الرئيسية » أقلام اقتصادية » الاخبار الرئيسية »
 
12 شباط 2019

مصير اتفاق الغاز الأردني الإسرائيلي

بقلم: خالد منصور وهلا الزهيري

دفع إعلان الملك الأردني عبد الله الثاني، بتاريخ 21/10/2018، بإنهاء الملحقين اللذين سمحا لـ "إسرائيل" باستخدام أراضي أردنية، الباقورة والغمر، بموجب اتفاق وادي عربة العام 1994، إلى تصاعد الحراك الجماهيري الدافع باتجاه إنهاء اتفاق الغاز الموقع مع "إسرائيل". ومع ذلك، وعلى الرغم من البدائل المتاحة التي يؤكد خبراء أنها تغطي حاجات الأردن، إلا أن الظروف التي تحيط بالمملكة تشير إلى عدم وجود نيّة لدى الحكومة الأردنية بإلغاء الاتفاق لاعتبارات، يبدو أنّها سياسية تحتّم ذلك، وإن كانت التفاصيل غير واضحة بعد، ولكن لا يبدو أن العلاقات الإسرائيلية الأردنية مرشحة للتراجع بما يؤدي إلى إلغاء مثل هذه الصفقة.

عوامل تصاعد حراك الغاز

صدر إعلان الملك بإنهاء الملحقين اللذين سمحا باستخدام أراضي الباقورة والغمر عقب حراك جماهيري واسع، شمل دعوات برلمانية، وحملات على مواقع التواصل الاجتماعي[2]، تشكّل عقب حالة الإحباط التي أصابت الشارع الأردني من طريقة تعاطي المستوى السياسي في المملكة مع حادثة السفارة "الإسرائيلية" بالعاصمة عمان، بتاريخ 23/7/2018، التي أودت بحياة أردنيَيْن قتلا على يد حارس أمن إسرائيلي.

شجع قرار الملك الحراك الشعبي تجاه إنهاء اتفاق الغاز، على تكثيف نشاطه عبر الخروج في مسيرات تطالب بإلغاء الاتفاقية، وسط تساؤلات حول قدرة الحراك الشعبي على الدفع باتجاه إنهاء الاتفاق، لتخرج مسيرات تطالب بإلغاء الاتفاقية التي يعتبرها ترسّخ التبعية "لإسرائيل".

وقعت شركة الكهرباء الوطنية الأردنية المملوكة للحكومة، بتاريخ 26/9/2016، اتفاقًا عبر شركة "نوبل إنيرجي" الأميركية، يبدأ تنفيذه العام 2019، لاستيراد 40% من حاجة الشركة من الغاز الطبيعي المسال لتوليد الكهرباء من "إسرائيل" للسنوات الخمسة عشر القادمة مقابل عشرة مليارات دولار.

اتفاق الغاز والبدائل المتاحة

تقدر حاجة المملكة من الغاز الطبيعي بحوالي 330 مليون قدم مكعب يوميًا تستغل في توليد الطاقة الكهربائية. ويواجه الأردن تحديًا كبيرًا في مجال الطاقة كونه يستورد 93% من احتياجاته، ما يشكل ضغطًا على الموازنة.

عانى الأردن من عدم انتظام واراداته من الغاز، بعد حوادث انقطاع إمدادات الغاز إثر هجمات إرهابية استهدفت أنابيب الغاز المصري، في سيناء، في العامين 2011 و2012، وكذلك اضطراب إمدادات النفط العراقية العام 2013، بسبب النزاع المسلح في العراق قرب الحدود الأردنية.

من جهة أخرى، وقع الأردن اتفاقًا مع مصر في كانون الثاني 2019، يقضي بتزويد المملكة بنحو نصف احتياجات النظام الكهربائي من الغاز للعام 2019، وهذا ما يدعم قطاع الطاقة، ولكنه يعزز حالة الاحتقان الشعبي على المضي باتفاق الغاز مع" إسرائيل"، ويدفع بالمزيد من التساؤولات حول دوافع المملكة المضي في تطبيقه، لا سيما أن هناك اعتمادًا متزايدًا على مصادر الطاقة المتجددة، حيث صُنّف الأردن رابعًا بين دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في استخدام الطاقة المتجددة.

