الأسعار في الضفة تشتعل، وسلة الغذاء تنهار... مقارنة تكشف الفجوة مع الأردن
حسناء الرنتيسي- بوابة اقتصاد فلسطين
لم يعد المواطن يتساءل "ماذا سأشتري؟" بل "ما الذي يمكنني الاستغناء عنه؟". فأسعار السلع الأساسية قفزت إلى مستويات غير مسبوقة، حوّلت الأسواق إلى ساحات للدهشة اليومية، وفرضت على العائلات واقعًا معيشيًا خانقًا في ظل ركود اقتصادي حاد.
تشهد الضفة الغربية أزمة اقتصادية مركّبة، تضافرت فيها عوامل الاحتلال، وتباطؤ النمو، وتقلص الموارد، والاقتطاعات الإسرائيلية من أموال المقاصة، لتنتج حلقة تضخمية مؤلمة.
وبينما يعاني الاقتصاد العالمي من تداعيات التضخم بعد جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، فإن السوق الفلسطيني يعاني أكثر بسبب هشاشة المنظومة الاقتصادية المحلية، واعتمادها شبه الكامل على الاستيراد، وغياب أدوات الضبط الفعالة.
ويُعزى جزء من الأزمة أيضًا إلى غياب سياسة دعم للسلع الأساسية، في وقت تتبنى فيه دول مجاورة –كالأردن– سياسات تدخل مباشر لضبط الأسعار، ما يضع المواطن الفلسطيني في مقارنة مجحفة، ويجعله يواجه أسعارًا تُعد الأعلى على مستوى المنطقة.
في هذا الجدول نظهر فرق الأسعار ما بين فلسطين والرئة الشقيقة لنا، الممكلة الأردنية، مع الإشارة إلى ما ذكر في الأعلى واختلاف السياسات التي من الواجب التفكير بها في اقتصادنا في ظل الازمة المالية التي نعيشها .
الأسعار مقومة بالشيكل:
أين تكمن الفجوة؟ ومن يدفع الثمن؟
تُظهر مقارنة الأسعار بين رام الله وعمّان أن المواطن الفلسطيني يدفع أسعارًا أعلى بشكل ملحوظ في معظم السلع الغذائية الأساسية، رغم تشابه الدخل الشهري في كلا السوقين.
هذا التفاوت في الأسعار لا يُفسَّر فقط بعوامل السوق العالمية أو التضخم، بل يكشف عن اختلالات داخلية أكثر خطورة:
* غياب الدعم الحكومي المباشر
في الأردن، تقدّم الدولة دعمًا نسبيًا على الخبز وبعض السلع الغذائية الأساسية، ما يساهم في ضبط الأسعار. أما في فلسطين، فلا توجد سياسة دعم غذائي حقيقية، في ظل عجز مالي وتقلّص المساعدات الدولية.
*تكاليف الاستيراد والنقل
يعاني التجار الفلسطينيون من ارتفاع تكاليف الشحن والجمارك، بسبب الاعتماد الكامل على الاستيراد عبر الموانئ والمعابر الإسرائيلية، ما يرفع الأسعار عند نقطة البيع بنسبة تتجاوز 20–30% في بعض الأحيان.
* الضرائب المزدوجة والتراخيص
يخضع السوق الفلسطيني لضرائب وجمارك مفروضة محليًا، إضافة إلى الرسوم الإسرائيلية، في حين يتم تحميل المستهلك النهائي هذا العبء.
* ضعف الرقابة وغياب التسعير المركزي
رغم وجود وزارة الاقتصاد، فإن آليات ضبط الأسعار شبه غائبة، وتُرك السوق لرحمة العرض والطلب، والاحتكار أحيانًا. وهذا ما يفسّر وجود فروقات كبيرة بين الحد الأدنى والأقصى لأسعار نفس المنتج داخل السوق الفلسطيني.
