النمو الأقتصادي:

أشارت التقديرات الأولية الصادرة عن الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني إلى حدوث تباطؤ في نمو الناتج المحلي الإجمالي في فلسطين عام 2018 ليصل إلى 0.7% مقارنة مع 3% عام 2017، نتج عنه انخفاض نصيب الفرد بنسبة 1.5%، حيث شهدت الارباع الثلاثة الأولى من عام 2018 تراجع الناتج المحلي الإجمالي في قطاع غزة بنسبة 8% مقارنة مع الأرباع المناظرة من عام 2017، بالمقابل إرتفع الناتج المحلي الإجمالي في الضفة الغربية بنسبة 2.3% خلال نفس الفترة.

6.تراجع حاد في المنح الدولية:

ألقى تراجع الدعم المالي الخارجي للسلطة الفلسطينية بظلاله على شكل الموازنة الفلسطينية للعام الحالي2018.

بحسب بيانات وزارة المالية الفلسطينية، تجاوز حجم الدين العام على السلطة مع نهاية تشرين الثاني 2018 حوالي 2.3 مليار دولار، ما ينذر بدخول الاقتصاد الفلسطيني في نفق مظلم.

يعود ارتفاع حجم الدين العام إلى اعتماد السلطة الفلسطينية على المحلية التي بلغت حتى تشرين الثاني نحو 1.3 مليار دولار بينما بلغت الديون الخارجية حوالي 1.03 مليار.

7. قرصنة اسرائيل على أموال المقاصة:

شهد العام 2018 قرصنة متعمدة وابتزاز من قبل الجانب الإسرائيلي على أموال المقاصة للسلطة الوطنية الفلسطينة من خلال خصومات شهرية تصل لحوالي 25-28 مليون دولار شهرياً وذلك على مخصصات تدفعها السلطة الوطنية الفلسطينة على شكل رواتب ومستحقات للأسري والشهداء.

و إسرائيل أعلنت أن حوالي 1 مليار و200 مليون شيقل هي المخصصات السنوية  للأسرى والشهداء والتي ستعمل وفق القانون الجديد على خصمها من أموال المقاصة التي تحوّل إلى خزينة السلطة.

 ويقضي القانون   الذي سنه الكنيست  مؤخرا، بأن يتم خصم قيمة المبالغ التي تدفعها السلطة الفلسطينية للأسرى وذويهم، من عائدات الضرائب التي تجبيها سلطات الاحتلال، وتجميدها في صندوق خاص، على أن يمنح ما يسمى المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية (الكابينيت)، الحق في إعادة جميع الأموال المجمدة للسلطة الفلسطينية، إذا لم تقم السلطة بتحويل المخصصات لذوي الأسرى والشهداء والجرحى الفلسطينيين.

8. أنشطة الأعمال:

تراجعت فلسطين مرتبتين اثنتين في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال الصادر عن البنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية.وكشف التقرير أن فلسطين احتلت المرتبة 116 عالمياً خلال العام 2018، مقارنة مع 114 خلال العام الماضي 2017 بينما جاءت في المرتبة العاشرة عربياً.

 والجدير ذكره أن تقرير ممارسة أنشطة الأعمال 2019 هو تقرير سنوي يصدر عن وحدة أنشطة الأعمال في البنك الدولي والتى تقييم أداء 190 اقتصاداً على مستوي العالم من خلال مدى سهولة ويسر تنفيذ الأعمال.ويعتمد معدوا التقرير على 10 معايير هي بدء النشاط التجاري، استخراج تراخيص البناء، والحصول على الكهرباء، وتسجيل الملكية والحصول على الأئتمان، وحياية المستثمرين من الأقليات، ودفع الضرائب والتجارة عبر الحدود، وإنفاذ العقود وتسوية حالات الإعسار النقدي.

