الرئيسية » الاخبار الرئيسية » آخر الأخبار »
 
09 تشرين الثاني 2025

عصا الذكاء الاصطناعي السحرية.. هل تجعل العالم الفقير أغنى؟

بوابة اقتصاد فلسطين
في قرية بودوندو الأوغندية، حيث تنقطع الكهرباء ويصعب الوصول إلى المياه، كان الطالب إلي نطوندي (18 عامًا) يستعد لامتحان الكيمياء حين واجه مسألة معقّدة في تفاعل المعادن مع الأحماض. لم يجد الحل في كتابه، فاشترى باقة بيانات صغيرة، ووجّه سؤاله إلى "شات جي بي تي" ليحصل في ثوانٍ على شرح مبسط مكّنه من الفهم والمراجعة.

تجربة الطالب الشاب تلخص ما يعد به الذكاء الاصطناعي: إتاحة المعرفة للجميع، بغضّ النظر عن الموقع أو الدخل. فمنذ إطلاق “شات جي بي تي” قبل أقل من ثلاث سنوات، تجاوز عدد مستخدميه 800 مليون شخص أسبوعيًا حول العالم، ويشكّل سكان الدول النامية نسبة كبيرة منهم، خصوصًا في الهند والبرازيل.

ذكاء يفتح الأبواب

تؤكد تقارير أممية أن الثقة في الذكاء الاصطناعي أعلى في الدول ذات التنمية البشرية المنخفضة، فيما تُظهر دراسات أن النيجيريين والغانيين من أكثر المستخدمين نشاطًا للأدوات الذكية.

في نيروبي، أطلقت شركة "أوبن أيه آي" تجربة بالتعاون مع سلسلة عيادات “بندا هيلث” لتوظيف الذكاء الاصطناعي في دعم الأطباء أثناء الاستشارات. النتيجة كانت لافتة: انخفاض الأخطاء التشخيصية بنسبة 16% والعلاجية بنسبة 13% في تجربة شملت 40 ألف مريض.

أما في نيجيريا، فقد أسهم برنامج مدرسي تجريبي باستخدام “مايكروسوفت كوبايلوت” في تحسين مهارات اللغة الإنجليزية لدى الطلاب بما يعادل عامين دراسيين خلال ستة أسابيع فقط.

الفقر الرقمي لا يزال قائماً

لكن الطموح باختصار المسافات بين الدول الغنية والفقيرة يصطدم بواقع صلب. فبينما يتمتع 90% من سكان الدول المتقدمة بخدمة الإنترنت، لا تتجاوز النسبة 25% في الدول الفقيرة. ورغم أن 85% من الأفارقة يعيشون في مناطق تغطيها إشارات الهاتف المحمول، تبقى كلفة البيانات مرتفعة بشكل يمنع الاستفادة الكاملة من التكنولوجيا.

ورغم أن تكلفة استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي منخفضة نسبيًا—إذ يستهلك استعلام نصي في “شات جي بي تي” بيانات أقل بثلاثة آلاف مرة من صفحة بحث تقليدية—فإن الوصول إلى الإنترنت ما زال العائق الأكبر أمام الفقراء.

التعليم واللغة.. فجوتان خفيتان

يقدّر البنك الدولي أن 70% من الأطفال في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل لا يستطيعون قراءة نص بسيط، ما يعني أن التعامل مع أدوات تعتمد على اللغة يشكّل تحديًا إضافيًا. ففهم الذكاء الاصطناعي يتطلب مهارة في طرح السؤال وتحليل الإجابة، وهي مهارات لا تتوفر بسهولة.

اللغة نفسها تشكّل جدارًا آخر؛ إذ تتركّز أغلب أنظمة الذكاء الاصطناعي على اللغات الكبرى كالإنجليزية، بينما تظل مئات اللغات الإفريقية مهمّشة. ومع ذلك، تبرز مبادرات محلية مثل “ماسخاني” و“غانا إن إل بي” و“كينكوربوس” التي تبني قواعد بيانات مفتوحة للغات الإفريقية وتطوّر أدوات صوتية باللهجات المحلية، في محاولة لردم الفجوة اللغوية.

التقنية وحدها لا تكفي

يرى خبراء أن المشكلة ليست في التكنولوجيا نفسها، بل في غياب المؤسسات القادرة على استيعابها. فكما فشلت المساقات التعليمية المفتوحة سابقًا لأنها لم ترتبط بالمدارس، فإن الذكاء الاصطناعي لن يحدث تحولًا فعليًا من دون بيئة تعليمية وصحية قادرة على تبني نتائجه.

ويشير الاقتصادي لانت بريتشيت من “كلية لندن للاقتصاد” إلى أن أي دولة لم تحقق تعليمًا شاملًا أو رعاية صحية فعالة دون أن تصبح أكثر ثراءً أولًا، موضحًا أن النمو القائم على الإنتاجية هو ما يصنع التحول الحقيقي في رأس المال البشري.

وعد مؤجل

تُظهر تجارب سابقة أن التقنيات الكبرى، من الحواسيب إلى الإنترنت، وصلت إلى الدول الفقيرة بسرعة، لكن استخدامها ظل سطحيًا. واليوم، يبدو الذكاء الاصطناعي أكثر تعقيدًا حتى في الدول المتقدمة، إذ لا تستخدمه سوى واحدة من كل عشر شركات أمريكية في عملياتها الإنتاجية.

في نهاية المطاف، يحمل الذكاء الاصطناعي وعدًا كبيرًا بتقليص فجوة المعرفة، لكنه لن يكون عصًا سحرية لتقليص الفقر ما لم يقترن بتعليم جيّد، ومؤسسات فعالة، وبنية رقمية متاحة للجميع. وإلا فسيبقى، مثل كثير من التقنيات السابقة، وعدًا مؤجلًا لعالم لم يتساوَ بعد في فرصه.

المصدر: ذي إيكونوميست – تحرير خاص بـ"بوابة اقتصاد فلسطين"

 

كلمات مفتاحية::