الرئيسية » الاخبار الرئيسية »
 
07 تشرين الثاني 2021

كلفة المعيشة في فلسطين.. ما بعد كورونا ليس كما قبلها

 بوابة اقتصاد فلسطين

عندما داهمتنا جائحة كورونا دخل العام بأسره في أزمة اقتصادية قلّ نظيرها، شهدت معها القطاعات الإنتاجية توقفات مختلفة، وسجل الاقتصاد العالمي تراجعا ملحوظا. وفي فلسطين، لم يختلف الحال عن بقية دول العالم، إذ أضرت الجائحة وما رافقها من إجراءات وقائية بالعجلة الاقتصادية ما تسبب بانكماش اقتصادي وصلت نسبته إلى نحو 11.5 % أي أن الاقتصاد الوطني خسر في عام قرابة 2.5 مليار دولار.جاء ذلك في تقرير نشره الصحفي الاقتصادي أيهم أبو غوش على صفحات الحياة الجديدة.
التقرير كاملا:

حسب المنطق الاقتصادي فإنه في حالة الانكماش الاقتصادي فإن الاسعار عادة ما تشهد انخفاضات في ظل تراجع القدرات الشرائية وتراجع الطلب، وحاليا بعد أن عادت القطاعات الاقتصادية المختلفة للعمل تشير التوقعات إلى أن الاقتصاد الفلسطيني غالبا ما يسجل نموًّا مقارنة مع العام السابق، وفي حالة النمو غالبا ما تشهد الاسعار ارتفاعات، لكن المنطق الاقتصادي الفلسطيني لا يخضع بالكامل لهذه المعادلة، أي أن الأسعار لا تتأثر بنفس درجة النمو، والسبب بسيط، أن التضخم في فلسطين غالبا مستورد من الخارج ولا يتماشى مع حركة النمو الاقتصادي. فالاقتصاد الفلسطيني يعيش بين مطرقتين، الاول هي تأثره مباشرة بالاقتصاد الاسرائيلي كونه يقع ضمن غلاف جمركي مواحد، فالضرائب والجمارك على السلع وفق نظام تعرفة جمركي هو تقريبا نفسه مع هوامش بسيطة في بعض السلع، الأمر الذي يجعل الأسعار تتأثر بهذه الضرائب والجمارك ونسبتها، وهي غالبا تفرض بموجب تصورات اسرائيلية تخص الاقتصاد الاسرائيلي وليس الفلسطيني، فاسرائيل حينما تحدد نسبة معينة من الضرائب على اي سلعة يترافق ذلك بمعادلة مفادها: ضرائب عالية يترافق مع دخولات عالية، فدخل الاسرائيلي يصل إلى نحو 40 ألف دولار في السنة والناتج المحلي يصل إلى نحو 400 مليون دولار بالسنة أي أن دخل دولة الاحتلال ومواطنيها لم يتأثرا بقيمة الضرائب التي تذهب لموازنة الحكومة التي تصل الى نحو 180 مليار دولار سنويا.
أما في فلسطين، فالمعادلة وفق نظام التعرفة الجمركي مفادها: ضرائب عالية مقابل دخول متدنية، فمتوسط دخل الفلسطيني لا يزد عن 3300 دولار سنويا، كما ان الناتج المحلي يصل الى 16 مليار دولار. وللتوضيح أكثر، يمكن القول إن الاسرائيلي يصل دخله السنوي إلى قرابة 12 ضعف دخل الفلسطيني، وحجم الاقتصاد الاسرائيلي اكبر من الفلسطيني بحوالي 25 ضعفا، ومع ذلك يدفع الفرد هنا وهناك ضرائب وجمارك شبه متساوية.
وعودة إلى ما بعد جائحة كورونا، فإن المؤشرات الاقتصادية تفيد بأن غلاء المعيشة في فلسطين بات أعلى مما كان عليه الأمر قبل جائحة كورونا، إذ تشير احصائيات صادرة عن الجهاز المركزي للاحصاء وحصلت "الحياة الجديدة" عليها ان مؤشر غلاء المعيشة سجل في الفترة من (كانون الأول 2019) أي قبل أشهر قليلة من فرض إجراءات الطوارئ لمكافحة وباء كورونا إلى ايلول الماضي ارتفاعا نسبته 1.36%، اي أن كل 100 شيقل تشتري أغراضا من السوق تحتاج إلى 101.36 شيقل كي تشتري نفس الأغراض في هذه الفترة.
يشار إلى أن مؤشر غلاء المعيشة يقيس 14 مجموعة سلعية  لكل مجموعة وزن معين في المؤشر بناء على وزنها في سلة انفاق الاسرة، لذا فإن الوزن الأعلى يذهب إلى سلة المواد الغذائية والمواد المرطبة (وزنها 28%) والتي شهدت ارتفاعا خلال الفترة السابقة بنحو 2.88% اي ان كل 100 شيقل كانت تشتري اغراضا من المواد الغذائية قبل كورونا يلزمنا الآن إلى 102.88 شيقل كي نشتري نفس الأغراض في هذه الفترة.
