محافظان سابقان لبنك إسرائيل: احتلال غزة يلحق ضررا هائلا بالمناعة الاقتصادية
"احتلال قطاع غزة بسكانه الـ2.2 مليون نسمة ليس ’مجرد’ خطوة أخرى في حرب طويلة ودموية؛ وإنما من شأنه أن يشكل تحولا مع عواقب وخيمة على مواطني إسرائيل، وعلى التضامن والتماسك الاجتماعي، وعلى الشعب اليهودي في الشتات".
حذر محافظا بنك إسرائيل السابقان، بروفيسور كارنيت فلوغ وبروفيسور يعكوف فرانكل، من مخاطر خطة احتلال قطاع غزة على إسرائيل، وخاصة من "ضرر هائل في مناعتها الاقتصادية ورفاهية سكانها. وجاء ذلك في مقال مشترك نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" اليوم، الثلاثاء.
وأكد المحافظان على أن "إسرائيل تواجه حاليا تحديات وجودية بأحجام لم نشهدها من قبل. يكاد لا يوجد مجال في الحياة ليس مهددا، وهذا كله في الوقت الذي فيه مستوى عزلة دولة إسرائيل الدولية آخذ بالارتفاع والشرخ الداخلي الذي يمزق المجتمع الإسرائيلي من الداخل يتعمق. وعلى هذه الخلفية، فإن احتلال قطاع غزة بسكانه الـ2.2 مليون نسمة ليس ’مجرد’ خطوة أخرى في حرب طويلة ودموية؛ وإنما من شأنه أن يشكل تحولا مع عواقب وخيمة على مواطني إسرائيل، وعلى التضامن والتماسك الاجتماعي، وعلى الشعب اليهودي في الشتات. وهذا كله إلى جانب تشكيل خطر على حياة جنودنا ومخطوفينا".
وأضافا أنه بالرغم من الأهمية الهائلة للتبعات الاقتصادية، لكن "يبدو أن المداولات لدى صناع القرار تجاهلت الثمن الاقتصادي ولم تطالب المستوى المهني بإجراء بحث في الموضوع".
ولفت المحافظان السابقان إلى أن "معاهدة جنيف من العام 1949 تفرض على قوة الاحتلال المسؤولية عن إعادة النظام إلى حاله والاهتمام بالاحتياجات الإنسانية للسكان الذين تحت سيطرتها. وهذا يعني أنه إذا سيطرت إسرائيل بشكل مباشر على قطاع غزة كله ستكون مطالبة، جزئيا على الأقل، بتكلفة إعادة إعمار القطاع وتكلفة تزويد خدمات أساسية للسكان وأمور أخرى".
وأفادت تقديرات البنك الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، في شباط/فبراير، بأن تكلفة إعادة إعمار غزة تصل إلى 53 مليار دولار، أي 180 مليار شيكل. لكن منذ صدور هذه التقديرات، شنت إسرائيل عملية "عربات جدعون" العسكرية واتسع الدمار في غزة بشكل كبير ولذلك ارتفعت تكلفة إعادة الإعمار أيضا.
ورجح المحافظان أنه "على إثر المعارضة الدولية لسياسة السيطرة على غزة، فإن جزءا من تكلفة إعادة الإعمار سيتحملها دافع الضرائب الإسرائيلي. وهذا عبء غير مسبوق على الاقتصاد الإسرائيلي الذي يتحمل منذ سنتين العبء الثقيل للحرب".
إلى جانب ذلك، وفقا للمحافظَين، "سيتعين على إسرائيل أن تتحمل تكلفة توفير خدمات مدنية للسكان في غزة في جميع المجالات، وبضمنها تزويد الطعام والخدمات الصحية والتعليم والتشغيل والبنية التحتية وأمور أخرى. والحد الأدنى للتقديرات هو أن التكلفة ستصل إلى 10 مليارات شيكل سنويا. وبقاء طويل في القطاع يلزم بإقامة حكم عسكري ومدني، وتكلفته بحسب تقديرات جهاز الأمن ستصل إلى أكثر من 20 مليار شيكل سنويا".
وتابعا أنه "إلى جانب هذا كله يجب إضافة تكلفة استدعاء قوات احتياط كبيرة وتكلفة الأسلحة الهائلة المرتبطة باحتلال القطاع، وهكذا فإن الحديث عن إنفاق هائل يضاف إلى ميزانية الأمن الكبيرة أصلا".
