نفايات اسرائيلية مجهولة في مكبات عشوائية في الرام
يضطر 58 ألف مواطن في بلدة الرام شمال القدس يوميًا لاستنشاق أدخنة سوداء تنبعث من ستة مكبات نفايات عشوائية تحيط في البلدة المحاصرة بالجدار والحواجز العسكرية. في حين لم تجد الجهات المختصة أي وسيلة ناجعة لوقف التدهور البيئي في هذه المنطقة.
في بدايات عام 2011، بدأت ظاهرة المكبات العشوائية تنتشر شيئا فشيئا في بلدة الرام، وساعد في ذلك غياب القانون وعدم القدرة على تنفيذه في هذه المنطقة التي لا تخضع للسيطرة الفلسطينية. البداية كانت عبارة عن مخلفات بناء؛ بعض أصحاب الأراضي كانوا يضعون فيها مئات الأطنان من النفايات الصلبة لرفعها إلى مستوى الشارع في البلدة، لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد. أصبحت مكبات النفايات تجارة رائجة تُدرُّ أموالا طائلة على أصحاب الأراضي، الذين باتوا يتقاضون مبالغ معينة مقابل استقبال أراضيهم مخلفات الإنشاءات من البلدة والمناطق المجاورة.
البلدة أصبحت مكبا للنفايات الإسرائيلية
يشرح مدير بلدية الرام خليل فرحان كيف تحولت بلدته إلى مكب للنفايات الإسرائيلية، من خلال عبور عشرات الشاحنات عن طريق حاجز قلنديا العسكري إلى ستة مكبات تشكلت في الرام، فلم يعد الحديث عن مخلفات بناء ونفايات صلبة، بل تعداه إلى إدخال نفايات بلاستيكية ومخلفات خطرة مجهولة. ولم يقتصر الأمر على ذلك يتابع فرحان قوله: "في شهر تشرين أول الماضي، وجدنا نفايات طبية في المنطقة الواقعة بين حاجز قلنديا وبلدة الرام، لا نعرف ما الذي يدخل إلى أرضنا، أصبح لدينا مئات آلاف من الأطنان يستحيل إزالتها".
وأضاف فرحان بأنه تم توثيق دخول شاحنات ضخمة عبر الحاجز العسكري في قلنديا، وتبين من خلال الجولات التفتيشية وجود نفايات إسرائيلية مكتوب عليها باللغة العبرية، غالبيتها مواد بلاستيكية يتم اللجوء إلى حرقها من قبل تجارة الخردة للحصول على أسلاك معدنية وبيعها.
20-25 ألف شيقل مقابل إدخال بعض الشاحنات!!
يساعد في إدخال هذه النفايات بمختلف أشكالها، أصحاب الأراضي الذين يستقبلونها مقابل 20-50 شيقل (5- 12 دولار) عن كل شاحنة وفق فرحان. لكن الأخطر ما كشف عنه مدير لجنة السلامة العامة في محافظة القدس محمد حديدون وهو تقاضي سائقي شاحنات مبالغ تتراوح من 20-25 ألف شيقل عن كل شاحنة يتم إدخالها إلى مكبات الرام. هذه الشاحنات غالبا ما تدخل تحت جنح الظلام، ويتم طمر محتوياتها فور وصولها قبل بزوغ الفجر، فالسائقون يتقاضون هذه المبالغ ويلقون المخلفات الخطرة في الأراضي الفلسطينية، في حين يأخذ أصحاب الأراضي ما يشبه الفتات مقابل عمليات طمر النفايات وهم في الغالب لا يعرفون مدى خطورة ما يقومون به.
روائح كريهة، غازات، أدخنة متطايرة، إطارات تالفة، أسلاك كهرباء، عمليات حرق مستمرة، سماتٌ أساسية للأجواء في بلدة الرام، ناهيك عن انتشار كبير للكلاب الضالة التي باتت تضيق على السكان. يتابع فرحان قوله أن نمط الحياة تغير في الرام مع وجود هذه المكبات، مبديًا إحباطه من إمكانية تغيير الوضع القائم في ظل عدم وجود قوانين رادعة وعدم القدرة على معاقبة كل المتورطين بتحويل الرام إلى مكبات عشوائية للنفايات.
حبس 5 أشهر وغرامة 3 آلاف دينار
في منتصف تشرين أول الماضي، تم حبس أحد الأشخاص، بعد الحكم عليه 5 أشهر، ودفع غرامة مالية قدرها 3 آلاف دينار أردني، إثر إدانته بإدخال نفايات إسرائيلية وطرحها في موقع غير مرخص لذلك، كانت هذه الخطوة بعدما رفعت سلطة جودة البيئة ملفا إلى نيابة مكافحة الجرائم الاقتصادية بهذا الخصوص وطالبت بترحيل النفايات وإعادتها إلى مصدرها.
