الرئيسية » أقلام اقتصادية »
 
03 تموز 2024

الجامعات الفلسطينية وسوق العمل والتخصصات المكررة!

بقلم: د. عقل أبو قرع

 من يتتبع الاعلانات والحملات خلال هذه الايام، يلحظ ان هناك منافسة محتدمة بين الجامعات والكليات والمعاهد التعليمية المختلفة في بلادنا، وان هذه المؤسسات قد بدأت حملات مركزة لاستقطاب من سوف يجتاز امتحان التوجيهي،  ويتضح من المستوى المتدني أو المنخفض لمعدلات القبول التي أعلنت عنها في الماضي وتعلن عنها مؤسسات التعليم العالي في بلادنا، مدى التنافس الحاد لاستقطاب الطلاب، وبالتالي الاستحواذ على اكبر عدد ممكن من الطلبة والطالبات اللواتي يشكلن اكثر من ثلثي مجموع الطلبة، وبالتالي الحصول على أقساط التعليم التي تجبيها منهم ومنهن، التي يدفعونها، وبدون ايلاء الكثير الى نوعية أو جودة التعليم، أو طبيعة التخصص الذي يحتاجه سوق العمل في بلادنا.

وأصبح واضحا أن هذه الأقساط ورغم التراجع في مستوى ونوعية التعليم العالي عندنا، ورغم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية، ترتفع بشكل منتظم ومتواصل، وأصبح من غير المألوف بدء السنة الدراسية الجديدة في الجامعات الفلسطينية بدون حدوث أشكال او عدم تفاهم وإضرابات والسبب هو رفع الاقساط، وفي أحيان عديدة يتم تعطيل الدراسة لفترات طويلة، وحتى تحدث مواجهات بين الطلبة وإدارات الجامعات ويتم اغلاقها، التي باتت وبشكل اساسي تعتمد في بقائها على الأقساط التي يتم جبايتها من الطلبة.
وفي نفس الوقت وفي هذه الايام يبتهج عشرات الالاف من الخريجين بمغادرة مقاعد الدراسة والانتهاء من حياة الجامعة أو الكلية والانطلاق الى واقع الحياه، حيث باشرت مؤسسات التعليم العالي الفلسطيني هذه الأيام، إجراءات التخرج من حملة الشهادات المختلفة وفي مختلف التخصصات، وبالطبع فأن من حق الخريجين أن يفرحوا بعد الانتهاء من التعب ومن المعاناة من كل الأنواع،  ولكن ومع الانتهاء من زخم الاحتفال، وبعد فترة من البحث يكتشف الخريجون، ما هي الإمكانيات والفرص وطبيعة احتياجات السوق وشحة امكانياته، و بدأوا يلمسون ويتعايشون مع البطالة ومع نسب البطالة المرتفعة والتي ترتفع بشكل سنوي مضطرد في بلادنا. 

ومعروف أن أحد الأهداف الرئيسية لمؤسسات التعليم العالي في العالم ومن المفترض ان يكون من ضمنها بلادنا، هو المساهمة في سد حاجة المجتمع وتغطية النواقص المختلفة، من خلال رفد القطاعات المختلفة، من قطاع عام وقطاع خاص وشركات ومؤسسات بالأيادي المتعلمة أو ألمدربة، من أجل البناء والتنمية والتقدم، وبالتالي من المفترض أن تتداخل فلسفة وأهداف التعليم العالي مع حاجات المجتمع من خلال قطاعاتها ألمختلفة، ويقوم المجتمع بدعم التعليم العالي ويقوم التعليم العالي برفد المجتمع بما يحتاجه من الأيدي المدربة المتعلمة، والتي من الممكن ان تكتسب مهارات الادارة والقيادة.

وبدون شك ان مؤسسات التعليم العالي الفلسطيني، بمستوى شهاداتها المختلفة، من دبلوم وبكالوريوس وماجستير وفي بعض التخصصات الدكتوراه، بالتخصصات المتشعبة التي تحويها، من علم الاجتماع الى الهندسة والصيدلة والطب والعلوم والآداب وحتى التربية، والتي نجدها مكررة في معظم الجامعات الفلسطينية، هي الجهة الرئيسية التي تتحمل المسؤولية عن تردي وانحدار هكذا وضع، من حيث ضعف التخطيط والإرشاد وعدم التركيز كأولوية على النوعية أو على مصلحة الطالب من خلال ربطها بحاجات المجتمع.
وحسب الأرقام المتوفرة، فان نسبة كبيرة من الخريجين وبالتالي من العاطلين عن العمل، هن من النساء الفلسطينيات، وهذا يوضح عمق المأساة التي تعيشها المرأة الفلسطينية المتعلمة، مع العلم ان نسبة الطالبات الخريجات في معظم الجامعات الفلسطينية تتجاوز ال 65%، ولكن نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل في بلادنا، ما زالت لا تتعدى نسبة ال 18% فقط، ولا أدري كم تبلغ هذه النسبة عند الخريجات من مؤسسات التعليم العالي فقط، او من تخصصات مكررة في غالبية الجامعات في بلادنا.

ومع احتداد حملات التنافس الحاد الشرس بين مؤسسات التعليم العالي في بلادنا على الطلبة وبالتالي على الاقساط، وفي خضم الارتفاع المتواصل في تكاليف التعليم العالي، أليس بالأحرى بالجامعات الفلسطينية ان تضع خطط استراتيجية للاستثمار وإنشاء صناديق استثمارية خاصة بها تحقق عائد مالي يساهم في سد عجزها المالي، وأليس بالأحرى كذلك بناء علاقات وروابط مع القطاع الخاص الفلسطيني، علاقات تحقق فائدة مشتركة للطرفين وتربط التخصصات والخريجين مع أسواق العمل في بلادنا والقطاع الخاص هو المشغل الأهم لها، واليس بالأحرى كذلك ترشيد النفقات وحتى إغلاق تخصصات أصبح وجودها عبئا ماليا واجتماعيا، وأصبحت نسب البطالة من خريجيها تزيد عن ال 80% وبشكل تراكمي مع استثمار فيها عديم الجدوى للخريج وللمجتمع.

هل تتفق مع ما جاء في هذا المقال؟