ولا تنتهي الأمور عند هذا الحد من الإنفاق، بحسبهما. "الأعباء على القطاع التجاري وعلى فرع الهايتك خصوصا ستكون هائلة، وذلك أيضا بسبب تجنيد قوة عاملة ماهرة التي تشكل العامود الفقري للاقتصاد الإسرائيلي، وكذلك بسبب عواقب دولية، مثل: إلغاء اتفاقيات تجارية، قيود على الصادرات الإسرائيلية التي ستتسبب بارتفاع الأسعار، قيود على الاستيراد من إسرائيل وحتى عقوبات ستبعد مستثمرين أجانب. ويتوقع أن يؤدي هذا كله إلى رفع الفوائد على القروض التي تحصل عليها إسرائيل من جهات خارجية وعلى استثمارات أجنبية، وأضرار أخرى في التدريج الائتماني وارتفاع الفائدة" في البنوك الإسرائيلية.
وأضاف المحافظان أن "عنصرا هاما في الثمن الاقتصادي للحرب وخطة احتلال غزة ينبع من التكلفة الهائلة للعزلة المتصاعدة لدولة إسرائيل، ومثال على ذلك إعلان صندوق الثروة النرويجي وهو الأكبر من نوعه في العالم، الأسبوع الماضي، عن سحب استثماراته في قسم كبير من 61 شركة إسرائيلية استثمر فيها. ويوجد خطر الآن أن تسير صناديق استثمار أخرى في أعقابه".
وأشارا إلى أن تزايد الدعوات في أوروبا والولايات المتحدة إلى فرض مقاطعة علمية وأكاديمية ضد إسرائيل من شأنها أن تستهدف التعاون وتمويل الأبحاث الضرورية للهايتك الإسرائيلي. "واستهداف الهايتك سيلحق ضررا كبيرا بالاقتصاد كله، لأنه محرك النمو الاقتصادي في السنوات الأخيرة ومسؤول عن أكثر من نصف الصادرات الإسرائيلية وربع عائدات الضرائب المباشرة".
وتابعا أنه "فعليا، المقاطعة العلمية ’الصامتة’ باتت موجودة، وكذلك في مجالي الثقافة والرياضة. وهذا كله يزيد من عزلة إسرائيل ويغذي معاداة السامية المتصاعدة. وهذه الظاهر تثير قلقا بالغا، لكنها لا تلقى تعاملا لائقا من جانب الحكومة".
وحذر المحافظان من أنه يتوقع أن يكون لهذه السيناريوهات الكوابيس هذه، التي يتعرض فيها الاقتصاد الإسرائيلي لضربات من اتجاهات مختلفة، عواقب شديدة على الجمهور، بضمنها ارتفاع الدَين والفائدة على الدين، انخفاض النمو الاقتصادي، ارتفاع غلاء المعيشة وضرر كبير في جودة الحياة. وعبء الضريبة سيزداد ويثقل بالأساس على أقلية في الجمهور التي باتت تتحمل الآن العبء الاقتصادي والخدمة في قوات الاحتياط. ولكثيرين منهم بديل جذاب للعمل في خارج البلاد، ويوجد خطر هروب أدمغة وضرر في الهجرة من الشتات إلى إسرائيل".
وأضافا أنه "سيهبط الاستثمار في الخدمات العامة المدنية، المتدنية أصلا عندما من جميع دول الـOECD، وسنشعر جميعا بانخفاض ميزانية التعليم التي قد يتم التعبير عنه بتقليص ساعات التعليم، وانتظار لا ينتهي لتلقي علاج طبي وفحوصات في المستشفيات، وغياب الاستثمار في البنية التحتية والشوارع وأمور أخرى".
واعتبر المحافظان أنه "على إثر التكاليف المرتفعة يصعب فهم سبب عدم وجود مداولات إستراتيجية معمقة ومهنية شاملة وتقديم المعطيات إلى الجمهور. وينبغي أن نتذكر أنه لم يبدأ بعد تمويل قسم كبير من مصاريف الحرب، وهذا قبل احتلال قطاع غزة. وقيادة مسؤولة ملزمة بالاهتمام بأن يكون الاعتبار الاقتصادي جزءا لا يتجزأ من القرار السياسي – الأمني. وبغيابه، فإن النتيجة قد تكون استهدافا شديدا في المناعة الاقتصادية لدولة إسرائيل ورفاهية المواطنين".
عرب 48