الرئيسية » أقلام اقتصادية » الاخبار الرئيسية »
 
06 تموز 2024

كيف أسكت أثرياء مرتبطون بإسرائيل الاحتجاجات في الجامعات الأميركية؟

 آلان ماكلويد / ترجمةنيڤين حشيشو

اشتعلت الاحتجاجات الطالبية في الجامعات الأميركية ضد الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزّة وتواطؤ تلك الجامعات معها. وقوبلت هذه الاحتجاجات بحملات قمع واسعة، تمّ اعتقال آلاف الطلاب وتوقيفهم وتغريمهم وسحب شهاداتهم وحتّى طردهم، كما انتشرت قوى مكافحة الشغب، بآلياتها المدرّعة وقنّاصيها، في مختلف أنحاء البلاد لإرهاب المحتجّين وإسكات تحرّكاتهم وإنهائها.

لماذا قوبلت تحرّكات سلمية ضد ممارسات دولة أجنبية خارج الولايات المتحدة بهذا الكم من العنف؟

كشف تحقيقٍ أجراه فريق MintPress عن تورّط هذه الجامعات، المُصنّفة «مؤسسات النخبة» في المجتمع الأميركي، بعلاقات مالية وأيديولوجية عميقة مع دولة إسرائيل. بعضها يحصل على تمويل من أصحاب المليارات في العالم الداعمين لإسرائيل، الذين طالبوا صراحة بقمع التحرّكات الطالبية، وبعضها يموّل مباشرة من الحكومة الإسرائيلية. عدا عن أنّ هذه الجامعات تدور في فلك تصفه واشنطن بأنه غير متسامح مع هكذا تحرّكات. 

أصحاب المليارات الداعمين لإسرائيل

بدأ الحراك الطالبي في 17 نيسان/أبريل 2024، في جامعة كولومبيا، حيث أنشئ مخيّم تضامني مع غزة داخل حرم الجامعة. لم يتوقّع المعتصمون الترحيب بهذه الخطوة، لكن لم يكن في الحسبان أن تقوم رئيسة الجامعة نعمت شفيق بإدخال شرطة نيويورك إلى داخل الحرم لفكّ الاعتصام بالقوة، كخطوة غير مسبوقة في تاريخ الجامعة، ولم تحصل إلّا من 56 سنة في العام 1968 عندما تدخّلت الشرطة لفض الاحتجاجات المناهضة للحرب على فيتنام.

لا شك أنّ خطوة شفيق أتت استجابة للضغوط الكبيرة التي تعرّضت لها من كبار مموّلي الجامعة الذين تربطهم علاقات وثيقة مع إسرائيل وجيشها. فمن هم هؤلاء؟ 

«لن أوظفكم إن كنتم ضد السود. لن أوظفكم إن كنتم ضد المثلية الجنسية. لن أوظفكم إن كنتم ضد أي شيء، فلماذا أوظفكم إن كنتم معادين للسامية؟»

روبرت كرافت: أعلن رجل الأعمال والملياردير والنافذ في مجال كرة القدم، روبرت كرافت، عن وقف التمويل «السخي» عن الجامعة نتيجة فشلها في قمع المعتصمين. وقال «أنا حزين جداً للكراهية المستمرة في النمو في حرم الجامعة وفي البلاد»، معتبراً أنّ جامعة كولومبيا لم تحمِ الطلاب اليهود بشكل كاف. 

وكرافت هو أحد أكبر المتبرّعين لجامعة كولومبيا بمبالغ تصل إلى ملايين الدولارات. خصّص مبلغ 3 ملايين دولار لتمويل «مركز كرافت للحياة الطالبية اليهودية». تربط كرافت علاقات وطيدة مع إسرائيل، إذ زارها أكثر من مئة مرة، وقال عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مرّة «ليس لدى إسرائيل صديق وفيّ أكثر من روبرت كرافت».

ونتنياهو محقّ فيما قال. لأن كرافت متبرّع أساسي للوبي الإسرائيلي، ويتبرّع بالملايين لجماعات إسرائيلية منها «لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية» (AIPAC)، و«المشروع الإسرائيلي» (The Israel Project) و«قِف معنا» (StandWithUs). كما تعهّد بتخصيص مبلغ 100 مليون دولار في مؤسسته لبرامج محاربة معاداة السامية. ودعم (مرشّحين) سياسيين داعمين لإسرائيل في سباقهم بوجه التقدّميين ومناهضي الحروب، وبحسب تحقيقات MintPress فهو يؤدّي دوراً جوهرياً في تبييض صورة إسرائيل في أميركا. 

