تراجع لافت في الدعم الخارجي للموازنة الفلسطينية منذ 2008... وحزمة أوروبية استثنائية تغيّر منحنى 2024 مؤقتًا
حسناء الرنتيسي- بوابة اقتصاد فلسطين
أظهرت بيانات رسمية أن الدعم الخارجي للموازنة العامة الفلسطينية بشقيه (دعم الخزينة ودعم المشاريع التطويرية) شهد انخفاضًا حادًا وتدريجيًا منذ عام 2008، وهو العام الذي سجل فيه أعلى مستوى تمويلي خارجي بقيمة قاربت 1.978 مليار شيكل.
ورغم التراجع المستمر، سجّل عام 2024 ارتفاعًا نسبيًا ليصل إلى 810.7 مليون شيكل، بفعل حزمة دعم أوروبية خاصة جاءت استجابة للكارثة الإنسانية الناتجة عن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
منحى تنازلي طويل منذ 2015
تشير الرسوم البيانية إلى أن دعم الموازنة العامة شكّل العمود الفقري للمنح الخارجية في العقد الأول من القرن، قبل أن يتراجع تدريجيًا بعد عام 2013، ويهبط بشكل حاد بعد 2015. أما دعم المشاريع التطويرية فبقي عند مستويات أقل بكثير، ولم يشهد ارتفاعات لافتة، مما يعكس ضعف الاستثمار في البنية التحتية والقطاعات الإنتاجية.
وتؤكد هذه الاتجاهات ما ورد في دراسة تحليلية بعنوان "فلسطين والتمويل الدولي المشروط"، أعدها كل من مؤيد عفانة، د. بدر زماعرة، د. عمر الأخرس، وبتعقيب من د. نصر عبد الكريم، والتي أشارت إلى أن التمويل الدولي لفلسطين، سواء للسلطة أو لمؤسسات المجتمع المدني، اتسم بالتذبذب وعدم الثبات، وارتبط بشكل مباشر بالمسارات السياسية وأجندات المانحين.
وأوضحت الدراسة أن التمويل الخارجي، رغم ضخامته في بعض المراحل، لم يسهم في خلق تنمية اقتصادية حقيقية، بل ساهم في تعزيز الاعتمادية والخلل البنيوي في الاقتصاد الفلسطيني، خاصة مع التراجع الحاد في التمويل منذ العام 2015، من الدول الأجنبية والعربية على حد سواء.
دعوة إلى تبني استراتيجية وطنية بديلة
وخلصت الدراسة إلى توصيات مركزية تتقاطع مع معطيات الواقع المالي، أبرزها:
تبني استراتيجية وطنية لإدارة التمويل المشروط.
تقليل الاعتماد على المساعدات وتعزيز الاقتصاد المحلي.
تحسين إدارة المساعدات وتعزيز الشفافية والمساءلة.
تعزيز التعاون الإقليمي والدولي كبديل للتمويل المشروط.
مراجعة السياسات المالية والتشريعات ذات الصلة لضمان التوازن بين الدعم الخارجي والاستقلالية الاقتصادية.
العام 2024: تحسن استثنائي لا يعكس تحوّلًا هيكليًا
يشير مراقبون إلى أن الارتفاع في دعم 2024 لا يعكس عودة المانحين إلى مسار دعم ثابت، بل هو انعكاس ظرفي لحزمة الدعم الأوروبية الخاصة. ويؤكدون أن الأرقام يجب أن تُقرأ في سياق سياسي – إنساني طارئ، لا كمؤشر لتعافٍ هيكلي في المنح الخارجية.
دعوة للتخطيط المالي بعيدًا عن المساعدات المشروطة
في ظل هذه المؤشرات، تتزايد الدعوات لإعادة النظر في نموذج تمويل الموازنة العامة، والاعتماد أكثر على تعزيز الإيرادات الذاتية، تنشيط الاستثمار المحلي، وتوسيع القاعدة الإنتاجية، إلى جانب تقليص الاعتمادية على التمويل الخارجي الذي أثبتت التحولات الدولية هشاشته وتقلبه الشديد أمام المتغيرات السياسية.