الخبيرة ديان سوونك تكشف "الحقيقة القذرة" للاقتصاد الأمريكي

بوابة اقتصاد فلسطين
رغم تباطؤ وتيرة التضخم وارتفاع التفاؤل في الأسواق مع اقتراب خفض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي، ترى الخبيرة الاقتصادية الأمريكية ديان سوونك، كبيرة الاقتصاديين في شركة KPMG، أن الاقتصاد الأمريكي “يبدو أفضل مما هو عليه في الواقع”، محذّرة من أن “البيانات التي نستخدمها لقياسه تتآكل ببطء”، وأن وهم المرونة قد يتبدد مع دخول الربع الرابع من العام.
تقول سوونك إن “الفئات الوحيدة التي تشعر بالرضا عن الاقتصاد الآن هي من تكسب أكثر من 200 ألف دولار سنويًا وتمتلك محافظ أسهم كبيرة”، في وقتٍ تزداد فيه الفجوة بين الواقع الذي تعيشه الطبقات المتوسطة والمنخفضة والدلالات الإحصائية التي توحي باستقرار اقتصادي.
تضخم مستمر رغم التفاؤل
أظهر مؤشر أسعار المستهلك لشهر أيلول/سبتمبر ارتفاعًا شهريًا بنسبة 0.3% ومعدلًا سنويًا قدره 3%، بينما ارتفع المؤشر الأساسي – الذي يراقبه الاحتياطي الفيدرالي بدقة – بنسبة 0.2% فقط.
ورغم أن هذه الأرقام جاءت أقل من التوقعات، إلا أن التضخم لا يزال يتسارع سنويًا، مدفوعًا بارتفاع تكاليف الطاقة بنسبة 4.1%، مقابل تباطؤ طفيف في أسعار المواد الغذائية.
وترى الأسواق في هذه البيانات مؤشراً إيجابيًا لاستمرار تراجع التضخم، ما عزز التوقعات بخفض جديد لأسعار الفائدة ربع نقطة مئوية خلال اجتماعات اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة القادمة، لكن سوونك تقرأ المشهد من زاوية مغايرة تمامًا.
تضخم الخدمات وثبات الأسعار الخفي
تقول سوونك إن “الهدوء الظاهري يخفي ثباتًا عميقًا في أسعار قطاع الخدمات”، مشيرة إلى أن التضخم في الخدمات الأساسية – باستثناء المأوى – ارتفع بنسبة 0.4% في سبتمبر، أي أكثر من 3% مقارنة بالعام الماضي، وهو “أعلى من أي مستوى قبل الجائحة”.
وترى أن بعض القطاعات التي تبقي التضخم منخفضًا – مثل الإلكترونيات والسيارات المستوردة – تستفيد مؤقتًا من إعفاءات جمركية، وأن زوال هذه العوامل سيؤدي إلى موجة جديدة من ارتفاع الأسعار.
اقتصاد على شكل حرف "K"
تصف سوونك الوضع الراهن بما يسميه بعض الاقتصاديين “الاقتصاد على شكل K”، حيث تنقسم الشرائح الأمريكية بوضوح:
الأسر الثرية تواصل الإنفاق على السفر والترفيه والسلع الفاخرة، مما يُبقي الأسعار مرتفعة في الخدمات.
بينما تعاني الطبقات المتوسطة والفقيرة من ضغوط متزايدة، فتقلص الإنفاق أو تؤجّل المشتريات.
“تجار التجزئة يشعرون بهذا الانقسام بوضوح”، تقول سوونك، مشيرة إلى أن “المتسوقين الأثرياء يقصدون متاجر الخصومات نفسها التي يزورها أصحاب الدخل المحدود”، في حين ترتفع معدلات التخلف عن سداد القروض العقارية بين الفئات الأقل قدرة مالية.
النتيجة: معدل تضخم رسمي لا يعكس واقع الأسر المتوسطة، واقتصاد يبدو مزدهرًا على الورق فقط.
أزمة بيانات... لا أزمة أرقام
تحذّر سوونك من أن الأزمة الحقيقية لا تكمن فقط في التضخم، بل في تدهور جودة البيانات الاقتصادية الأمريكية نفسها.
فمكتب إحصاءات العمل يعمل بموظفين أقل بنسبة 20% مقارنة بما قبل الجائحة، ما يجعل نحو ثلث بيانات الأسعار في مؤشر المستهلك تُقدّر تقديرًا إحصائيًا بدلاً من جمعها ميدانيًا.
“نحن نقارن أسعارًا متشابهة لكنها ليست متطابقة تمامًا”، تقول سوونك، موضحة أن ضعف التغطية الميدانية يعني أن القراءات الرسمية قد تُظهر تضخمًا أكثر استقرارًا مما يعيشه المستهلك فعلاً، خصوصًا في السلع الحساسة مثل اللحوم أو المنتجات المحلية التي تتقلب أسعارها سريعًا.
خطر على قرارات الفيدرالي
تعتمد سياسات الاحتياطي الفيدرالي اعتمادًا شبه كلي على دقة بيانات التضخم لتحديد أسعار الفائدة.
وترى سوونك أن “ضعف المنهجية الإحصائية يهدد بتضليل صانعي القرار”، وربما يدفعهم إلى الاعتقاد بأن التضخم يتراجع أسرع مما هو عليه فعلاً، ما قد يؤدي إلى قرارات تيسير نقدي غير محسوبة.
وتحذّر بقولها: “المشكلة ليست في الإغلاق الحكومي، بل في نقص الكفاءات البشرية التي تُنتج هذه الأرقام منذ ما قبل ذلك”.
“الوهم الكبير”
تختم سوونك تحليلها بتشخيص لافت:
“الاقتصاد الأمريكي يعيش زحفًا تدريجيًا نحو هشاشة غير مرئية. يبدو ثابتًا ومتماسكًا، لكنه قائم على بيانات ناقصة، وشعور زائف بالاستقرار يغذيه الأغنياء وحدهم.”
إنها ما تسميه “الحقيقة القذرة للاقتصاد الأمريكي”: واقع اقتصادي مزدوج، فيه النصف العلوي من المجتمع ينعم بالازدهار، بينما يعيش النصف الآخر على حافة التراجع.
الخليج