ليون كوبرمان: ملياردير آخر يسحب تمويله من جامعة كولومبيا. علّق مدير صندوق التحوّط في مؤسّسات كوبرمان التبرّعات في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، عازياً السبب إلى دعم طلاب الجامعة لفلسطين. وصرّح غاضباً «هؤلاء الأطفال مجانين، هم لا يفهمون ما يفعلون وما يقولون»، وأضاف «يجب أن يتم ضبطهم». حتّى أنّ كوبرمان طالب إدارة الجامعة بطرد أستاذ السياسة وتاريخ الفكر العربي الحديث جوزيف مسعد نظراً لمواقفه الداعمة لفلسطين. ولكوبرمان تأثير كبير على جامعة كولومبيا خصوصاً أنه أحد أهم مصادر التمويل الرئيسة لها. ففي العام 2012، تبرّع بمبلغ 25 مليون دولار للمساهمة في بناء حرم الجامعة الجديد في مانهاتن فيل. 

بيد أنّ جامعة كولومبيا ليست المؤسّسة الوحيدة التي تتلقّى دعماً مالياً هائلاً من كوبرمان. فهو أيضاً متبرّع دائم لمنظّمة «أصدقاء الجيش الإسرائيلي» (FIDF)، وهي منظمة تجمع الأموال لشراء اللوازم والمعدّات والإمدادات للجنود الإسرائيليين الذين هم في الخدمة الفعلية. كما كان الشخص الأول الذي قدّم تبرّعاً لمنظّمة Birthright Israel، التي تسيّر رحلات مجانية دعائية إلى إسرائيل للشباب اليهودي. 

لين بلافاتنيك: ملياردير ثالث داعم لجامعة كولومبيا ويستخدم نفوذه المالي للضغط على الجامعة، إنه الأوليغارشي المولود في الاتحاد السوفياتي لين بلافاتنيك، الذي طالب الجامعة بأن تحاسب المعتصمين. 

وكان بلافاتنيك عضواً في مجموعة واتساب سرية، تمّ إنشاؤها في تشرين الأول/أكتوبر 2023، ضمّت العديد من الشخصيات الأميركية البارزة، بالإضافة إلى رؤساء الوزراء السابقين نفتالي بينيت وبني غانتس، وكذلك سفير إسرائيل في الولايات المتحدة الأميركية مايكل هيرتسوغ. مهمّة هذه المجموعة بحسب كلمات بلافاتنيك «تغيير الرواية» لمصلحة إسرائيل و«المساعدة في ربح الحرب» لدى الرأي العام الأميركي. كما قامت هذه المجموعة بالتبرّع لمرشّحين داعمين لإسرائيل ودفعت بمشاهير سود أمثال أليشيا كيز، جاي-زي وليبرون جيمس لأن يدينوا علناً «معاداة السامية» في الحراكات الطالبية، في محاولة لصبغ المعتصمين بالعنصرية.

كما يموّل بلافاتنيك منظمة Birthright Israel و«أصدقاء المملكة المتّحدة لجمعية رفاهية الجنود الإسرائيليين»، وموّل ما لا يقل عن 120 منحة دراسية لجنود سابقين في الجيش الإسرائيلي. ويُقدّر مجموع تبرّعات كرافت وكوبرمان وبلافاتنيك سوياً لجامعة كولومبيا بنحو 100 مليون دولار. 

أيدان أوفير: توسّعت الاعتصامات وانتقلت من جامعة كولومبيا إلى غيرها من المؤسسات المرموقة في البلاد، بما فيها جامعة هارفارد. منذ البداية استعملت جامعة هارفارد العنف تجاه حركات الاحتجاجات، وعمدت إلى تعليق حضور عشرات المعتصمين كما ومنعهم من التخرّج. أمّا أسباب هذا العنف فيرجع في جزء كبير منه إلى سحب كبار المتبرّعين أموالهم من الجامعة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر. على رأس هؤلاء الإسرائيلي أيدان أوفير، الرائد في أعمال الشحن، الذي أشار إلى «غياب وجود دليل واضح على دعم قيادة الجامعة لشعب إسرائيل»، وأبدى خوفه من أن لا تدين كلية ماساتشوستس حماس كما يكفي. 