إذا كانت الأسعار مرآةً لحالة الاقتصاد، فإن ما تعكسه في الضفة الغربية اليوم هو وجه أزمة خانقة ومتعددة الأبعاد، تتجاوز جيب المواطن إلى بنية اقتصادية غير محمية، يُترك فيها المستهلك فريسة لاحتكار السوق وتقلّبات السياسة والاحتلال.
الحياة اليومية في رام الله أغلى من عمّان
لم يتوقف غلاء المعيشة في الضفة الغربية عند أبواب السوق الغذائي، بل امتد ليشمل مختلف تفاصيل الحياة اليومية، من المطاعم إلى المواصلات والسكن والتعليم. تُظهر المقارنة بالأرقام أن الأسعار في رام الله تتجاوز عمّان بنسب صادمة في كثير من القطاعات، رغم أن متوسط الراتب الشهري في رام الله أعلى فقط بهامش محدود.
في المطاعم:
يبلغ متوسط ثمن وجبة فردية في مطعم غير فاخر برام الله 50 شيقلًا، بينما لا يتجاوز في عمّان 25 شيقلًا تقريبًا. والقهوة (كابتشينو) في رام الله تكلف نحو 13.5 شيقلًا، مقارنة بـ 14 شيقلًا في عمّان – وهو الفارق الوحيد شبه المتعادل.
في المواصلات:
رغم البنية التحتية المحدودة، فإن كلفة النقل في رام الله أعلى بكثير. فتعرفة التاكسي تبدأ من 10 شيقلات في رام الله، بينما تبدأ من 2.5 شيقل فقط في عمّان. والبطاقة الشهرية للنقل العام في رام الله تكلف 250 شيقلًا، مقابل 150 شيقلًا تقريبًا في العاصمة الأردنية.
في المرافق والخدمات:
فاتورة الكهرباء والمياه لشقة متوسطة الحجم في رام الله تصل إلى 303 شيقلات شهريًا، بينما تقف عند نحو 365 شيقلًا في عمّان، ما يشير إلى تقارب نسبي، لكن الإنترنت في رام الله أغلى بوضوح، حيث يبلغ متوسطه 165 شيقلًا شهريًا مقارنة بـ 116 شيقلًا في عمّان.
في الترفيه:
اشتراك النادي الرياضي في رام الله يكلّف 277 شيقلًا شهريًا، وهو أكثر من ضعف نظيره في عمّان الذي يقف عند 202 شيقلًا. وتذكرة السينما في رام الله أغلى كذلك.
في السكن والعقار:
تكاليف الإيجار في رام الله مرتفعة بصورة لافتة. فاستئجار شقة بغرفة واحدة في وسط المدينة يكلف 1583 شيقلًا، بينما في عمّان لا يتجاوز 1620 شيقلًا. أما أسعار الشقق للبيع، فهي الأعلى في رام الله دون منافس.
الرواتب والفائدة:
متوسط الراتب الشهري الصافي في رام الله يبلغ 3285 شيقلًا، مقارنة بـ 2420 شيقلًا في عمّان. لكن الفارق في تكلفة المعيشة يبتلع هذا الهامش بسهولة. والأسوأ أن نسبة الفائدة البنكية على الرهن العقاري في عمّان أعلى (7.27%) مقارنة بـ (5.62%) في رام الله، مما يعكس صعوبة تملك المنازل في كلا السياقين.
تشير كل المؤشرات إلى أن المعيشة في رام الله أصبحت أكثر كلفة من عمّان في معظم القطاعات، من الغذاء إلى التعليم، ومن النقل إلى الإيجارات. هذه الفجوة لا تعكس فقط فارق السياسات الاقتصادية بين البلدين، بل تكشف غياب أدوات الضبط والحماية الاجتماعية في السوق الفلسطيني، الذي يواجه تداعيات التضخم العالمي بمفرده.
ملاحظة
في الجداول اعلاه، مقارنة دقيقة بين أسعار سلع أساسية في رام الله وعمّان بعد توحيد العملة إلى الشيقل، بناءً على سعر صرف تقريبي (1 دينار أردني = 4.95 شيقل).
والمصدر: بحسب بيانات موقع Numbeo، 2 حزيران 2025