الرئيسية » الاخبار الرئيسية » أقلام اقتصادية »
 
10 تشرين الثاني 2019

الزراعة الفلسطينية ما بين الإنتاج والاستهلاك

بقلم: عمر طبخنا

تزداد صعوبة الوضع الزراعي لدى المزارع الفلسطيني مع تزايد التأثر بالتغير المناخي وزيادة المنافسة الخارجية، وضعف تنفيذ السياسات المحلية عدا عن تحكم الاحتلال بموارد ومعابر المناطق الفلسطينية، وارتباط الاقتصاد والسوق الفلسطيني باقتصاد الاحتلال وخاصة فيما يتعلق بمدخلات الإنتاج وتصريف الإنتاج.

المؤشرات الإحصائية وخاصة المحلية تؤكد بأن مؤشرات القطاع الزراعي تتأثر بشكل كبير مع تواصل استمرار الاحتلال، وخاصة فيما يتعلق بحجم الأيدي العاملة الزراعية، إذ بلغ معدل البطالة في فلسطين حوالي 27% بتباين واضح بين الضفة الغربية وقطاع غزة لتبلغ في قطاع غزة أكثر من 40%[[1، مع انخفاض المساحة والإنتاج للسلع الاستراتيجية، وبالمقابل ارتفاع مستوى الإنتاج للمحاصيل النقدية، إضافة إلى انخفاض مستوى مساهمة الزراعة من إجمالي الناتج المحلي، فقطاع الخدمات يشكل حوالي 66% من إجمالي الناتج المحلي على حساب القطاعات الإنتاجية،  مقارنة بقطاع الزراعة الذي يشكل حوالي 3% ليستنتج من ذلك أن بنية الإقتصاد الفلسطيني غير مولده للعمالة[[2، في ظل سياسات ضريبية غير محفزة لغالبية الحيازات الزراعية وشح كميات المياه المخصصة للري، وعدم تشغيل صندوق درء المخاطر وصندوق الإقراض الزراعي بشكل فعال.

ويؤكد الواقع بأن هناك عزوفاً وتراجعاً لعمل الشباب والمرأة في القطاع الزراعي على الرغم من ارتفاع مستوى البطالة، ولهذا فإن مستوى الطلب على الاستيراد يزداد مع تزايد السكان وتغير نمط الاستهلاك وهذا ما  يرفع من الفجوة ما بين قدرة الإنتاج المحلي والطلب المتزايد، مما يضاعف من الاعتماد على الخارج ( الاحتلال). إن المتتبع للبيانات الزراعية يلاحظ مدى التغير السلبي على استهلاك زيت الزيتون (سلعة إستراتيجية ومميزة عالميا)، مقارنة مع ارتفاع استهلاك الزيت المستورد، وكذلك انخفاض مساحات الزراعة الحقلية ( حبوب وأعلاف)، مقابل ارتفاع مساحات المحاصيل النقدية.

 كما يؤكد الواقع بأن الوضع الزراعي ومدى استقلاليته في الإنتاج والاستهلاك يمر بمنحى تراجعي حاد بلغت قيمة الإنتاج الزراعي بالأسعار الثابتة للعام 2014 ما مقدراه 919 مليون دولار، مقارنة مع عام 2011 والذي سجلت فيه أعلى قيمة للإنتاج الزراعي بواقع 1119,4 مليون دولار.[[3وبمرور الوقت، تزايدت الواردات الزراعية السنوية لتتجاوز الصادرات بشكل كبير، حيث بلغ إجمالي الواردات الزراعية ما يقارب 127 مليون دولار عام 2014، في حين بلغت قيمة الصادرات الزراعية 67 مليون دولار.[[4وبخصوص العمل الزراعي فقد تراجع من  10.4% في عام 2014 و 8.7% للعام 2015.[[5

وهذا ما يتعارض مع طموح وآمال الشعب الفلسطيني في تعزيز سيادته على الإنتاج والاستهلاك، ومحاولة الحد من الهيمنة وتحكم الاحتلال في النمط الزراعي والاقتصادي. ولهذا فلا بد من دراسة وتحليل هذا الواقع الأليم والتوجه السريع لبناء قطاع زراعي ملبيا الحد الأدنى من الاحتياجات الإستراتيجية للمستهلك الفلسطيني، وبنفس الوقت معززا صمود المزارعين من شباب ونساء نحو استغلال كل قطرة مياه وشبر قابل للزراعة والحد من العجز التجاري الزراعي.