يؤدّي أوفير دوراً جوهرياً في المخابرات الإسرائيلية. وكما كانت تحقيقات MintPress قد كشفت، فإنّ شركة الشحن Zodiac Maritime التي تملكها عائلته تُستخدم بانتظام لنقل قوات الكوماندوز الإسرائيلية، بشكل سري، في منطقة حوض المتوسط لتنفيذ عمليات اغتيال. من ضمن هذه العمليات، اغتيال القيادي في حركة حماس محمود المبحوح في دبي والقيادي في حركة فتح خليل الوزير في تونس.

ليزلي ويكسنر: ملياردير آخر، «مذهول ومنزعج» من حجم الدعم لحركة حماس في جامعة هارفارد، هو المدير التنفيذي السابق لشركة فيكتوريا سيكريت، ليزلي ويكسنر. إلى جانب علاقته القريبة بجيفري ابستين المتّهم بإدارة شبكات دعارة واتجار بالأطفال، فإنّ ويكسنر متبرّع أساسي للقضايا الإسرائيلية. في قائمة العام 2007 للمانحين السياسيين الداعمين لبنيامين نتنياهو، كان ويكسنر من أبرز المتبرّعين على القائمة إلى جانب شقيق أوفير، وبلافاتنيك ودونالد ترامب. كما تبرّع ويكسنر في العام 2023 بمبلغ من 6 أرقام لِلجنة الشؤون العامة الإسرائيلية (AIPAC)، المنظّمة التي تدعم إسرائيل في السياسة الأميركية. 

مارك روان: فاقت أعمال القمع التي قامت بها جامعة بنسلفانيا مجمل ما قامت به الجامعات الأخرى،  حيث قاد مارك روان حملات «قمع للمشاعر» المؤيّدة لفلسطين في حرم الجامعة. وقد نادى الملياردير، المستثمر في جامعة بنسلفانيا، بأن يدفع الطلاب المتضامنون مع فلسطين ثمن مواقفهم. وقال: «هؤلاء الأطفال الذي يشاركون في المسيرات، لا يهتمّون بشيءٍ حيث أنهم لم يدفعوا ثمن أفعالهم»، كما دعا إلى منعهم عن العمل: «لن أوظفكم إن كنتم ضد السود. لن أوظفكم إن كنتم ضد المثلية الجنسية. لن أوظفكم إن كنتم ضد أي شيء، فلماذا أوظفكم إن كنتم معادين للسامية؟»، وهو حاول بهذا التصريح الخلط بين معاداة السامية وانتقاد الحكومة الإسرائيلية. 

كان روان معارضاً قوياً لاستضافة جامعة بنسلفانيا مهرجان الأدب الفلسطيني في العام 2023، وطالب على إثر ذلك أن يتمّ طرد رئيسة الجامعة ليز ماكغيل وعضو مجلس الجامعة سكوت بوك. وقد نحج روان مع حلفائه فيما بعد بإجبارهما على ترك وظيفتهما بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر. 

لدى روان تأثير هائل في جامعة بنسلفانيا، وذلك يعود بشكل أساسي للتمويل الكبير الذي يقدّمه للجامعة. ففي العام 2018 على سبيل المثال، تبرّع بمبلغ 50 مليون دولار لكلية وارتون للأعمال، لكن وعلى غرار كبار المتموّلين في جامعات هارفارد وكولومبيا، هذا التبرّع ليس محايداً في قضايا إسرائيل وفلسطين، إذ يملك روان مصالح كبيرة في إسرائيل، ويعتبر نفسه «صاحب التزام في بناء البلاد (...) ويمتثل بما يقوم به الجيش الإسرائيلي».

ساعد روان، إلى جانب أثرياء آخرين مثال جوناثان جاكوبسن ورونالد لودير، بتنظيم إضراب تمويلي على الجامعة إلى حين تنفيذ مطالبهم (بمحاسبة المعترضين وجعلهم يدفعون الثمن). علماً أنّ جاكوبسن، الذي اعتبر أنّ الجامعة ترفض الالتزام بالقيم الأميركية، يشغل منصب رئيس معهد دراسات الأمن الوطني، وهو مركز دراسات إسرائيلي يديره الآن الرئيس السابق للمخابرات في الجيش الإسرائيلي عاموس يادلين. ومن غير المفاجئ أن يكون لهذا الرجل تاريخ طويل من حملات التبرّع للجماعات المؤيّدة لإسرائيل في الولايات المتحدة. 

