مشاركون في ورشة يجمعون على جدوى خطوات نحو الانفكاك التدريجي عن الاحتلال
بوابة اقتصاد فلسطين
أجمع عدد من الحاضرين لنقاش ورقة بحثية أعدها معهد ماس بالتعاون مع المستشارة القانونية هبه الحسيني حول الانفكاك التدريجي عن التبعية الاقتصادية لإسرائيل على جدوى عدد من الخطوات باتجاه الانفكاك التدريجي، من خلال تعزيز البدائل المحلية وتقوية الصناعة الوطنية، ومنع الاستيراد الذي يضر بها، أي التقليل من التبعية بشكل تدريجي وبدون مواجهة مباشرة.
أكدوا كذلك على أهمية التوجه نحو القاعدة الشعبية وتوجيهها نحو الاستهلاك المحلي وتغيير ثقافة الاستهلاك القائمة فيما يتعلق بضرورة الابتعاد عن البضائع الاسرائيلية. على الرغم من أن المشاكل كثيرة إلا ان الحلول كثيرة كذلك بالتركيز على إطاري العمل الدولي والمحلي. لكن التجربة تظهر وجود مشكلة لدى صانع القرار الاقتصادي الفلسطيني، فقد كان من الممكن خلال ال 25 سنة الماضية عمل سياسة تجارية بدل المطالبة بتوسيع قوائم السلع المذكورة في الاتفاق إلا أن هذا لم يتم. إضافة إلى بنود أخرى كان يمكن استغلالها بشكل أفضل، حيث يتيح بروتوكول باريس توسيع علاقات فلسطين التجارية مع العمق العربي الأمر الذي لم يتم استغلاله أبداً.
وخلصت الورقة البحثية التي أعدها معهد ماس بالتعاون مع المستشارة القانونية هبه الحسيني حول الانفكاك التدريجي عن التبعية الاقتصادية لإسرائيل إلى أن السبل الثنائية المباشرة لتعديل الاتفاق الاقتصادي أو لحل النزاعات المتعلقة به هي الأسرع والأنجع، في حال توفرت، وأن الانتظار لانضمام فلسطين لمنظمات عالمية مثل منظمة التجارة العالمية ومن بعدها التفاوض مع دول مجاورة وإقليمية، يفترض فرض السيادة الفلسطينية على المعابر والحدود أو موافقة إسرائيلية لاستغلال موانئها أو معابرها الدولية، ولا يستطيع الاقتصاد الفلسطيني الصمود أمام عامل الزمن لمثل هذه الخطوات.
وخلصت الورقة أيضاً إلى أن غياب بنود صريحة بخصوص حل النزاعات والتحكيم يجعل مساءلة إسرائيل أو مطالبتها بتنفيذ أو تعديل الاتفاق الاقتصادي من خلال محافل دولية للتحكيم شبه مستحيل. وأن مطالبة إسرائيل بتنفيذ وتعديل الاتفاق الاقتصادي من خلال ضغط إقليمي ودولي قد يحقق مساعي فلسطين، من خلال إحراجها أمام الرأي العام الدولي والذي يدفع تكلفة الاحتلال. وأن قبول فلسطيني بتقديم الشق الاقتصادي على السياسي أولاً (وهو مقترح إسرائيل) محفوف بالمخاطر ولا ينسجم مع المواقف الفلسطينية الرسمية المعلنة في رفض "السلام الاقتصادي". كما يعد الانفصال من طرف واحد أو التوجه نحو بلورة نظام اقتصادي بديل (بعيد عن نموذج الاتحاد الجمركي غير المتكافئ والمقيد للتنمية، يتيح الحد الأدنى من السيادة على المعابر والحدود والاستيراد والتصدير وغيرها من السياسات القانونية) مستبعد اليوم وغير واقعي دون حل سياسي. لذلك يأتي البديل الأكثر واقعية في الوقت الحالي وهو الانفكاك التدريجي.