الاكتفاء الذاتي:

تقاس قوة البلد بمدى استقلالها غذائيا فكلّما قلت فجوة نقص الأغذية والاعتماد على الخارج في تغطية احتياجات المجتمع من الغذاء وخصوصا مدى أهمية واستراتيجية السلعة للمجتمع، فإن تبعية البلد للدول المهيمنة تزداد، وتختلف الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 عن أي بلد في العالم كونها تخضع لأشرس احتلال في هذا الزمن، وهو المسيطر على معابر وجميع مقومات الحياة والاقتصاد الفلسطيني، فكان لا بد من توضيح وضع أهم السلع الغذائية من حيث حجم الفجوة ما بين الإنتاج والاستهلاك، من الجدول السابق يمكن استخلاص النقاط التالية:

الحبوب:  وفق بيانات 2014 ، إجمالي المتاح للاستهلاك من الحبوب حوالي 544 ألف طن، وغالبيته يتم عبر الاستيراد (495 الف طن ) أي أن نسبة الاكتفاء الذاتي لا تزيد عن 10% ، في حين أن نسبة الاكتفاء الذاتي للوطن العربي تصل إلى 45%، وهذا يعود إلى محدودية المساحة التي تزرع بالحبوب نتيجة مصادرة الاحتلال للأراضي بحجة التدريب العسكري والتوسع الاستيطاني، إضافة إلى عزوف العديد من المزارعين على زراعة الحبوب لأسباب اقتصادية، أهمها نقص الأيدي العاملة وخاصة النساء، وضعف الجدوى الاقتصادية مقارنة بزراعة محاصيل أخرى، ضعف الإنتاجية بسبب اعتماد الزراعة على الأمطار، وبشكل عام إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج من زراعة وحصاد.

البقوليات: لا تختلف البقوليات كثيرا عن الحبوب وخاصة فيما يتعلق بنسبة الاكتفاء الذاتي، والتي تصل إلى 10% مقارنة بـ 64% في الوطن العربي، إن هذه المحاصيل تتواءم مع ظروف زراعة الحبوب ضمن نمط الزراعة البعلية، وضعف الإنتاجية وارتفاع تكلفة الإنتاج.

الخضار: على عكس الحبوب والبقوليات، فإن وضع الخضار يتعدى نسبة 100% من الاكتفاء الذاتي مثله مثل الوطن العربي، وذلك لما يحققه من مردود مادي جيد، ونسبة إنتاجية عالية بسبب الاعتماد على الري والتقنيات الزراعية، إلا أن مشكلة هذا النمط الإنتاجي انه ينحصر في مواسم وأوقات محددة، ما يغرق الأسواق المحلية في حالة عدم وجود منافذ خارجية، ولتحكّم الاحتلال بالمعابر، وإغراق الأسواق الفلسطينية بمنتجات مستوطنيها.

الفواكه: وفق إحصاءات 2014 تشير البيانات بان إجمالي الإنتاج من الفواكه يصل إلى 109 ألف طن، وأن هناك عجزاً عن التغطية المحلية من الفواكه قد تصل إلى 34 ألف طن مشكلة نسبة اكتفاء ذاتي ما يقارب من 76% من الفواكه، ولا بد من الإشارة هنا إلى عدة عقبات تواجه محاصيل الفواكه وأهمها: موسمية الإنتاج ( عمر المنتج قصير) وغالبيته زراعة بعلية، وقلة التنوع في محاصيل الفاكهة واقتصارها على العنب والتين واللوزيات والحمضيات، على الرغم من توفر الظروف البيئية المناسبة لإنتاج العديد من أصناف الفواكه، وشح المياه المتوفرة للزراعة بسبب سيطرة الاحتلال على جميع المصادر المتاحة.

اللحوم: تتفرع اللحوم لنوعين اللحوم الحمراء واللحوم البيضاء، وبشكل عام هناك عجز كبير في تلبية احتياجات المجتمع الفلسطيني، وحسب إحصاءات 2014 فقد بلغ هذا العجز ما يقارب من 20 ألف طن موزعين على النحو التالي 12 ألف طن من الدواجن و8 آلاف طن من اللحوم، وبهذا الجانب لا بد من الإشارة بإن معدل الإنتاج من اللحوم الحمراء يتناقص بشكل كبير نتيجة انخفاض عدد الحيوانات لدى المزارع الفلسطيني، بسبب تواصل الاحتلال في الاستيلاء على المراعي والتحكم بمستلزمات الإنتاج وارتفاع تكاليفها.

البيض: يشير الجدول المعد من قبل المنظمة العربية للتنمية الزراعية بأن نسبة الاكتفاء الذاتي من مادة البيض تصل إلى 100%، ولا بد من الإشارة هنا بأن صغار مربي الدجاج البياض يتعرضون لهزات اقتصادية خاصة بالسعر نتيجة العرض والطلب وانخفاض الطلب في الصيف.