أمّا لودير، الأكثر امتناناً للمؤسسة الإسرائيلية من جاكوبسن، فهو داعم وفي لنتنياهو، وعُيّن مفاوضاً عن إسرائيل مع الحكومة السورية في العام 1998. وشكّل وجوده في إحدى مسيرات القدس في مناطق دينية إلى جانب متطرّفين (يهود) في العام 2001 إلى مقاطعة المسلمين للعلامة التجارية «ايستي لودير».

مساهمات أكاديمية

تقيم الجامعات الأميركية المرموقة علاقات أكاديمية وتتبادل المصالح مع إسرائيل. فقد أعلنت جامعة كولومبيا، على سبيل المثال، في العام الماضي نيّتها افتتاح «مركز عالمي» في تل أبيب، ليكون مركز أبحاث محوري في المنطقة للأكاديميين والطلاب، ما من شأنه أن يوسّع تعاملات الجامعة مع إسرائيل ويتيح للطلاب الاستحصال على شهادة مشتركة مع جامعة تل أبيب أو الدراسة في القدس. مع الإضاءة على أنّ هكذا حراك علمي لا يستفيد منه إلّا الإسرائيلي، إذ يُمنع على الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة من الدخول إلى إسرائيل. 

مخطّط «المركز العالمي» تسبّب بحملة انتقادات واسعة من أعضاء كلية كولومبيا، حيث وقّع ما يقارب الـ 100 شخص على رسالة تطالب بإعادة النظر بالقرار نظراً لتاريخ إسرائيل في مجال حقوق الإنسان. يأتي هذا في وقت قامت فيه إسرائيل بمنع العديد من الأكاديميين من جامعة كولومبيا من دخول إسرائيل بسبب مواقفهم السياسية. منهم رشيد الخالدي، وإدوارد سعيد أستاذ الأدب العربي الحديث، وكاثرين فرانك أستاذة القانون التي تمّ توقيفها واستجوابها من قبل السلطات الإسرائيلية لمدة 14 ساعة قبل ترحيلها من البلاد.

لا يأتي تعاون جامعة كولومبيا مع إسرائيل خارج السياق العام، إذ قامت جامعت كورنيل في العام 2003 بالتعاون مع الصندوق الثنائي الأميركي-الإسرائيلي للبحث والتطوير الزراعي بوضع برنامج للأبحاث الزراعية المشتركة. وفي العام 2014، أعلنت كلية وودرو ويلسون للشؤون العامة والدولية في جامعة برينستون عن برنامج مشترك مع كلية لودير للحكم والدبلوماسية والاستراتيجية في جامعة هرزيليا في إسرائيل. كما وقّعت جامعة كاليفورنيا مذكّرة تفاهم مع الهيئة الوطنية للابتكار التكنولوجي في إسرائيل لتفعيل التعاون بين الطرفين. 

وعلى الرغم من الحملات الداعية إلى مقاطعة أكاديمية للمؤسسات الإسرائيلية، إلّا أنّ التعاون الفكري بين الأكاديميين الأميركيين والإسرائيليين آخذُ في الازدياد. بين عامي 2006 و2015، ارتفع عدد المقالات المنشورة في المجلّات الأكاديمية التي قام بها باحثون منتسبين إلى الجامعات الأميركية والإسرائيلية بنحو 45%.

يدور هذا التعاون بشكل أساسي في فلك المؤسسات المرموقة في الولايات المتحدة الأميركية، على رأسها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، الذي أصدر بين عامي 2006 و2015 نحو 1,835 منشوراً مشتركاً مع باحثين من معاهد إسرائيلية. يلي معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، بالتتابع، جامعة كاليفورنيا، بيركلي، كولومبيا، هارفارد وستانفورد. وقد تركّزت معظم الأبحاث في مجالات الطب، الفيزياء وعلم الفلك، الكيمياء الحيوية والبيولوجيا. وكانت جامعة تل أبيب أكثر مؤسسة إسرائيلية مشاركة في هذه الأعمال المشتركة.  

مدفوع من إسرائيل

ما هو أكثر إثارة للجدل من التعاون الأكاديمي، هو التمويل المباشر من الحكومة الإسرائيلية للمؤسسات التعليمية الأميركية. معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا على سبيل المثال مغمور بالأموال الإسرائيلية. وأبلغت مجموعة «علماء ضد الإبادة» في المعهد عن أنّ الجامعة تلقت منذ العام 2015 ما يزيد عن 11 مليون دولار من وزارة الدفاع الإسرائيلية لتمويل أبحاث محدّدة. توزّعت هذه الأموال على أقسام متعددة في الجامعة منها الهندسة الكهربائية، علوم الكومبيوتر، الهندسة البيولوجية، الفيزياء، الملاحة الجوية والفضائية، علم وهندسة المواد والهندسة المدنية والبيئية. 

