السيادة الفلسطينية بين الاعتراف الدولي والهيمنة الاقتصادية الإسرائيلية
حنين غالب- بوابة اقتصاد فلسطين
تصاعد الزخم الدبلوماسي الأوروبي نحو الاعتراف بدولة فلسطين، بعد إعلان دول مثل بلجيكا، سلوفينيا، مالطا، لوكسمبورغ والبرتغال نيتها الاعتراف الرسمي، وسط تنسيق متزايد بين العواصم الأوروبية حول التوقيت والخطوات العملية. ويأتي ذلك بعد اعتراف كل من إيرلندا وإسبانيا والنرويج في مايو/أيار 2024، في خطوة وصفتها القيادة الفلسطينية بأنها "انتصار للحق التاريخي"، بينما اعتبرها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "مكافأة للإرهاب".
غير أن هذا التحول السياسي، على أهميته، لم يُغيّر من طبيعة السيطرة الإسرائيلية على الأرض والموارد والحدود، ما يطرح تساؤلات جوهرية: هل يقود الاعتراف الدولي إلى استقلال فعلي لدولة فلسطين؟ أم أنه يكرّس واقعًا جديدًا لدولة معترف بها دوليًا بلا سيادة، واقعة تحت منظومة الاحتلال الاقتصادي والأمني؟
اقتصاد منهك بعد الحرب
منذ 7 أكتوبر 2023 تغيّر المشهد الفلسطيني جذريًا بفعل الحرب الإسرائيلية والإجراءات العقابية في الضفة الغربية. ووفقًا لتقرير البنك الدولي (مايو 2024)، خسر الاقتصاد الفلسطيني نحو نصف مليون وظيفة، منها 148 ألفًا لعمال كانوا يعملون داخل إسرائيل قبل سحب تصاريحهم وإعادتهم قسرًا. هذا الإجراء انعكس على القوة الشرائية ورفع معدلات البطالة بشكل حاد.
وفي هذا السياق، قال الباحث في الشؤون السياسية والدبلوماسية تقي بدر:
"إسرائيل ما زالت تملك أدوات ضغط مباشرة على الحياة اليومية للفلسطينيين. أي اعتراف دولي لا يغيّر هذه المعادلة. فالدولة الفلسطينية، كما تراها الاعترافات الأوروبية، بلا سيطرة على الحدود أو الموارد أو الاقتصاد. هي دولة تحت الاحتلال، لا دولة مستقلة".
تبعية متجذّرة
التبعية الاقتصادية الفلسطينية لإسرائيل ليست أمرًا طارئًا. فالمعابر التجارية تخضع بالكامل للسيطرة الإسرائيلية، وأي بضاعة تدخل أو تخرج تمر عبر قيود أمنية مشددة. كما أن بروتوكول باريس الاقتصادي ربط الاقتصاد الفلسطيني بالإسرائيلي في غلاف جمركي واحد، وترك جباية الضرائب بيد إسرائيل، التي تستخدم تحويلها للضغط السياسي.
وفي الخدمات الأساسية، تبقى الكهرباء والمياه والاتصالات رهينة إسرائيل، بينما يخضع القطاع المصرفي لتحكم مباشر عبر نظام المقاصة. تجميد تحويل أموال الضرائب مؤخرًا أدّى إلى أزمة رواتب وتعطيل للخدمات العامة، وسط تحذيرات البنك الدولي من فجوة تمويلية وصلت إلى 1.2 مليار دولار في منتصف 2024.
فقر متصاعد وتنمية متراجعة
على الصعيد الاجتماعي، بلغ معدل الفقر الإجمالي 32.8% منتصف 2023. أما تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فأشار إلى أن الحرب أعادت مؤشر التنمية البشرية في فلسطين إلى الوراء بين 11 و16 عامًا، بفعل الدمار الواسع وضعف الوصول إلى الموارد.
المحلل د. أحمد رفيق عوض اختصر المشهد بالقول:
"الاعترافات تُحاصر إسرائيل دبلوماسيًا، لكنها لا تُحرر الأرض ولا توقف الجرافات".
استقلال شكلي بلا سيادة
الخبير الاقتصادي يوسف الصايغ كان قد حذّر منذ التسعينيات من أن أي استقلال فلسطيني بلا سيطرة على الموارد سيكون "استقلالًا شكليًا"، مشيرًا إلى أن حجم الدعم المطلوب لبناء الدولة يفوق 12 مليار دولار في سنواتها الأولى، لكنه لا يغني عن السيادة الفعلية.
أما بدر فأكد أن الاعتراف، من الناحية القانونية، لا يُلزم إسرائيل بأي تغيير في سياساتها، ولا يوفر حماية دولية للفلسطينيين:
"الأمم المتحدة اعترفت بفلسطين كدولة مراقبة منذ 2012، والمحكمة الجنائية الدولية فتحت تحقيقات، لكن إسرائيل لم تُلزم بأي إجراء. الاعتراف دون أدوات تنفيذية يبقى رمزيًا".
الاعتراف الأوروبي بفلسطين يمثل بلا شك تطورًا دبلوماسيًا مهمًا، لكنه لا يُنتج استقلالًا حقيقيًا. إنها دولة معترف بها دوليًا، لكنها ما زالت تحت الاحتلال. الفلسطينيون يدركون أن الاستقلال الشكلي لا يكفي، وأن الطريق إلى السيادة الفعلية يمر عبر ضغط دولي جاد لإلزام إسرائيل بالانسحاب وتمكين الفلسطينيين من ممارسة سيادتهم الكاملة.