 وعلى الرغم من تراجع فلسطين في تقرير الأعمال والأنشطة إلا أن علامتها ارتفعت من 58.72% خلال العام 2017 إلى 59.11% خلال العام الجاري 2018 وسجلت فلسطين في معيار الجصول على الأئتمان(القروض والتمويل) أفضل أداء لها في العشرة معايير سابقة الذكر، إذ جاءت في المرتبة 22 عالمياً.

في المقابل كان أسوأ ترتيب لفلسطين بالمعايير العشرة هو المتعلق ببدء النشاط التجاري، إذ جاءت في الترتيب 171 عالمياً، بينما تراجعت في ثلاث معايير هي بدء النشاط، واستخراج تراخيص البناء، ودفع الضرائب واستقرت بباقي المعايير.

النتائج والتوقعات:

يظل الاحتلال هو العقبة الأساس والمعوِّق الأكبر لأي نشاط أو تطور اقتصادي في مناطق السلطة الوطنية، سواء في الضفة الغربية أو في قطاع غزة، كما أن الانقسام الفلسطيني واستمرار صراع الإخوة يعكس بظلاله السلبية على الاقتصاد الفلسطيني ما انعكس سلبا على مستويات النمو والركود.

النظرة المتوقعة لعام 2019 هي تشاؤمية، وذلك لسببين هامين، هما: بقاء الاحتلال واستدامة الانقسام الذان يمنعان تحقيق التنمية.

سبل المواجهة

• العمل على بناء قواعد إنتاجية، تتصف بقدرات عالية على التشغيل.

• العمل وبشكل جدي وحقيقي على إنهاء الانقسام والصراع الفلسطيني الداخلي.

ضرورة التحرك على المستوى القانوني، لمقاضاة "إسرائيل" لعدم تسليمها أموال الضرائب والمقاصة، مشيراً إلى إمكانية التوجه إلى مجلس الأمن الدولي ومحكمة العدل الدولية للبت في هذه القضية.

• أن تلجأ السلطة إلى إلغاء الاتفاقيات الاقتصادية كافة الموقعة مع الجانب الإسرائيلي  وبشكل خاص باريس الاقتصادية وذلك بعد توفير البديل ( كالمنطقة التجارية الحرة مع الجانب المصري أو ميناء غزة البحري ) أو تعديلها، من خلال التواصل مع الدول الضامنة والراعية للاتفاق، مؤكداً أن من حق السلطة إلغاء تلك الاتفاقيات في ظل الخرق الواضح من "إسرائيل" لتلك الاتفاقيات.

• محاولة تعويض النقص الحاد في ميزانية السلطة جراء تجميد "إسرائيل" لأموال المقاصة الخاصة بالشهداء والأسري، وذلك من خلال العمل على الحد من مشكلة التضخم الاقتصادي في حجم الوظائف الحكومية والنفقات الأمنية العالية (حسب اعلان وزارة المالية فإن العجز الجاري للموازنة العامة 2018 حوالي 700 مليون يضاف لها حوالي 1.200 مليار شيكل سنويا ( هي اموال الاسري والشهداء يقيم ويعدل هذا المبلغ شهرياً ) دولار أمريكي وهو يغطي من أموال المانجين)

• إعادة إحياء وتفعيل شبكة الأمان المالية العربية التي أقرت في أكثر من مناسبة ولم تنفذ، لأن تصبح جزءاً من حراك دولي ساعٍ للتقليل من التداعيات السلبية للإجراءات الاسرائيلية على الوضعين المالي والاقتصادي للشعب الفلسطيني.

• زيادة المعدلات الضريبية والجمركية على عدد من السلع الكمالية والصناعية والمل على مكافحة التهرب الضريبي والتسرب الضريبي من خلال إعادة صياغة معايير جديدة  .

 -------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

[1]  الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، التقرير السنوي ،سنوات متعددة.

[2] ا الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، التقرير الصحفي للتقديرات الأولية للفقر الربعية (الربع الثان يوالثالث 2018).

هل تتفق مع ما جاء في هذا المقال؟