كما أظهرت البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للاحصاء أن عدة مجموعات سلعية شهدت ارتفاعا خلال الفترة نفسها (كانون الاول 2019-ايلول 2021) إذ سجلت السلع والخدمات الترفيهية والثقافية ارتفاعا بنسبة 5.28%، والسكن ومستلزماته بنسبة 3.66%، والنقل والمواصلات بنسبة 1.02%، والتعليم بنسبة 0.31%، والتأمين والخدمات المالية بنسبة 1.28%، والمشروبات الكحولية والتبغ بنسبة 0.73%، والمفروشات والأثاث والسلع المنزلية بنسبة 1.73%، بينما شهدت بعض المجموعات السلعية انخفاضا مثل الأقمشة والملابس والأحذية بنسبة 2.92%، والخدمات الطبية بنسبة 0.57%، والاتصالات بنسبة 1.13%، وخدمات المطاعم والمقاهي والفنادق بنسبة 1.64%.
وفي غضون الارتفاع في مستوى المعيشة في فلسطين، يدرك المسؤولون في السلطة الوطنية أنهم استخدموا ما يملكونه من أوراق للحد من الغلاء، وذلك من خلال التوصل إلى اتفاق مع مستوردي السلع الأساسية  إلى عدم رفع الأسعار إلى حين استنفاد المخزون الحالي الذي تم شراؤه بأسعار قديمة، لكن هذه الخطوة قد يكون سقفها الزمني شهرين، بينما الخطوة الثانية هي تحمل الخزينة العامة لفارق سعر ارتفاع المحروقات هذا الشهر وهو الأمر الذي كلف الخزينة العامة 20 مليون شيقل، لكن هذا الخيار لن يطول غالبا بسبب المديونية العالية التي تعاني منها السلطة الوطنية.
ولذلك، ورغم أن الخطوات تضيق تدريجيا للحد من ارتفاع الأسعار محليا بسبب ارتفاعها عالميا، فإن المسؤولين في السلطة الوطنية بدأوا يفكرون بخطوات أخرى منها مخاطبة الدول المصدرة للسلع الأساسية باعفاء فلسطين من الضرائب، وكذلك دراسة اقتراح لتخفيض القيمة المضافة على بعض السلع إلى 15% بدلا من 16%.
لكن هذا الاقتراح كما يقول الخبير الاقتصادي د. نصر عبد الكريم لن يساهم في تخفيض أسعار المواد الأساسية لأن نسبة 1% لن تعادل قيمة الارتفاع الحقيقي لهذه السلع.
وأشار د. عبد الكريم أن الحل لدعم السلع الأساسية هو إعادة احتساب القيمة المضافة بناء على مجموعات سلعية لا أن تكون نسبتها  موحدة على كافة السلع كما هو عليه الأمر حاليا، مشيرا إلى ضرورة أن تكون قيمة الضريبة على سلع الأساسية أقل من سلع اخرى. وأضاف" بعض الدول بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية تعفي بعض السلع من الجمارك والضرائب كونها تلامس احتياجات الفئات محدودة الدخل"، منوها إلى أن المطلوب فلسطينيا هو اعتماد تصنيف ضريبي للسلع وفق الاحتياجات، بحيث تكون السلع الأكثر أهمية للمواطن وبخاصة محدودو الدخل منها السلع الأساسية ذات قيمة قليلة ضريبيا، وتلك الكمالية ذات تصنيف ضريبي مرتفع لإحداث التوازن في الايرادات.
 وأشار د. عبد الكريم إلى أن القيمة المضافة تحتسب على السلع بعد احتساب كافة المصاريف والضرائب والرسوم، ولذلك فإن سلعا مثل السيارات والدخان والوقود تكون قيمة الضريبة المضافة عليها عالية كون أنها تشتمل على انواع ضرائب وجمارك اخرى لذا تكون الحسبة النهائية للقيمة المضافة مرتفعة.
يذكر أن بروتوكول باريس الاقتصادي يتيح  للسلطة الوطنية جباية ضريبة القيمة المضافة (VAT) بنسبة واحدة على كل البضائع والخدمات المنتجة محلياً والواردات باستثناء بعض السلع وردت في قوائم مخصصة. ويحق للسلطة الوطنية ان تحدد نسبة القيمة المضافة أقل بنسبة 2 % كحد أقصى أقل من اسرائيل، وهي محددة حاليا بنسبة 16%، ويمكن خفضها بموجب الاتفاق إلى 15% إذا رغب الجانب الفلسطيني بذلك.
وفي هذا السياق، فإن أي تصنيف جديد لقيمة الضريبة المضافة يلزمه اتفاق مع الجانب الاسرائيلي لتنفيذه.
وحصلت "الحياة الجديدة" على مسودة قانون جديد لضريبة القيمة المضافة أعدته وزارة المالية والتخطيط ، وهو ما زال في طور النقاش بين الوزارة من جهة وعدة مؤسسات اقتصادية ومجتمعية من جهة ثانية.
وتأخذ مسودة القانون التي يجري النقاش عليها في الحسبان ضرورة تصنيف السلع على نسب ضريبية مختلفة وليس التعامل معها بنسبة واحدة كما هو معمول بموجبه حاليا. وفي حالة اقرار مسودة القانون فإننا سنكون امام كسر قاعدة "الغلاف الجمركي الموحد" أي أن فلسطين ستمتلك فرصة لاعتماد نظام ضريبي على السلع المستوردة الأمر الذي ينسجم مع الحالة الفلسطينية ومستويات دخل المواطنين فيها خلافا للنظام المعمول به حاليا ويتناسب فقط مع المصلحة الاسرائيلية.