الرئيسية » تحليل » آخر الأخبار »
 
01 أيلول 2025

التقنيات الكمومية تفتح آفاقًا جديدة للمصارف

بوابة اقتصاد فلسطين

تخيّل لو كان بالإمكان التنبؤ بالأزمة المالية المقبلة قبل وقوعها، واتخاذ إجراءات استباقية لتفادي آثارها المدمرة؟ هذا السؤال لم يعد محض خيال علمي، بل أصبح مطروحًا بجدية في تقرير جديد للمنتدى الاقتصادي العالمي، أُعدّ بالتعاون مع شركة Accenture، تحت عنوان «التقنيات الكمومية: استراتيجيات وفرص رئيسية لقادة الخدمات المالية».

يشير التقرير إلى أن التقنيات الكمومية تمثل نقلة نوعية للقطاع المصرفي والمالي، حيث تفتح الباب أمام أدوات غير مسبوقة في التنبؤ بالمخاطر، وكشف الاحتيال، وحماية البيانات المالية الحساسة. التطبيقات الرئيسية لهذه التكنولوجيا تتركز في ثلاثة محاور أساسية: الحوسبة الكمومية، والأمن والاتصالات الكمومية، والاستشعار الكمومي.

الحوسبة الكمومية.. قراءة المستقبل المالي

لطالما كان التنبؤ بالأزمات المالية مهمة معقدة تتطلب سنوات من التحليل التقليدي، لكن الحوسبة الكمومية تعد بقدرة غير مسبوقة على محاكاة آلاف السيناريوهات في وقت وجيز. مثال بارز على ذلك بنك ياكي كريدي التركي، الذي اعتمد على تقنيات شركة D-Wave لبناء نموذج يحلل المخاطر في شبكة الشركات الصغيرة والمتوسطة. النتيجة كانت مذهلة: تحليل معقد كان يستغرق سنوات أُنجز في سبع ثوانٍ فقط، مما مكّن البنك من تحديد نقاط الضعف المحتملة واتخاذ قرارات أكثر صوابًا لحماية عملائه.

الأمن الكمومي.. تشفير لا يُكسر

أحد أكثر المجالات إثارة هو الأمن والاتصالات الكمومية، حيث تَعِد تقنيات مثل توزيع المفتاح الكمومي (QKD) وتوليد الأرقام العشوائية الكمومية (QRNG) بتوفير مستويات من التشفير لا يمكن كسرها نظريًا. هذا التطور يكتسب أهمية متزايدة في ظل المخاوف من قدرة الحواسيب الكمومية مستقبلاً على كسر أنظمة التشفير التقليدية.
بنك HSBC كان من أوائل المؤسسات التي تبنت هذه التقنيات، حيث استخدم بروتوكولات تشفير ما بعد الكمومي (PQC) لحماية معاملات الذهب الرمزية، بما يضمن أمن البيانات وقابلية التشغيل البيني للبلوك تشين، مع الامتثال لأعلى معايير الأمن السيبراني. في المقابل، نفّذ بنك ساباديل الإسباني مشروعًا تجريبيًا مدته أربعة أشهر لاختبار مرونة بروتوكولات التشفير الجديدة، بما يسمح بالانتقال السريع إلى أنظمة آمنة كموميًا مع تطور التهديدات.

كشف الاحتيال.. من الخوارزميات إلى الكموميات

الاحتيال المالي يكلّف البنوك المليارات سنويًا، إذ بلغت خسائر البنوك البريطانية وحدها نحو 1.6 مليار دولار في عام 2024. ومع التزام الحكومة البريطانية باستثمار 162 مليون دولار في أبحاث مكافحة الجرائم المالية عبر الكموميات، يبدو أن المجال مهيأ لتغيير قواعد اللعبة.
بنك Intesa Sanpaolo الإيطالي، على سبيل المثال، اختبر خوارزميات التعلم الآلي الكمومي لتحليل مئات الآلاف من المعاملات، مستعينًا بأدوات IBM الكمومية. النتائج بيّنت أن النماذج الكمومية تفوقت على التقليدية في الدقة والسرعة، بل إنها احتاجت إلى بيانات أقل لتحقيق نتائج أفضل، وهو ما يبشر بثورة في تقنيات مكافحة الاحتيال عالميًا.

الطريق إلى التبني الواسع

مع ذلك، يؤكد تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي أن الطريق نحو تعميم هذه التطبيقات لا يزال طويلًا. فإلى جانب الأبحاث والتجارب، تحتاج المؤسسات المالية إلى استراتيجية شاملة تشمل الاستثمار المستدام في البحث والتطوير، وتمكين البنية التحتية، والتعاون بين القطاعين العام والخاص، والشراكات مع الشركات الناشئة، إضافة إلى إعداد كوادر بشرية قادرة على التعامل مع هذا التحول. والأهم من ذلك كله، يدعو التقرير إلى اعتماد مبدأ النشر المسؤول للتقنيات الكمومية، لضمان استخدامها بما يخدم الاستقرار المالي العالمي.


المصدر: المنتدى الاقتصادي العالمي WEF

 

مواضيع ذات صلة