كما يتلقّى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أموالاً من الحكومة الإسرائيلية لدعم مختبرات ومراكز أبحاث منها مختبر نظم المعلومات واتخاذ القرار، مختبر علوم الكومبيوتر والذكاء الاصطناعي ومختبر أبحاث الإلكترونيات. 

تُستثمر هذه الأموال في الأبحاث التي تخدم الجيش الإسرائيلي وتساعده في حملاته ضد المدنيين الفلسطينيين. على سبيل المثال، إحدى مشاريع معهد ماساتشوستس المموّل من إسرائيل في العام 2022 هو مشروع «أسراب الروبوتية المستقلة: التنسيق والإدراك الموزّع». وبحسب مجموعة «علماء ضد الإبادة»، ساهم هذا المشروع في تطوير قدرات الجيش الإسرائيلي على أن تقوم طائرات من دون طيار بالقصف الجوي، ومراقبة المتظاهرين، وإسقاط قنابل مسيّلة للدموع على الفلسطينيين. ومن المعروف أنّ إسرائيل تطوّر نظام أسراب من المسيّرات والطائرات من دون طيّار موجّهة بالذكاء الاصطناعي لتحديد الأهداف وتنفيذ ضربات جوية مباشرة والمساعدة في التقدّم العسكري. 

مشروع آخر موّلته وزارة الدفاع الإسرائيلية بنحو 1.5 مليون دولار لمعهد ماساتشوستس تحت عنوان «خوارزميات التخطيط والاستشعار للرصد المستمرّ تحت الماء»، يهدف إلى تطوير تكنولوجيات مراقبة البحر المتوسط. تعتبر مجموعة «علماء ضد الإبادة» أنّ هذه التكنولوجيا ساعدت إسرائيل في إطباق حصار بحري على قطاع غزة، ومكّننتها من استهداف قوارب الصيد لمنع سكان غزّة من تأمين قوتهم اليومي.

لطالما تحكّمت إسرائيل بكمية الغذاء المسموحة بالدخول إلى قطاع غزة، لتبقي على أهل القطاع في نظام غذائي تحدّده هي. غير أنّ الحرب المستمرة لسبعة شهور على القطاع المكتظّ بالسكان زادت من حدة أزمة الغذاء، ووصلت إلى مستويات خطيرة. وقد حذّرت الأمم المتحدة من أنّ حالات مجاعة تهدّد السكان، كما اعتبر المفوّض السامي لحقوق الإنسان أنّ إسرائيل تمارس جريمة حرب على أهل قطاع غزة عبر استعمال التجويع سلاحاً.

علاقات مع المجمّع الصناعي العسكري

كل هذه المعطيات تطرح ما إذا كانت جامعة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا مشاركة بشكل مباشر في الإبادة على غزة، غير أنّ هذه الجامعة إلى جانب مؤسسات أكاديمية مرموقة أخرى في الولايات المتحدة تخضع لضغوطات حكومية هائلة. حيث تمّ استدعاء رئيسة جامعة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، إلى جانب رئيسة جامعة هارفارد من قبل الكونغرس واستجوابهن لمزاعم عن دعم حماس وعدم الاهتمام لقضايا معاداة السامية، وهذا ساهم في أن تتصدّر مواضيع حراكات الجامعات كل وسائل الإعلام في البلاد. 

من المعلوم أنّ للولايات المتحدة الأميركية علاقات وطيدة مع إسرائيل، لا بل هي تشكّل بؤرتها الاستيطانية في منطقة الشرق الأوسط. من هنا نفهم استخدام واشنطن الدائم والمستمر لِحق الرفض الفيتو ضد مشاريع الأمم المتحدة من وقف إطلاق النار في غزة والحق في بناء الدولة الفلسطينية. 

تقدّم الولايات المتحدة الأميركية لتل أبيب ما يقارب الـ4 مليارات دولار سنوياً على شكل مساعدات عسكرية، وقد صوّت الكونغرس لصالح تقديم 17 مليار دولار إضافية من أموال دافعي الضرائب للدولة الإسرائيلية. وقد تراوحت الانتقادات لهذه المساعدات بين اعتبارها لا طائل منها في أحسن الأحوال إلى اعتبارها مشاركة في الإبادة. غير أنّ الرئيس بايدن كان قد صرّح أن كلّ قرش يتمّ إعطاؤه لإسرائيل إنما يذهب في الاتجاه الصحيح وأضاف أنّه لو لم تكن إسرائيل موجودة لكان على الولايات المتحدة أن تخلق واحدة. 

