الرئيسية » آخر الأخبار » منوعات »
 
27 أيار 2025

"صناعة الشباب الدائم": كيف تحوّلت مكافحة الشيخوخة إلى سوق بمليارات الدولارات؟

بوابة اقتصاد فلسطين

في عالم تحكمه الثقافة البصرية وتتصدره منصات التواصل الاجتماعي، لم تعد محاولة إبطاء مظاهر التقدّم في العمر ترفًا شخصيًا أو خيارًا جماليًا، بل تحوّلت إلى معركة اقتصادية شرسة وصناعة عابرة للقارات.

من حقن البوتوكس والجراحات التجميلية المعقّدة، إلى الكريمات المضادة للشيخوخة والحميات الجينية، بات هوس "الاحتفاظ بالشباب" أحد أبرز محركات الإنفاق الفردي في القرن الحادي والعشرين. فبينما تتوارى التجاعيد تحت مشرط الجراح أو عبوة كريم، تزداد الأرباح في واحد من أسرع القطاعات نموًا عالميًا.

مظاهر الشيخوخة في مرمى السوق

في عصر تُقرأ فيه التجاعيد كرمز للضعف، ويُعدّ الشعر الرمادي مؤشرًا على التراجع، أصبح الشباب مقياسًا للتقدير والفرص. فالأشخاص الأصغر سنًا غالبًا ما يحظون بفرص عمل أفضل وثقة أعلى، حتى في مجالات لا تتعلق بالمظهر. هذه المعادلة الاجتماعية دفعت الملايين حول العالم إلى تخصيص جزء متزايد من دخلهم لتحسين صورتهم الشخصية، سواء على أرض الواقع أو عبر شاشات الهواتف.

صناعة بمليارات... والأرقام تتكلم

وفقًا للجمعية الدولية لجراحة التجميل، أُجريت أكثر من 30 مليون عملية تجميلية (جراحية وغير جراحية) حول العالم في عام 2022، بزيادة قدرها 19.3% عن العام الذي سبقه.

تصدرت الولايات المتحدة القائمة بنسبة 26.1% من العمليات عالميًا، تلتها البرازيل (8.9%)، ثم اليابان (5.7%)، والمكسيك (3.9%)، وألمانيا (3.7%).

أما العمليات الجراحية الأكثر شيوعًا، فاحتلت عمليات شفط الدهون الصدارة بنحو 2.3 مليون عملية، تلتها شد الجفون (1.5 مليون)، وتجميل الأنف (1.1 مليون)، وشد البطن (قرابة مليون عملية).

وفي الجانب غير الجراحي، جاءت حقن البوتوكس أولًا بأكثر من 9 ملايين حالة، تلتها الفيلرز بـ5 ملايين، إلى جانب انتشار واسع لتقنيات تقشير وتجديد البشرة بالليزر أو المواد الكيميائية.

سوق مكافحة الشيخوخة: نمو متصاعد حتى 2030

وفق تقرير صادر عن "موردر إنتلجينس"، من المتوقع أن يبلغ حجم سوق مكافحة الشيخوخة عالميًا نحو:

السنة

حجم السوق المتوقع (مليار دولار)

2025

85.1

2026

91.1

2027

97.4

2028

104.2

2029

111.5

2030

119.8

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وتشير تقديرات أخرى إلى أن السوق قد يرتفع من 67.2 مليار دولار في عام 2022 إلى قرابة 120 مليار دولار في 2030، بمعدل نمو سنوي يبلغ 7%.

ما الذي ساهم في ازدهار هذه الصناعة؟

تعدّ عدة عوامل محركًا أساسيًا لانتشار الإجراءات التجميلية، من بينها:

التقدم التقني والطبي: الإجراءات أصبحت أكثر أمانًا، وأقل تكلفة، وبفترات تعافٍ أقصر.

شيخوخة السكان في أوروبا واليابان والولايات المتحدة.

ثقافة الجمال والشباب المتنامية في آسيا وأمريكا اللاتينية.

تأثير المشاهير والمؤثرين الذين يروّجون لمعايير جمالية "مثالية".

انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما "إنستجرام" و"تيك توك"، التي تضاعف من تسليط الضوء على المظهر الخارجي.

ومن الظواهر الحديثة أيضًا "طفرة الزووم" بعد جائحة كوفيد-19، حيث ساهمت ساعات طويلة من مكالمات الفيديو في ازدياد الوعي الذاتي بالمظهر، ما حفّز الكثيرين للجوء إلى التجميل لتحسين صورتهم على الشاشة.

دراسة منشورة في Facial Plastic Surgery & Aesthetic Medicine أفادت بأن 72% من جراحي تجميل الوجه ذكروا أن مكالمات الفيديو كانت من الأسباب التي يطرحها المرضى بشكل مباشر.

التركيبة الديموغرافية: النساء أولًا... لكن الرجال في الطريق

رغم أن النساء يشكلن 86% من مجموع من يخضعون للإجراءات التجميلية، إلا أن نسبة الرجال في تزايد ملحوظ، خصوصًا في مجالات مثل زراعة الشعر، نحت الذقن والفك، وشد الجفون.

أما من حيث الفئات العمرية، فتميل الفئة بين 20 و39 عامًا إلى نحت الجسم واستخدام البوتوكس الوقائي، في حين يركّز من تتراوح أعمارهم بين 40 و59 عامًا على علاجات مقاومة الشيخوخة. أما من هم فوق 60 عامًا، فيميلون أكثر إلى إجراءات شد الجلد والحفاظ على المظهر العام.

الوجه الآخر لـ"سباق الشباب"

لكن خلف هذا الازدهار، تكمن تحديات نفسية واجتماعية لا تقل أهمية. فقد يعاني البعض من مضاعفات جسدية أو آثار نفسية دائمة بسبب إجراءات غير آمنة أو غير مدروسة، فضلًا عن اضطرابات تشوه صورة الجسد، التي قد تصيب من يشعرون بعدم الرضا المزمن عن مظهرهم.

كما أن الترويج الدائم لصورة "الشباب الأبدي" خلق معايير جمالية غير واقعية، مارست ضغوطًا هائلة على الفئات الشابة، وأدخلت البعض في دوامة لا تنتهي من الجراحات والحقن.

وتزداد المخاوف من الإفراط في التجميل، خصوصًا في الدول التي تنخفض فيها الرقابة الطبية، ما يفتح الباب أمام ممارسات خطرة من قبل غير المختصين.

بين الربح والتكلفة المجتمعية

رغم ما توفره هذه الصناعة من فرص استثمارية واعدة، فإن تجاهل الجوانب النفسية والأخلاقية قد يؤدي إلى تكلفة اجتماعية فادحة، تطال ثقة الأفراد بأنفسهم وتشوّه صورتهم الذاتية.

في نهاية المطاف، يبدو أن هوس العالم بالشباب الدائم لن يخبو قريبًا. وبين وعود الثقة بالنفس وضغوط المقارنة، يدفع الملايين أموالهم طوعًا لمطاردة صورة مثالية، قد لا تكون سوى سراب في مرآة.

فهل نحاول تحسين ذواتنا فعلًا، أم أننا عالقون في دوامة الكمال التي لا تنتهي؟

أرقام، الجمعية الدولية لجراحة التجميل، موردر إنتلجينس، الجمعية الأميركية لجراحي التجميل، فورتشن بيزنس، فايشيال بلاستيك سيرجري جورنال، إستاتيستا.

 

مواضيع ذات صلة