112 حالة فائض إنتاج غير مُصَرّف… وتذبذب الأسعار يلاحق 111 مزارعاً في المسح الوطني للمخاطر الزراعية

بوابة اقتصاد فلسطين
يكشف التقرير الوطني لخارطة المخاطر الزراعية في فلسطين عن صورة مقلقة لمخاطر السوق خلال العقد الأخير، حيث سجّل المزارعون 112 حالة فائض إنتاج غير مُصَرّف، وهو الرقم الأعلى في قائمة المخاطر السوقية المرصودة. وبفارق حالة واحدة فقط، جاء تذبذب الأسعار بـ111 حالة، ليؤكّد حجم الاضطراب الذي يعصف بسلسلة القيمة الزراعية ويحدّ من قدرة المزارع على تسويق محصوله أو تحقيق عائد مستقر.
هذه الأرقام، وفق التقرير، لا تعكس أحداثاً منفصلة، بل تؤشر إلى نمط هيكلي يتكرر من موسم لآخر، وتُظهر أن مخاطر السوق أصبحت عاملاً رئيسياً يهدد الاستدامة الاقتصادية للمزارعين.
مخاطر السوق في "المنطقة الحرجة"
يصنّف التقرير ثلاثة أرباع المخاطر السوقية ضمن ما يسميه "المنطقة الحرجة". ويعني ذلك أنّ هذه المخاطر قادرة على إحداث خسائر واسعة في الدخل والإنتاج، حتى مع وجود إجراءات رقابية تعمل بمستوى مقبول.
ويشير التقرير إلى أن فائض الإنتاج غير المُصَرّف يرتبط غالباً بغياب أدوات إدارة العرض والطلب، وعدم وجود مراكز تجميع وتبريد كافية، إضافة إلى منافسة مباشرة من المنتجات الإسرائيلية وعمليات التهريب التي تضرب الأسعار. أما تذبذب الأسعار، فينشأ عن حساسية السوق لأي تغيّر سياسي أو مناخي أو اقتصادي، في ظل غياب سياسات تسويق وطنية قادرة على ضبط التقلبات أو حماية المزارع عند الهبوط المفاجئ للأسعار.
انعكاسات مباشرة على دخل المزارعين
تظهر البيانات أن الخسائر الناتجة عن هذين الخطرين لا تقتصر على انخفاض الأسعار أو تعطل البيع، بل تمتد إلى تعطيل قرارات الاستثمار الزراعي للمواسم التالية. فالمزارع الذي يجد محصوله بلا سوق أو يباع تحت التكلفة، يميل إلى تقليص المساحات المزروعة أو تغيير نوع المحصول أو حتى مغادرة المهنة.
وترتبط هذه الخسائر أيضاً بضعف القدرة الشرائية للمزارعين. فوفق الدراسة، فإن 69% من المزارعين غير قادرين على دفع أكثر من 500 شيكل للدونم سنوياً كقسط تأمين، وهو رقم يعكس حجم الضغط المالي الناتج عن المخاطر السوقية تحديداً، خصوصاً في المنتجات سريعة التلف مثل البندورة والخيار والكوسا.
طلب مرتفع على التأمين… وفجوة معرفية كبيرة
في ظل ارتفاع هذه المخاطر، يُظهر التقرير أن 58.7% من المزارعين يعتبرون مخاطر السوق عاملاً رئيسياً يدفعهم للتفكير في شراء التأمين الزراعي، لتأتي مباشرة بعد المخاطر الطبيعية.
ورغم هذا الاهتمام، تشير الدراسة إلى فجوة معرفية واضحة: 71% من المزارعين لا يعرفون الفرق بين التأمين التجاري والتكافلي، في وقت تبلغ فيه نسبة المزارعين المفضلين للتأمين التكافلي 25%، مقابل 4% فقط للتأمين التجاري. ويرى معدّو التقرير أن غياب الوعي التأميني يشكّل أحد أسباب ضعف قدرة القطاع على امتصاص خسائر السوق.
دعوة لبناء منظومة تسويق وطنية
يخلص التقرير إلى أن مواجهة فائض الإنتاج وتذبذب الأسعار تتطلب تدخلاً وطنياً يتجاوز الإجراءات الجزئية. ويوصي بإنشاء منظومة تسويق متكاملة تعتمد على مراكز تجميع حديثة، وتخزين بارد، ودراسات طلب موسمية، ونظام إنذار مبكر لأسعار السوق. كما يدعو إلى ضبط التهريب، وفرض معايير ضمان الشتلات، وربط التأمين الزراعي بأدوات تسويق عادلة تضمن حماية المزارع من الخسائر المفاجئة.
ويؤكد التقرير أن استدامة القطاع الزراعي في فلسطين ترتبط بشكل مباشر بقدرة الدولة والمؤسسات على معالجة هذه المخاطر، باعتبارها تهديداً فعلياً للأمن الغذائي ولقدرة الأسر الريفية على الصمود