بدوره أشار الدكتور باسم خوري، رئيس مجلس إدارة شركة دار الشفاء لصناعة الأدوية ومواد التجميل -في مداخلته إلى أن ممارسات إسرائيل على الأرض أنهت العمل ببروتوكول باريس من خلال تفريغه من مضمونه، حيث أن جوهر هذا الاتفاق هو اتحاد جمركي بشروط استيراد وتصدير موحدة وتبادل حر للسلع والخدمات، ورأس المال، والعمالة لكن التطبيق على الأرض بعيد كل البعد عن ذلك. والحقيقة أن اتفاقية باريس لم تتح للفلسطينيين امتياز "شراء الوقت" حيث أنه ومنذ العام 1996 وفي ظل أول حكومة تشكلت برئاسة الراحل أبو عمار، قامت حكومة نتنياهو بإصدار تعليمات بأن على المستورد الفلسطيني توقيع تعهد بعدم بيع ما يستورده في إسرائيل وأن يقتصر بيعه في الأراضي الفلسطينية فقط. لم يقابل هذا المنع، منع السلع الإسرائيلية من دخول السوق الفلسطينية، كذلك الحال في سوق العمل حيث وضعت إسرائيل قيود كبيرة على تدفق العمال الفلسطينيين إلى إسرائيل وصلت بذروة الانتفاضة إلى منعها بالكامل، وما السماح بها الآن إلا استجابة إلى ضروراتها الاقتصادية في إسرائيل.
أضاف خوري أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة عملت جميعها على مبدأ واحد، وهو سلب أي مظهر من مظاهر السيادة الاقتصادية للفلسطينيين، لأن السيادة الاقتصادية ستنعكس حتماً على السيادة السياسية. وبهذا حرصت إسرائيل على عدم تحقيق أي انجازات اقتصادية تشعر المواطن الفلسطيني بتحسن حقيقي في حياته.
المشكلة الرئيسية من وجهة نظر خوري، أننا ما زلنا نعيش الوهم وهنالك غياب للوعي والاستراتيجية التي قد تساهم في تغيير الواقع، والعمل برأيه ممكن في إطارين. الإطار الأول، هو العمل الدولي، من خلال تفعيل جهودنا للانضمام إلى منظمة التجارة الدولية، لأن هذا الانضمام قد يساعدنا بالضغط على إسرائيل لتغيير سياستها التجارية والاقتصادية مع فلسطين. كما أن هنالك صعود لقوى اقتصادية مختلفة في العالم ولا بد لنا من النظر لهذه التغيرات وكيف سنكون لاعبين مع هذه القوى في العالم، لا بد من العمل عليها وعمل اتفاقيات جديدة وعدم الاقتصار على الاهتمام بتنفيذ بروتوكول باريس. الإطار الثاني يأتي على المستوى المحلي المتاح أمامنا وهو السيطرة على ما يباع محلياً ووضع معايير محددة لهذه السلع تتناسب ومواصفات المنتجات الفلسطينية وتحد من السلع الأخرى المستوردة بمبدأ المعاملة بالمثل والذي لا يتناقض مع اتفاقيات منظمة التجارة العالمية.
