الرئيسية » آخر الأخبار » ريادة »
 
13 تموز 2025

كيف غيّر الشبح الأصفر وجه التواصل الاجتماعي رغم فخ الخسارة المالية؟

بوابة اقتصاد فلسطين

في عالم التقنية الذي لا يرحم، يقف تطبيق سناب شات كنموذج مثير للتأمل: شركة غيرت مفهوم التواصل الاجتماعي، جذبت مئات الملايين من المستخدمين، وابتكرت مفاهيم أصبحت جزءًا من الحياة الرقمية اليومية، ومع ذلك لم تذق طعم الربح إلا في مناسبتين فقط طوال تاريخها الممتد لأكثر من عقد.

450 مليون مستخدم نشط يوميًا، لكن عوائد مالية هشّة وأرباح شحيحة.
فما السر وراء هذا التناقض؟ كيف غيّر سناب شات العالم ولم يُترجم ذلك إلى إمبراطورية مالية؟

ثورة الشبح الأصفر: التمرد على الكمال المصطنع

في عام 2011، كانت منصات مثل فيسبوك وإنستغرام تعزز ثقافة "الواجهة الرقمية المثالية"، حيث أصبحت الفلاتر، وزوايا التصوير الدقيقة، والتعديلات الرقمية، هي المعيار. العفوية اختفت، والضغط لعرض "حياة مثالية" ارتفع.

من وسط هذا المشهد، ظهر سناب شات، بفكرة ثورية تبناها مؤسساه إيفان شبيغل وبوبي ميرفي: ماذا لو لم يكن الهدف من التصوير هو التوثيق الأبدي؟ ماذا لو كانت اللحظة العابرة تستحق المشاركة حتى لو اختفت بعد ثوانٍ؟

هكذا وُلدت فلسفة "الرسائل الزائلة"، وأُسّست منصة ترفض الأرشفة وتحتفي باللحظة، مهما كانت فوضوية أو عادية.
أراد سناب شات أن يُظهرنا كما نحن، لا كما نريد أن نبدو.

ابتكارات سبقت زمنها: عندما اخترع سناب ما يستخدمه الجميع اليوم

لم يتوقف سناب شات عند الرسائل الزائلة. بل أطلق سلسلة من الابتكارات التي غيّرت قواعد اللعبة الرقمية، وتحوّلت لاحقًا إلى معايير تبنّاها المنافسون:

القصص (Stories): لقطات يومية تختفي بعد 24 ساعة، أصبحت لاحقًا جزءًا من إنستغرام، فيسبوك، واتساب، وحتى يوتيوب.

Snapstreaks: ميزة تحفيزية تربط الأصدقاء بسلسلة متواصلة من الرسائل، خلقت عادة استخدام يومي للتطبيق.

فلاتر الواقع المعزز (AR Filters): كان سناب شات أول من أدخل تقنية الواقع المعزز إلى جمهور واسع، من خلال فلاتر مرحة وتفاعلية مثل تيجان الزهور أو وجه الكلب، قبل أن تصبح شائعة في كل مكان.

وبفضل هذه الابتكارات، تضاعفت شعبية سناب شات، ووصلت إيراداته في عام 2024 إلى 5.3 مليار دولار، ومع ذلك بقيت المشكلة الجوهرية دون حل: الربحية.

لعنة المبتكر: حين تبتكر أكثر من اللازم

يقول المثل في وادي السيليكون: "الريادة لا تكفي إن لم تستطع حمايتها".

وهذا بالضبط ما حدث مع سناب شات. فمع كل ابتكار أطلقه، كانت Meta (فيسبوك سابقًا) تراقب وتتحرك بسرعة. وعندما رأى مارك زوكربيرغ نجاح القصص، لم يتردد في نسخها إلى إنستغرام ومنصاته الأخرى، مستفيدًا من قاعدة المستخدمين الهائلة، والإعلانات الضخمة.

وبينما كان سناب شات يحاول خلق هوية فريدة، سرق المنافسون الضوء والربح. تحوّل التطبيق من مبتكر إلى منصة بلا ميزة تنافسية حصرية. وقعت الشركة في فخ عبقريتها.

معضلة سناب شات: تصميم ذكي لا يُرضي المعلنين

واحدة من أكبر مشاكل سناب شات المالية تكمن في طبيعة تفاعله.

فالتطبيق صُمم لتفاعلات سريعة، وأغلب المستخدمين يدخلون لفترات قصيرة جدًا، مقارنة بمنصات مثل تيك توك أو إنستغرام التي تُبقي المستخدم مشدودًا بالساعات.

وفق الإحصاءات:

  • تيك توك: 34 ساعة شهريًا
  • يوتيوب: 27 ساعة
  • إنستغرام: 16 ساعة
  • سناب شات: فقط 3 ساعات و20 دقيقة

هذا يعني أن الإعلانات التي تمثل شريان الحياة للمنصات، تجد فرصًا محدودة على سناب شات، مما يجعل المعلنين أقل حماسًا له.
يُضاف إلى ذلك أن غالبية المستخدمين هم مراهقون، لديهم تأثير ثقافي كبير، لكن قوتهم الشرائية محدودة، مما يقلل من متوسط العائد لكل مستخدم.

رهانات مكلفة... ونجاحات خجولة

في محاولاته للعثور على مصادر دخل جديدة، دخل سناب شات في تجارب باهظة:

استثمر في نظارات Spectacles، التي فشلت تجاريًا، وأجبرته على شطب 40 مليون دولار من المخزون غير المباع.

حاول دخول سوق الأجهزة، والذكاء الاصطناعي، لكن دون نجاح يذكر.

وبعكس شركات مثل "ميتا"، التي تملك القدرة على امتصاص الخسائر، لم يكن لدى سناب شات شبكة الأمان نفسها.

ومع ذلك، جاءت بارقة أمل أواخر عام 2024، حين أعلنت الشركة عن تحقيق أرباح للربع الثاني فقط في تاريخها.
كما أطلقت خدمة Snapchat+، وهي اشتراك شهري يقدم مزايا حصرية، واستقطب 14 مليون مستخدم في وقت قصير، مما أعطى دفعة قوية لإمكانية النمو بعيدًا عن تقلبات سوق الإعلانات.

إلى أين يتجه سناب شات؟

صمد سناب شات في ساحة طحنت عشرات المنافسين. لم ينجُ فحسب، بل أعاد تشكيل مفاهيم رقمية مثل "المؤقت"، "الحذف"، و"الواقع المعزز".

لكنه الآن أمام مفترق طرق:

إما أن ينجح في تحويل شعبيته وثورته الابتكارية إلى نموذج ربحي مستدام عبر الاشتراكات ومصادر دخل جديدة.

أو يظل يُذكر كـ"المبتكر العبقري الذي غيّر العالم، لكنه لم يعرف كيف يكسب من ذلك".

الزمن وحده سيكشف المصير، لكن المؤكد أن تأثير سناب شات الثقافي سيبقى محفورًا في تاريخ الإنترنت.

ميرج سوسايتي – آب ساموراي | إعداد: "أرقام"

 

كلمات مفتاحية::