لا شكّ أنّ دعم الولايات المتحدة لإسرائيل يؤدّي دوراً سلبياً في سمعتها الدولية، فقد كشفت استطلاعات للرأي في منطقة جنوب شرق آسيا، أن الغالبية تفضّل الصين على الولايات المتحدة بسبب دعم الأخيرة المستمر لإسرائيل. 

كما حصلت استقالات لعدد من كبار موظفي الإدارة الأميركية لنفس الأسباب، فقد أعلنت ليلي غرينبيرغ، أول يهودية يعيّنها بايدن في إدارته، استقالتها بسبب مواقف الولايات المتحدة من غزة، إذ اعتبرت أن الولايات المتحدة قادرة على وقف إرسال السلاح لإسرائيل والضغط لوقف إطلاق نار دائم، لكن ما يحصل هو العكس، إذ تعترض واشنطن على كل قرارات الأمم المتحدة لوقف الحرب... الولايات المتحدة ساعدت إسرائيل في جرائم الحرب والفصل العنصري والاحتلال، هذا الوضع لا يحمي إسرائيل كما لا يحمي اليهود في العالم.

لا شكّ أنّ حركات الاحتجاج تختلف من جامعة إلى أخرى، إلا أنّ جميعها تشترك في الهدف، وهو الضغط على الجامعات لوقف الاستثمار مع إسرائيل والشركات التي تدعم الاحتلال المستمر. بعض الاحتجاجات في الجامعات طالبت بوقف العلاقات الأكاديمية مع الجامعات الإسرائيلية، بينما طالبت جامعات أخرى مثل جامعتي كورنيل ويال بوقف الاستثمار في شركات الأسلحة التي تسبب حمّام الدم القائم في غزة. 

ليست المرة الأولى التي تحصل احتجاجات في الجامعات الأميركية، إذ قامت مجموعة من المؤسسات الأميركية بقطع علاقات التعاون مع روسيا بشكل مباشر عقب اجتياح روسيا لأوكرانيا. كما أنّ العديد من التحرّكات الطلابية أجبرت بعض الجامعات الأميركية على قطع العلاقات المالية مع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. 

هناك تداخل وثيق بين إسرائيل وصناعة الأسلحة من جهة والاقتصاد الأميركي من جهة ثانية، إذ أنّ المضي في مقاطعة كبيرة لها (إسرائيل ومصانع الأسلحة) ستؤدّي إلى صعوبات في قطاع صناعة الأسلحة، خصوصاً مع العلاقات الكبيرة التي ترتبط بها كبرى جامعات الولايات المتحدة.

علماً أنّ معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا على سبيل المثال وقّع على اتفاقية طويلة المدى مع مجموعة من كبار مصانع الأسلحة منها شركة رايتون RTX، شركة لوكهيد مارتن وشركة بوينغ التي لديها ما يقارب الـ 9,000 متر مكعّب من مساحة المختبرات داخل حرم المبنى الجديد المتعدّد الاستعمالات في المعهد.

في الوقت الذي تشيطن فيه وسائل الإعلام في الولايات المتحدة حركة الطلاب الاحتجاجية وتصفها بالإرهابية، طالب 63.7% من الطلاب و70.5% من الخريجين بقطع كل العلاقات المالية والأبحاث الأكاديمية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا مع شركات الأسلحة الإسرائيلية، كما يؤيّد 3 من أصل 4 بالغين في أميركا (الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و44 سنة) حركات الاحتجاج القائمة في الجامعات. 

على الرغم من سلمية حركات الاحتجاج المنتشرة في الجامعات الأميركية، اختارت السلطات ممارسة العنف ضد الطلاب. لماذا لم تتحمّل لا الجامعات ولا الحكومة هذا المشهد التضامني ضد الإبادة؟ السبب الأساسي هو مجموعة المليارديرات الذين يدفقون بأموالهم على الجامعات، والتزامهم بالصهيونية وعلاقاتهم مع الدولة الإسرائيلية. فهل هذه المؤسسات الخيرية هي خيرية بالفعل. في واقع الأمر، هذه المؤسّسات المعفية من دفع الضرائب بسبب «الأعمال الخيرية»، لديها كل القوة للتدخّل في توجّهات المؤسسات التي تموّلها وهو ما يناقض مفاهيم الديمقراطية.

مواضيع ذات صلة