الألبان ومنتجاتها: إن واقع الألبان ومنتجاتها لا يعكس الواقع الحقيقي لإنتاج الحليب المحلي، إذ أن غالبية مصانع منتجات الألبان تعتمد على مواد أولية ( حليب)  مستورد، ورغم ذلك فان نسبة الاكتفاء الذاتي لمنتجات الألبان قد تصل إلى 87%

الزيوت: وفي المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967 يعد زيت الزيتون المصدر الرئيسي للزيوت وهو المحصول الأكبر مساحة وإنتاجا وبالتالي فان نسبة الاكتفاء الذاتي تتعدى 150% ، بمعنى أن هذا المحصول بحاجة إلى فتح أسواق خارجية لاستيعاب الفائض وخاصة بأن زيت فلسطين يتمتع بنوعية وصفات مميزة عن بقية منتجي الزيت في العالم، فقد حصد العديد من الجوائز العالمية.

 وبشكل عام يمكن إيجاز الصورة لوضع الاكتفاء الذاتي لأهم المواد الغذائية: بأن غالبية العناصر الغذائية بحالة عجز وتتفاوت نسبة العجز من عجز تام مثل القمح والشعير( 5.23% ، 9.54% على التوالي) إلى عجز اقل حدة  مثل اللحوم الحمراء والأسماك.

الشكل أعلاه يوضح مدى التغير في مستوى الاكتفاء الذاتي للعديد من السلع الرئيسية خلال عامي 2014 و2017 بالاعتماد على إحصاءات إنفاق الأسرة لعام 2017 والإحصاءات الزراعية المتوفرة لغاية عام 2016، وأكثر هذه السلع تأثرا هو الزيوت، إذ تشير البيانات بأن المواطن الفلسطيني يستهلك كمية زيت عالية وللأسف من الزيوت المستوردة، مقابل انخفاض في كمية زيت الزيتون المنتج محليا.

وباستثناء البيض والخضار، فإن الفجوة الغذائية لبقية السلع الغذائية تتعمق وتزداد اتساعا مع مرور الوقت، وهذا ناقوس خطر يؤكد على تعميق ارتباطنا باقتصاد الاحتلال واعتمادنا عليه في توفير الغذاء، وضعف سيادتنا على غذائنا، ومن ثم إطالة وإعاقة تحرر الاقتصاد والشعب الفلسطيني من الاحتلال. 

   التوصيات:

إقامة اقتصادٍ مقاوم مرتبط ارتباطًا وثيقًا بثقافات الشعب الفلسطيني وتاريخه وأرضه وتطلعاته السياسية.
المباشرة في تعزيز الترابط الاقتصادي بين ما يسمى "مناطق ج" والمناطق الأخرى في المجال الزراعي من خلال استخدام الأراضي الزراعية لمناطق ”ج“، وعمل تكامل بين القطاعات الإقتصادية المختلفة. 
تفعيل الدور الحكومي والأهلي والخاص لزيادة الرقعة الزراعية، وإصدار التشريعات اللازمة لتشجيع عمل الشباب في القطاع الزراعي.
حماية المنتجات الزراعية الفلسطينية من المنافسة، وإقامة مشاريع تصنيع زراعي، وتعزيز العمل الجماعي والتعاوني.
تعزيز دور حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS) عبر توفير منصةٍ لربط مبادرات الزراعة والرعي بالحركات العالمية.
الضغط وتوجيه الممولين نحو دعم العمل في المناطق المهددة، وتنفيذ مشاريع تساهم في تعزيز الصمود، وتوجيه المحصول للاستهلاك المحلي.
ثمة حاجةٍ لوضع استراتيجية  لتعزيز العلاقة بالأرض بحيث تربط قدرَ ما أمكن من سُبل العيش بالأرض، ولا سيما بالأراضي الواقعة في ما يسمى المنطقة (ج) .
أهمية كبيرة لبناء جسم أو إطار يشمل جميع المزارعين وخاصة صغار المزارعين، مثل حركة الفلاحين الفلسطينيين والتي تنبثق عن الحركة العالمية للفلاحين ( الفياكمبسينا).

 

[1]  https://ramallah.news

[2] http://www.plo.ps/article/

[3] جهاز الاحصاء المركزي الفلسطيني، الحسابات القومية بالأسعار الجارية والثابتة للأعوام 2000-2014.

[4] الكتاب السنوي للإحصاءات الزراعية العربية، العدد رقم 34، المنظمة العربية للتنمية الزراعية، الخرطوم، 2014.

[5] الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني: http://pcbs.gov.ps/Portals/_Rainbow/Documents/employment-2015-01a.htm.

[6] الكتاب السنوي للإحصاءات الزراعية العربية المجلد رقم 35 المنظمة العربية للتنمية الزراعية الخرطوم 2015.

[7] الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني ، مستويات المعيشة، 2017

 

كلمات مفتاحية::
هل تتفق مع ما جاء في هذا المقال؟