الرئيسية » أقلام اقتصادية »
 
27 شباط 2023

أَيْنَ نَحْنُ مِنْ اَلْعَدَالَةِ اَلِاجْتِمَاعِيَّةِ؟

بقلم: مؤيد عفانة
باحث في قضايا الموازنة العامة

بوابة اقتصاد فلسطين

أَحْيا العالم منذ أيامٍ خلت "اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية"، والعدالة الاجتماعية؛ نظام اجتماعي اقتصادي مُركّب، هدفه إنفاذ العدل بين طبقات المجتمع الواحد، لدرء مخاطر الصراع الطبقي، والشرائحي، والمناطقي، وتحقيق منظومة مجتمعية عادلة؛ يتمتع فيها أفراد المجتمع كافّة بتوزيع عادل للموارد، وتوفير الحقوق الأساسية لكل مواطن، واحقاق مبدأ تكافؤ الفرص.

علما أن منظومة "العَوْلَمَة" العالمية، واتجاهاتها المختلفة، ومنظماتها الأُممية، رغم خطابها المستجيب ظاهريا لقضايا العدالة الاجتماعية، إلا أنها تؤمن بـ «النيوليبرالية» وتطبقها، وهي فكر أيديولوجي مبني على الليبرالية الاقتصادية، تتمثل بتأييد الرأسمالية المطلقة وعدم تدخل الدولة في الاقتصاد، حيث يشير مفهوم «النيوليبرالية» إلى تبني سياسات اقتصادية تقلل من دور الدولة وتزيد من دور القطاع الخاص في الاقتصاد، الأمر الذي يتنافى ومفهوم العدالة الاجتماعية، والذي يتطلب بالضرورة تدخلات من الدولة في الاقتصاد لصالح إنفاذ العدالة الاجتماعية، بما يضمن حقوق الفئات المهمشة والضعيفة.

والسؤال الهام في اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية، أَيْنَ نَحْنُ فِي فِلَسْطِينَ مِنْها؟ ولن أقدّم إجابة مباشرة للسؤال، ولكن سنصل إلى إجابة السؤال من خلال استعراض مختصر لمؤشرات عدّة، ومحاور اجتماعية-اقتصادية مرتبطة بالعدالة الاجتماعية، وعلى رأسها نسبة الفقر في فلسطين، فتبعا للبيانات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني فقد بلغت نسبة الفقر في فلسطين (29.2%)، 13.9% في الضفة الغربية و53.0% في قطاع غزة. كما أن (16.8%) من الفلسطينيين يعانون من الفقر الشديد (المدقع) 5.8% في الضفة الغربية و33.8% في قطاع غزة. ومن المعلوم أن الفقر يتنافى والعدالة الاجتماعية، ومع حقوق الإنسان الأخرى، كما يعتبر الفقر سبباً رئيساً لانتهاكات حقوق الإنسان، فالفقراء، مجبرون للعمل في بيئات غير آمنة، وغير صحية، تبعا للعوز والحاجة، كما أن الانتهاكات بشتى أنواعها، تزداد باستغلال حالة الفقر.

أما المؤشر الثاني، فهو مدى وجود قانون وطني للضمان الاجتماعي في فلسطين، والحديث هنا ليس عن ترف فكري، وإنما عن ضرورة مُلَحة لإنفاذ العدالة الاجتماعية، فبدون القانون، ومنظومة ضمان اجتماعي، ستبقى مئات آلاف الأسر الفلسطينية، خاصّة التي يُعيلها عمال، أو أصحاب مهن حرة بسيطة، بدون غطاء مالي- اجتماعي في حالات هرم رب الأسرة، أو فقدانه عمله، أو اصابته، أو وفاته، فلا يُعقل أن تبقى فلسطين دون منظومة ضمان اجتماعي، الأمر الذي يتنافى والعدالة الاجتماعية، ويدفع ثمن ذلك الفئات الفقيرة والمهمشة.