قالت هالة زواتي، وزيرة الطاقة والثروة المعدنية الأردنية، إنه من المتوقع زيادة إنتاج الطاقة المتجددة (الشمسية والرياح) لتصل نسبتها إلى 20% من طاقة الكهرباء المنتجة والمولدة في المملكة.

العلاقات الأردنية الإسرائيلية ... توترات مستمرة

تشهد العلاقات الأردنية الإسرائيلية حالة توتر تضيف على الجانب الأردني إحراجًا جديدًا، يبدأ بالانتهاكات اليومية للمسجد الأقصى ومحيطه في القدس المحتلة، كون الأردن الوصي على هذه المقدسات التي ضمنت اتفاقية وادي عربة احترام "إسرائيل" لهذا الدور، ويمر بمواقف منها قتل المحامي رائد زعيتر في العام 2014 وحادثة السفارة المذكورة سابقًا، إضافة إلى أزمة ديبلوماسية اشتعلت على خلفية قيام جمانة غنيمات، وزيرة الدولة لشؤون الإعلام، بالدوس على علم "إسرائيل" أمام مدخل مقر النقابات المهنية في عمان.

اتفاق الغاز ... حقائق تتكشف

في ملف يشهد تطورات لافتة، كشف موسى هنطش، مقرر لجنة الطاقة في مجلس النواب الأردني، بتاريخ 9/1/2019، عن وجود شركة وسيطة لتنفيذ اتفاقية تصدير الغاز من "إسرائيل" إلى الأردن، مشيرًا إلى "وجود شبهات حول تورط مسؤولين وشخصيات نافذة في الأردن في إبرام صفقات وساطة تخص هذه الاتفاقية".

وأضاف هنطش أن لجنة الطاقة طلبت من رئيس مجلس النواب، عقد جلسة لمناقشة الاتفاقية، والوقوف على كل ما جاء فيها، مشيرًا إلى أن العديد من النواب سيدفعون باتجاه الطلب من الحكومة مجددًا إلغاء الاتفاقية، خاصة مع تعدد مصادر التزود بالطاقة، وترافقت هذه التطورات، مع استمرار فعاليات شعبية جديدة تطالب بإسقاط اتفاق الغاز.

الحراك يتصاعد

انطلقت شرارة الحراك الأردني، بتاريخ 7/1/2011، حين طالب بإصلاحات سياسية واقتصادية، وضم بندًا يطالب بإسقاط اتفاق وادي عربة، ويطالب بوقف تطبيع العلاقات مع "إسرائيل".

يضم الحراك الآن ائتلافًا عريضًا من أحزاب سياسية، ونقابات عماليّة ومهنيّة، ومجموعات وحراكات شعبيّة، ومتقاعدين عسكريّين، وفعاليّات نسوية، وشخصيّات وطنيّة، إضافة 20 نائبًا في البرلمان الأردني، وذلك حسب هشام البستاني، منسق الحملة الوطنية الأردنية لإسقاط اتفاق الغاز مع الكيان الصهيوني. 

ويرتكز نشاط الحملة في عمان، مع وجود هيئات شريكة فاعلة في إربد شمالًا حيث خط أنبوب الغاز، والكرك جنوبًا، ووسط الزرقاء، بالإضافة إلى محاضرات وندوات في محافظات أخرى، مثل مادبا والمفرق.

تقول الحملة إن نشاطها قائم وفعّال بشكل مستمر، ويرتفع الزخم الشعبي معها في المفاصل الكبرى، مثل توقيع الاتفاقية النهائية في أيلول 2016، حيث انطلقت أكبر موجة احتجاجية في الشارع قادتها الحملة لأسابيع عدة.

انطلق الحراك قبل ثماني سنوات، ونفذ بتاريخ 10/1/2019 اعتصامًا في عمّان إحياءً للذكرى الثامنة على انطلاقته، وتأكيدًا لموقفه المطالب بإسقاط الاتفاقية تحت شعار "غاز العدو احتلال".

نوّه البستاني إلى تجاهل الحكومة للحملة بشكل كامل، إضافة إلى رفض رئيس الحكومة عمر الرزاز طلب الحملة الاجتماع معه ومع وزير الطاقة، فضلًا عن تجاهل دائرة مكافحة الفساد شكوى الحملة الموثقة حول الاتفاقية والمدعمة بـ 40 وثيقة حول شبهات فساد تحيط بالصفقة ولم ينظر فيها.