فيما أكد الخبير الاقتصادي سمير حليلة، أنه قبل توقيع بروتوكول باريس بقليل، نجح الطرف الفلسطيني المفاوض في إضافة بند يشير إلى أن النزاعات تحال إلى اللجنة المشتركة، أي أنها المكان لإعادة النظر في هذا الاتفاق. ويشير إلى أن قرار تحويل اتفاق باريس إلى بروتوكول، ترك التحكيم في النزاعات إلى الاتفاقية الأساسية. وبالتالي فالاتفاق السياسي والأمني هو البنية الرئيسية، أما تعديل بروتوكول باريس وحده ليس كافي في ظل الخروقات في الاتفاق الأساسي. في العام 1995، تم إجراء تعديل من طرف واحد على موضوع الجمارك والضرائب من خلال التفاوض مع إسرائيل والقبول بنسبة ال 3% المتعارف عليها اليوم، وتشير الوثائق الإسرائيلية إلى أن هذا التعديل كان لاحقا لاتفاق باريس وأجري ضمن اتفاقيات أخرى. أدركت إسرائيل في حينه أنه يمكنها التراجع عن كثير من بنود الاتفاق الذي لم يكن مرضي بشكل كامل لها، فاستغلوا إمكانية تشكيل لجان فنية فرعية بديلة عن اللجنة المشتركة. تتابعت الأخطاء حيث لم يطالب أحد باجتماع اللجنة المشتركة رسمياً تقريباً طوال الوقت، أي بحسب حليلة فإن عدم عقد اجتماعات اللجنة المشتركة كان بسبب تقصير فلسطيني وليس رفض إسرائيلي. كما أن فكرة الاتحاد الجمركي، باستثناء قوائم الاستيراد (أ وب) كانت قائمة في ذلك الوقت بحكم عدم وجود سيطرة على حدود فلسطينية، والتي لم توافق إسرائيل عليها إلى الآن.
لذلك يرى حليلة أن نقاش إمكانية نقض اتفاق باريس يجب أن تنطلق من فضح الخروقات الإسرائيلية للاتفاقية الأساسية وذكر منها: الإغلاق الأمني الذي فرض على مناطق السلطة بعد اتفاق أوسلو؛ منع السيارات الفلسطينية من الدخول إلى إسرائيل بقرار أحادي من قبل وزير النقل الإسرائيلي؛ عدم عقد اللجنة المشتركة، بالأخص أن الاتفاق ينص على أن إسرائيل ملزمة بإبلاغ السلطة مسبقاً بكافة التعديلات التي تنوي عملها في نظامها التجاري؛ التشغيل حسب الاتفاقية يجب أن يتم من خلال مكاتب العمل الفلسطينية لكن التشغيل يتم من خلال وسطاء؛ عدم التزام إسرائيل بالبند الذي ينص على أنه لا يجوز لأي طرف تدمير أو التأثير سلباً على صناعة الطرف الآخر من خلال إغراق السوق الفلسطيني بسلع ذات جودة منخفضة وأسعار رخيصة؛ مصادرة المواقع السياحية التي كانت ترتيباتها محددة في الاتفاق (سبسطية، قبر يوسف، قبة راحيل)؛ ومنع الباصات السياحية الفلسطينية من الدخول إلى إسرائيل.
كما لم يتم استكمال التفاوض، كما أشارت الاتفاقيات، حول العلامات التجارية وتسجيلها وتسوية حسابات جهات أخرى لدى كل طرف كالشركات، بالإضافة لوضع عوائق أمام التجارة وعدم إعادة النظر في الكميات المستوردة من خلال القوائم السلعية الثلاث والتي بقيت مقدرة على استهلاك الفلسطينيين وقت توقيع الاتفاقية والذي كان غير دقيق بحكم غياب الإحصائيات في حينه. أضاف حليلة أنه يجب أن يكون لدينا ميناء بري في جنين وميناء بري في الخليل تصل إليه البضاعة المستوردة إلى الأراضي الفلسطينية بدل من مكوثها في ميناء حيفا أو أشدود ويحاسب عليها الجمارك الفلسطينية وانتهاء ذلك يخلصنا من مشكلة المقاصة، وأخيرا القوائم السلعية (أ وب) وضعت نصاً يسمح لفلسطين بتبادل تجاري مع الدول العربية والإسلامية ووافقت عليه إسرائيل لكننا لم نحدثها أو نعدلها. اقترح حليلة مبادرة فلسطينية لعقد لجنة تجارة حرة مع الدول العربية والإسلامية، وخاصة تلك التي لها علاقة تجارية مع إسرائيل، من أجل دراسة إمكانية الاستيراد منهم حسب القوائم والاستفادة من الضغط من قبلهم بحكم مصالحهم في تصدير منتجاتهم إلى فلسطين.