أما المؤشر الثالث، فهو النظام الضريبي الفلسطيني، وهو نظام يتكون من الضرائب المباشرة، والضرائب غير المباشرة، فالضرائب المباشرة مثل الدخل، والأملاك، هي ضرائب "عادلة نسبيا" كونها تُجبى من المكلفين تبعا لمستوى دخلهم، وما يملكونه من أملاك. أمّا الضرائب غير المباشرة، فهي ضرائب (عمياء غير عادلة) تفرض على أنشطة الاستهلاك والإنتاج والاستيراد، ومنها: ضريبة القيمة المضافة، ضريبة المحروقات، الرسوم الجمركية والمكوس، وتِبعاً لبيانات وزارة المالية الفلسطينية في العام 2022، فإن الضرائب المباشرة شكلّت فقط (8%) من اجمالي الإيرادات الضريبية في فلسطين، في حين أن نسبة الضرائب غير المباشرة، والتي يتم تحمليها على المستهلك، بلغت (92%) من إجمالي الإيرادات الضريبية، وبالتالي فإن الضرائب (العمياء)، والتي يتحملها المستهلكين، وبما فيهم الفقراء، تشكّل الغالبية العظمى من الإيرادات الضريبية، الأمر الذي يتنافى والعدالة الاجتماعية.

كذلك فأن النظام الضريبي الفلسطيني الخاص بضريبة الدخل يفتقد للتصاعدية، ولا يتكون سوى من شرائح ضريبية محدودة، الأمر الذي يعني أن أصحاب الثروات لا يساهمون في ضريبة الدخل إلا بمقدار محدود، على خلاف العديد من دول العالم بما فيها حتى الدول الرأسمالية، وكذا الأمر في نظام ضريبة القيمة المضافة، والذي يفتقد لمبدأ التدرج في الضريبية تبعا لطبيعة السلع والخدمات، فنسبة تلك الضريبة ثابتة على كل السلع والخدمات، فالفقير مجبر أن يدفع على مشترباته الأساسية، ذات نسبة الضريبة التي يدفعها الغني على مشترياته الكمالية، دون أي تمييز إيجابي لسلع الفقراء الضرورية، على خلاف العديد من دول العالم، ومنها دول الجوار، والتي تفرض ضريبة قيمة مضافة متدرجة تبعا للسلعة ومدى ضرورتها، فالسع الضرورية في تلك الدول تنخفض ضريبتها لتصل إلى الصفر أو نسب متدنية جدا، للمساهمة في انفاذ العدالة الاجتماعية.

المؤشرات كُثر، ومنها علاوة على ما ذكر، متوسطات الأجور، وشمول ذوي الإعاقة في المجتمع، وتكافؤ الفرص، وغيرها، ولكن المقام لا يتسع وسردها جميعاً في هذا المقال، وما تم سرده كافي للدلالة على أن هناك فجوة في العدالة الاجتماعية في فلسطين، لها تبعات اجتماعية، اقتصادية، نفسية، ثقافية خطيرة، ما لم يتم العمل على ردم الفجوة، وَرَتْقُهَا قَبْلَ أَنْ يَتَّسِعَ اَلْخَرْقُ عَلَى اَلرَّاتَقْ ، فتكلفة ردم الفجوة الآن أقل تكلفة بكثير من اتساعها مع الزمن، فالعلاقة ما بين العدالة الاجتماعية والمواطنة، علاقة ارتباطية موجبة، وأي خلل في شعور المواطن بالعدالة الاجتماعية، قطعاً سينعكس سلباُ على شعوره بالمواطنة، وانتمائه لوطنه ومجتمعه، فالعدالة الاجتماعية هي العنصر الحاكم في الحفاظ على السلم الأهلي، وتماسك المجتمعات، ومنعها من الانزلاق في آتون الطبقية، والمناطقية، والإثنيات المختلفة، والتاريخ يشهد على معاناة الكثير من الدول والمجتمعات، قديما وحديثا، بسبب اختلالات العدالة الاجتماعية.

هل تتفق مع ما جاء في هذا المقال؟