من الذهب إلى السندات.. كيف ينجو صغار المدخرين من العاصفة المالية المقبلة؟

بوابة اقتصاد فلسطين
في كل أزمة مالية كبرى، يجد المدخرون العاديون أنفسهم عالقين وسط صراع أعقد من قدرتهم على الاستيعاب، يدور بين مستثمرين كبار ومؤسسات مالية عملاقة ودول باقتصادات مؤثرة.
وفي خضم هذه المعارك المالية، تتآكل مدخرات الأفراد بسرعة، بفعل التضخم الحاد، وتراجع العملات، وتقلبات الأسواق، ما يجعل الحفاظ على رأس المال هو الأولوية القصوى، لا البحث عن الأرباح.
الخبير الاقتصادي مازن إرشيد يؤكد في حديثه لـ الجزيرة نت أن “الهدف في فترات عدم الاستقرار هو حماية قيمة الأموال”، موضحًا أن الأسواق المتقلبة قد تشهد انخفاضات أسرع من الارتفاعات، وبالتالي فإن تقليل المخاطر هو الطريق الأسلم.
ثقة مهزوزة واقتصاد عالمي هش
رغم توقعات المؤسسات الدولية بتسارع النمو الاقتصادي في عام 2026، فإن الثقة بالاقتصاد العالمي ما زالت مهزوزة، نتيجة استمرار اللايقين وتداعيات الحرب التجارية بين القوى الكبرى.
فخلال جائحة كورونا، أدى الضخ النقدي الضخم للدولار الأمريكي إلى تضخم مرتفع في الولايات المتحدة، ما أجبر الاحتياطي الفيدرالي على انتهاج سياسة نقدية متشددة ما زالت مستمرة حتى اليوم.
ويحذّر صندوق النقد الدولي في تقرير الاستقرار المالي العالمي الصادر في تشرين الأول/أكتوبر الجاري من ارتفاع تقييمات الأصول إلى مستويات مبالغ فيها، بما قد يؤدي إلى تصحيحات حادة في الأسعار، خصوصًا مع الضغوط المتزايدة على أسواق السندات السيادية في الدول ذات المديونية المرتفعة.
كما أشار التقرير إلى القلق المتنامي من توسع المؤسسات المالية غير المصرفية مثل شركات الائتمان الخاص، التي نمت بسرعة منذ أزمة 2008 وتعمل في بيئة أقل تنظيمًا من البنوك التقليدية، مما يجعلها أكثر عرضة للانهيار وانتقال العدوى إلى النظام المصرفي بأكمله.
السندات والأسهم تفقدان بريقهما
منذ جائحة كورونا، فقدت السندات مكانتها كملاذ آمن تقليدي. ففي عام 2022، ومع الجمع بين أزمة كورونا وتشديد السياسة النقدية، تكبّدت سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات خسائر بلغت 18% من قيمتها، بينما خسرت سندات الشركات نحو 15.5% وفق بيانات “بلومبيرغ”.
وخلال عامي 2024 و2025، تراجع الإقبال على السندات بشكل أكبر، وارتفعت العوائد إلى 5.2% – وهو أعلى مستوى منذ عام 2007 – مدفوعة بارتفاع الدين الأمريكي إلى 1.8 تريليون دولار، وتجاوز كلفة خدمته 514 مليار دولار سنويًا.
كل ذلك أدى إلى تشكيك متزايد في مكانة الدولار كعملة احتياط عالمية، وزعزع الثقة في قدرة الولايات المتحدة على سداد التزاماتها المالية.
ويرى إرشيد أن هذا الواقع “أنهى العلاقة التقليدية بين الأسهم والسندات كأدوات للتحوط”، مؤكدًا أن السندات لم تعد وسيلة فعالة لحماية المدخرات من التضخم أو من التشديد المالي.
أما بالنسبة للأسهم، فيحذّر الخبير من دخول المستثمرين عديمي الخبرة إلى السوق، وخاصة في أسهم شركات الذكاء الاصطناعي التي وصلت تقييماتها إلى مستويات غير منطقية.
“بعض هذه الشركات يُتداول عند مضاعف ربحي يتجاوز 55 مرة، في حين أن المعدل الطبيعي يتراوح بين 15 و20 مرة”، يقول إرشيد، مشيرًا إلى تشابه هذه الحالة مع فقاعة الإنترنت عام 2000.
الذهب.. مرآة القلق العالمي
سجّل الذهب ارتفاعًا قياسيًا تجاوز 4000 دولار للأونصة – بزيادة تفوق 60% منذ مطلع العام – ما يعكس تصاعد المخاوف بشأن الاستقرار المالي والتوترات الجيوسياسية حول العالم.
ويرى إرشيد أن هذا الارتفاع “يعبّر عن الخوف أكثر مما يعبّر عن الثقة”، موضحًا أن صعود الذهب عادة ما يكون مؤشرًا على اقتراب أزمة مالية كبرى، وليس بالضرورة استثمارًا مستدامًا.
ويقول: “قد نشهد تراجعًا حادًا في الأسعار إذا استقرت الظروف العالمية، تمامًا كما حدث بعد ذروتي 2011 و2020.”
تزايد مشتريات البنوك المركزية من الذهب وارتفاع الطلب العالمي إلى 4974 طنًا العام الماضي، يعكسان توجهًا نحو تنويع الاحتياطيات بعيدًا عن العملات الورقية التي باتت عرضة للتضخم والمخاطر السياسية.
وعي لا مضاربة
في ظل تراجع الثقة بالأسواق العالمية، وتذبذب العملات، وغياب أدوات تحوط فعالة، يبقى الوعي المالي هو خط الدفاع الأول أمام الأفراد.
يختصر مازن إرشيد القاعدة الذهبية بقوله:
“في الأزمات لا تبحث عن الربح… بل احمِ قيمة أموالك أولًا.”