من جانبه أضاف عزمي عبد الرحمن، مدير عام السياسات والدراسات الاقتصادية في وزارة الاقتصاد أن تحديد معنى الانفكاك الاقتصادي من شأنه فرز متطلبات مختلفة بناء على المقصود. فهل المقصود من الانفكاك، رفض ما جاء في اتفاق باريس والتمرد عليها؟ التعايش مع ما جاء في اتفاق باريس مع استغلال الهوامش المتاحة؟ تعديل بنود بروتوكول باريس لنكون جاهزين لما هو قادم؟ أما عن الانضمام لمنظمة التجارة الدولية فقد أشار إلى أن طلب الانضمام إلى المنظمة درس عام 2014 بحضور جميع الشركاء وأحيل الملف الخاص بتقديم طلب الانضمام إلى الرئاسة الفلسطينية دون معرفة ما جرى لاحقاً.
أضاف عبد الرحمن أن من أساسيات الانفكاك التدريجي عن بروتوكول باريس والعلاقات الاقتصادية الحالية، إيجاد سياسات موازية لدعم المنتج المحلي وتقوية أسس الاقتصاد الفلسطيني، فتوسيع القوائم (أ، وب) غير كافي لسد الاحتياجات الفلسطينية، وقد لا تشكل بديل ممكن نظراً لارتفاع سعرها في الأسواق العالمية عن سعرها في إسرائيل. كما أشار عبد الرحمن إلى أهمية تشكيل لجنة اقتصادية فنية وطنية مشتركة للنظر بسد الثغرات المقرة في الاتفاق حالياً، على أن تعمل كمظلة وطنية لهذا الغرض.
أضاف أن التعايش مع بروتوكول باريس كإحدى الخيارات، يحيلنا إلى عدة أمور يمكن عملها منها؛ توسيع القوائم (أ وب) باجتماع اللجنة الاقتصادية والفنية المشتركة والتي تحوي قوائم لم تعد مستخدمة في السوق الفلسطيني. من البنود غير المستغلة كذلك موضوع النفط والذي أدركته الحكومة الحالية وتوجهت باتجاه العراق ودول أخرى لإيجاد مصادر نفط بديل عن النفط الإسرائيلي، كما أن الضرائب على الشركات العاملة في المناطق "ج" يجب أن يعود إلى الخزينة الفلسطينية الشيء الذي يمكن استغلاله في ظل وجود اتفاق باريس. كما لا يمنع الاتفاق استخدام الموانئ الأردنية كبديل عن الموانئ الإسرائيلية، مما قد يساهم في الابتعاد عن التعقيدات التي ترفع كلفة النقل بما يزيد عن النصف. وتطرق عبد الرحمن إلى بند السلع ذات الاستخدام المزدوج والتي لها تأثيرات على صعيد زيادة الناتج الفلسطيني ولا تزال إسرائيل تمنع استيرادها إلا من خلال تقديم أوراق كثيرة، بالإضافة إلى البناء على التفاهمات التي تمت في الآونة الأخيرة حول استلام السلطة ضرائب البلو مباشرة وليس من خلال المقاصة مما يقلل التبعية.
أما عن تعزيز الانفكاك في ظل الوضع الحالي، أشار عبد الرحمن إلى أهمية التركيز على المنتج الوطني وإعطاءه الأولوية كبديل عن المنتجات المستوردة بصورة عامة والإسرائيلي بصورة خاصة، فالانفكاك يبدأ من تطوير القطاعات الإنتاجية وترابط هذه القطاعات مع بعضها، وتوعية المستهلك الفلسطيني بأهمية التوجه نحو المنتج الوطني وعدم الاستخفاف بأهمية هذا الأمر.