"الباقورة والغمر" دافع جديد

جاء القرار الأردني بشأن الباقورة والغمر ليعيد الزخم للحراك، إذ خرجت مظاهرة في عمان، بتاريخ 9/11/2018، تطالب بإلغاء اتفاقية الغاز، والاستثمار في وسائل الطاقة البديلة.

وقالت الحملة الوطنية "إنها تعتبر الإلغاء المتعلّق بملاحق الباقورة والغمر في اتفاقية وادي عربة خطوة في الاتّجاه الصحيح، ولكنّها خطوة صغيرة جدًّا أمام واقع يسير بتسارع باتّجاه ترسيخ التبعيّة للصهاينة، وإهدار أموال وأمن ومستقبل المواطنين الأردنيّين، والإضرار باقتصاد البلد، لصالح دعم الإرهاب الصهيوني".

شكّل إعلان لجنة الطاقة حول الشركة الوسيطة لتنفيذ اتفاقية الغاز، مرحلة جديدة في مطالب الحملة الشعبية التي أعلنت أنها لن تكتفي بإسقاط الاتفاقية وإلغائها، بل أصبحت تطالب باعتقال ومحاكمة ومحاسبة من وصفتهم بالمسؤولين عن توقيع هذه الاتفاقية التي "لا تخدم سوى التفريط والعبث بأمننا واقتصادنا ومقدّراتنا وأموالنا، ودعم الإرهاب الصهيوني من جيوب المواطن الأردني".

تنبئ المعلومات الجديدة المرتبطة بتفاصيل توقيع اتفاق الغاز، بدخول الاحتجاجات الشعبية مرحلة أكثر زخمًا، قد تقود إلى مطالبات بسقف مرتفع بما يتعلق بعلاقة المملكة مع "إسرائيل"، خاصة أن المملكة أمام تحديات اقتصادية جسيمة.

اتفاق الغاز والإصرار على السرّية

كشف تقرير بثتّه فضائية "رؤيا" الأردنية، أن البنود المعلنة حول توقيع الاتفاق يشوبها لغط كبير، فيما تتذرع الحكومة بأن الاتفاقيات تبقى سريّة ما لم يوافق الطرف الآخر على الإفصاح عنها من جهة، وتستغل من جهة أخرى بندًا قانونيًا ينص على أن الاتفاقيات التي تتم بين الحكومة وشركة لا تخضع لرقابة البرلمان.

وقالت هالة عاهد، مستشارة قانونية، إن الحكومة تتلاعب في علاقتها مع شركة الكهرباء، فيما يؤكد الدستور الأردني أن المعاهدات التي يترتب عليها تحميل الحكومة جزءًا من النفقات لا تكون نافذة إلا لإذا وقع عليها مجلس الأمة.

وينقل التقرير عن شركة "ديليك" الإسرائيلية - أحد أطراف الاتفاقية - أنه سيتم بيع الغاز من قبل شركة وسيطة تابعة لشركة "نوبل إنيرجي" الأميركية.

وقال باسل برقان، الخبير في شؤون الطاقة، إن الحكومة وقّعت مع شركة أميركية تدعى "NBL الأردن"، وهي شركة غير مسجلة بالأردن، ومسجلة بجرز الكايمان في الكاريبي، ما يعني أنها شركة ورقية، لا يمكن مقاضاتها مثلًا في حال تطلب الأمر ذلك، مضيفًا أن الشركة الأم ليست طرفًا، وحتى في حال التوقيع مع الشركة الأم، فهي تملك 39% من حقل ليفيثان، فيما تمثل ما نسبة 61% شركات صهيونية، من ضمنها "ديليك".

كشفت دراسة تفصيلية أعدها خبير دولي في مجال الطاقة من مركز أبحاث "بلاتفورم" في لندن في العام 2014، أن حصة الحكومة الإسرائيلية من قيمة الصفقة التي سيتم البدء بالعمل فيها العام 2018 ستبلغ 56% تقريبًا، وستحصل تل أبيب على 8.4 مليارات دولار على الأقل، على صورة عوائد حقوق ملكية وضرائب مفروضة على عوائد الأرباح الطارئة، وضرائب شركات، بواقع 559 مليون دولار سنويًا.

تلعب الولايات المتحدة الأميركية دورًا ضاغطًا باتجاه تنفيذ اتفاق الغاز الأردني الإسرائيلي، حيث كانت واشنطن شريكًا في المفاوضات منذ العام 2011 التي أفضت في النهاية إلى توقيع الاتفاق.