لا تستطيع سلطة جودة البيئة فعل أكثر من ذلك يقول مدير مكتب رام الله ثابت يوسف "نحنُ لسنا جهة تنفيذية، نحن جهة رقابة فنية وتفتيش، حينما نضبط شاحنات نقوم بكتابة محضر وإجراء الفحوص اللازمة، وإعداد ملف متكامل يُحال بعد ذلك إلى النيابة العامة لاتخاذ المقتضى القانوني".
بالإضافة لما سبق، تجري سلطة جودة البيئة جولات رقابية على مكبات النفايات وخصوصا مكبات الرام، كانت آخرها في مطلع شهر تشرين الثاني، وأكد يوسف على أن مكتب رام الله في سلطة البيئة ينتظر من بلدية الرام تزويده ببيانات مفصلة لأصحاب الأراضي التي تحولت إلى مكبات عشوائية لمحاولة متابعة ملفاتهم واستدعائهم، ومحاولة اتخاذ إجراءات ضدهم ضمن الإمكانيات المتاحة.
وكشف يوسف عن اتفاق مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية لتزويدها بمجموعة من أسماء المشتبهين بإدخال النفايات لمحاولة إحضارهم بالطرق الخاصة، مبينا أن "النفايات الموجودة غير معروفة حتى اللحظة لكنها قد تكون خطرة، على اعتبار أن المخلفات البلاستيكية التي تمت معاينتها من خلال جولات عدة لمكبات الرام، تصنّف على أنها من ضمن النفايات الخطيرة".
مكبات زاد ارتفاعها عن 55 مترا
لم تستطع أيٌ من الجهات الفلسطينية التحقق بشكل قاطع من طبيعة النفايات الإسرائيلية التي تدخل بلدة الرام، لكنها دون شك ليست مخلفات عادية غير ضارة. وان كانت فقط نفايات صلبة، فلماذا يتم إدخالها ليلاً وطمرها على وجه السرعة؟ تساءل مدير لجنة السلامة العامة في محافظة القدس محمد حديدون. وطالب بتوفير مختبرات لفحص كل أنواع النفايات التي تدخل الأراضي الفلسطينية، لأن الأمر يبقى فقط في إطار الشبهات وشهادات الناس والمعاينات البصرية.
وقال حديدون أن هناك ضعفا إداريا وقانونيا وغيابا للعقوبات التي من شأنها كبح جماح المخالفين وضعاف النفوس من استمرار تحويل الأراضي إلى مكبات تشوه المنظر العام وتهدد الصحة والبيئة في منطقة يقطنها عشرات آلاف السكان. موضحا أن النتائج بدأت تظهر من خلال تزايد أعداد مرضى الربو والحساسية وأمراض السرطان، ناهيك عن المنظر غير الحضاري، والتغيير الذي حصل في تضاريس المنطقة، لدرجة أن بعض المكبات وصل ارتفاع الطمم فيها إلى أكثر من 55 مترا.
156 مكبا عشوائيا..
مجموعة من الأسباب المتداخلة والمترابطة على مدى سنوات طويلة أدت إلى نشوء وتزايد أعداد مكبات النفايات في الضفة الغربية بشكل كبير، ما أصبح يشكل خطرا يحدق بالمجتمع الفلسطيني ومستقبله. ولعل أهم هذه الأسباب، هو سنوات الاحتلال الإسرائيلي الطويلة للأراضي الفلسطينية التي تركت أثارها على الواقع الفلسطيني، وعرقلة إمكانية التصدي لهذه المشكلة، إضافةً إلى غياب تطبيق القانون المتعلق بالنفايات الصلبة، وعدم توافر الإمكانيات المادية لمواجهة المشكلة، وكذلك ضعف الخبرات الفنية في مجال إدارة النفايات الصلبة. والسبب الأهم هو انخفاض الوعي الجماهيري حول أهمية المحافظة على البيئة، وإدارة النفايات الصلبة ابتداء من البيت وانتهاء بمكب النفايات.
ويبلغ عدد مكبات النفايات في الضفة الغربية حسب وزارة الحكم المحلي حوالي (156) مكبا منتشرة في أنحاء الضفة الغربية منها ما هو مستعمل حتى اللحظة، ومنها ما تم تركه بعد تأسيس مكب إقليمي للمحافظة مثل محافظة جنين، وغالبيتها ما زالت مستعملة وتلقى فيها النفايات بشكل عشوائي في العراء، وهناك مكبات يجري العمل عليها لحل مشكلة المكبات العشوائية وذلك حسب الإستراتيجية الوطنية لإدارة النفايات الصلبة في فلسطين.
**فراس الطويل- مركز معا