تصب هذه التدخلات بالمحصلة في مصلحتين، أولهما: المنفعة الإستراتيجية لصالح الكيان إن بدأ بتصدير الغاز، وثانيتهما: المصلحة الخاصة لشركة "نوبل إنرجي"، بمعزل عن المصلحة العامة للشعب الأردني.

في ظل موافقة البنك الدولي على منح الأردن قرضًا بقيمة 1.2 مليار دولار، في كانون الثاني 2019، ورفع الولايات المتحدة منحتها النقدية ومساعداتها الاقتصادية للأردن بنسبة تصل إلى 57%، خلال العام 2018، ليبلغ إجمالي المساعدات الأميركية الاقتصادية غير العسكرية في العام 2018 حوالي 1.08 مليار دولار، تتعزز الفرضية التي تتحدث عن ضغوط سياسية تتعرض لها المملكة مقابل الحصول على دعم اقتصادي.

نتنياهو يدشّن منشأة صناعة الغاز ... والأردن يسرّع إنشاء الأنبوب

دشّن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، بتاريخ 31/1/2019، الجزء الأسفل لمنشأة صناعة الغاز "ليفيثان" في البحر المتوسط، معتبرًا أن الغاز يحوّل "إسرائيل" إلى دولة عظمى ويربطها بسوق الغاز في أوروبا ويصل إلى من وصفهم بالجيران العرب

وتحدثت وسائل إعلام عن قيام السلطات الأردنية بتسريع الأعمال الإنشائية لأنبوب الغاز، وإنجاز معظم أعمال المشروع من خلال مد الأنبوب لمسافات طويلة وصلت إلى غرب مدينة إربد، رغم الرفض الشعبي والبرلماني المتواصل للاتفاقية، مع توقعات بالانتهاء من مد الأنبوب نهاية العام 2019.

عقب هذه التطورات، نظمت الحملة الوطنية فعاليّة، بتاريخ 8/2/2019، جددت تأكيد رفضها للاتفاق، واصفة الصفقة بـ"المشبوهة وتمت بضغوط أميركية"، رغم وجود بدائل أجدى اقتصاديًا تحافظ على سيادة المملكة.

اتفاق الغاز مستمر بقرار سياسي

يبدو أن المستوى السياسي الأردني يتعامل مع الملفات كلٌّ على حدة، انسجامًا مع مصالحه السياسية والاقتصادية، ما يجعل إنهاء العمل باتفاق الباقورة والغمر غير مرتبطٍ بمجمل علاقة المملكة مع إسرائيل، وبالتالي فإن تصاعد الحراك ضد اتفاق الغاز لا يعني تجاوب الحكومة مع هذه الضغوط الشعبية.

على الرغم من تصاعد الأصوات التي تنادي بإلغاء الاتفاقية، وعن بدائل الطاقة المتاحة التي يؤكد خبراء أنها تغطي حاجات الأردن، إلا أن الظروف سابقة الذكر تشير إلى عدم وجود نيّة لدى الحكومة الأردنية بإلغاء الاتفاق. ويأتي تصريح الوزيرة زواتي حول أن إلغاء الاتفاقية يكبّد الأردن قية الشرط الجزائي البالغ مليار ونصف المليار دولار]، في سياق يعزز نيّة الحكومة المضي في تنفيذها، إضافة إلى تصريح سفيان التل، المستشار الدولي في شؤون التخطيط والبيئة، حول أن الأردن يتعرض لضغوط دولية تفرض عليه توقيع اتفاقية تكلّفه أعباءً اقتصادية وسياسية.

بين الحراك المطالب بإلغاء اتفاق الغاز من جهة، والحراك المطالب بتحسين الأوضاع الاقتصادية من جهة أخرى، تستمر الاتفاقية بضغوط دولية، ستجبر المجتمع الدولي على اتخاذ إجراءات تنقذ الاقتصاد الأردني المتداعي، لامتصاص غضب الشارع مقابل استمرار الاتفاق.*

*تأتي هذه الورقة ضمن إنتاج المشاركين/ات في برنامج "التفكير الإستراتيجي وإعداد السياسات" -مسارات

كلمات مفتاحية::
هل تتفق مع ما جاء في هذا المقال؟