الأسباب الحقيقية وراء تضخم فاتورة الرواتب بنسبة 57% في فلسطين خلال عشر سنوات
حسناء الرنتيسي- بوابة اقتصاد فلسطين
في لقاء خاص مع عدد من الصحفيين عُقد بمقر وزارة المالية في رام الله، كُشف عن تفاصيل دقيقة تشرح الأسباب المركبة وراء ارتفاع فاتورة الرواتب وأشباه الرواتب في فلسطين بنسبة 57% خلال السنوات العشر الأخيرة، في ظل أزمة مالية خانقة تواجهها الحكومة الفلسطينية.
وكيل وزارة المالية: الزيادة ناتجة عن تصحيح قرارات سياسية سابقة
في مستهل اللقاء، أوضح وكيل وزارة المالية، مجدي الحسن، أن هذه الزيادة في فاتورة الرواتب لا تعكس نمواً طبيعياً في الأجور أو توسعاً في التوظيف، وإنما تعود في جوهرها إلى قرارات سياسية سابقة، أبرزها قرار الرئيس الفلسطيني بإعادة موظفي قطاع غزة الذين كانوا قد أُحيلوا إلى "التقاعد المالي" في فترات سابقة.
وقال الحسن: "في فترة سابقة، تم إحالة جميع موظفي غزة، إلى التقاعد المالي رغم أنهم لم يبلغوا سن التقاعد. وقد صُنّفوا كمتقاعدين، ما أدى إلى وقف صرف رواتبهم الكاملة. لكن في الحكومة التي تلتها، أصدر سيادة الرئيس قرارًا حكيمًا بإعادتهم إلى عملهم، وهو ما أدى فعليًا إلى ظهور زيادة بنسبة 57% في فاتورة الرواتب".
وأكد أن هذه الزيادة لم تكن نتيجة لتوظيف جديد أو منح علاوات، بل جاءت نتيجة "تصحيح لوضع وظيفي خاطئ سابق"، واعتبر القرار "رد اعتبار لهؤلاء الموظفين ويُحسب لصالح سيادة الرئيس".
خبير اقتصادي: تراكمات هيكلية وسياسية وراء تضخم فاتورة الرواتب
من جانبه، قدم الخبير الاقتصادي مؤيد تحليلاً شاملاً يوضح أن أسباب تضخم فاتورة الرواتب أكثر تعقيداً من مجرد إعادة موظفي غزة، مشيراً إلى جملة من العوامل السياسية والإدارية والهيكلية التي أسهمت في تضخم فاتورة الأجور وأشباه الرواتب.
أولًا: علاوات التربية والتعليم والصحة
أوضح مؤيد أن موجات الإضرابات والضغوط النقابية، لا سيما في قطاعي التربية والتعليم والصحة، دفعت الحكومات السابقة، وتحديداً حكومة الدكتور رامي الحمد الله، إلى إقرار علاوات مجزية رفعت من مستوى الأجور.
"في قطاع التعليم، ارتفعت علاوات بعض المعلمين من 25% إلى 55% بعد إضراب كبير عام 2016، تدخل على إثره الرئيس شخصيًا لإقرار علاوة 10%، إلى جانب تعديل قانون الخدمة المدنية بإدخال درجات جديدة خاصة بالمعلمين مثل D1 وD2، ما منحهم أفضلية مالية على بعض مديري الدوائر".
أما في القطاع الصحي، فقد حصل العاملون على علاوات خاصة خلال فترة جائحة كورونا، بدافع التضامن العام معهم، ما أدى إلى زيادات كبيرة في رواتبهم.
وأشار مؤيد إلى أن قطاع التعليم يضم قرابة 50 ألف موظف، والصحة حوالي 15 ألف موظف، أي أن هذين القطاعين يشكلان أكثر من 65% من فاتورة الرواتب العامة.
ثانيًا: البُعد السياسي – ملف التقاعد المالي لموظفي غزة
تحدث مؤيد عن قرار الحكومة في عام 2021 بإعادة صرف الرواتب الكاملة لموظفي غزة بعد سنوات من العمل وفق نظام "التقاعد المالي"، مشيرًا إلى أن القرار اتُّخذ في سياق سياسي مرتبط بالانتخابات آنذاك، وليس ضمن خطة إصلاح إداري أو توظيف جديدة.
ثالثًا: العلاوات الإدارية المجمدة
في ديسمبر 2024، قامت الحكومة بصرف العلاوات الإدارية المجمدة لحوالي 300 موظف بدرجة مدير عام، ما أدى إلى ارتفاع كبير في فاتورة الأجور، خاصة مع ترقية البعض من درجة "مدير A" إلى "مدير عام"، وهو ما يحمل أثرًا ماليًا كبيرًا على الموازنة.
رابعًا: رفع الحد الأدنى للأجور
بعد عام 2020، تم رفع الحد الأدنى للأجور إلى 1,880 شيكل، ما استوجب رفع رواتب بعض الفئات ذات الأجور المنخفضة، مثل المراسلين والموظفين الإداريين الذين كانت رواتبهم تتراوح بين 1500 و1600 شيكل، وهو ما ساهم بدوره في زيادة الإنفاق الحكومي على الأجور.
أشباه الرواتب: عبء إضافي على الخزينة
استعرض الخبير الاقتصادي أيضًا مكونات ما يُعرف بـ"أشباه الرواتب"، والتي تشمل فئات واسعة:
وأوضح أن سياسة التقاعد المبكر ساهمت أيضًا في إرهاق صندوق التقاعد، حيث إن العديد ممن أُحيلوا للتقاعد المبكر لم يسددوا الاشتراكات الكافية، ومع ذلك، تتحمل الحكومة صرف رواتبهم تحت بند "أشباه الرواتب".
أما على صعيد الامتيازات القانونية، فأوضح مؤيد أن قانونًا صدر عام 2005 يمنح كل وزير أو محافظ أو عضو مجلس تشريعي تقاعدًا مدى الحياة دون أن يكونوا قد ساهموا في صندوق التقاعد، على عكس بقية الموظفين الذين تُخصم من رواتبهم نسبة 10% شهريًا. وأضاف أن هذا البند تسبب في تراكم عبء مالي كبير، مشيرًا إلى أن عدد من حصلوا على رتبة وزير عبر السنوات يتجاوز عدد الوزراء الفعليين في الحكومات المتعاقبة.
أزمة معقّدة بحاجة إلى إصلاح شامل
اختتم الأستاذ مؤيد تحليله بالتأكيد على أن تضخم فاتورة الرواتب بنسبة 57% خلال عقد من الزمن ليس نتيجة لعامل واحد، بل حصيلة سياسات متراكمة، وعلاوات استثنائية، وتغييرات إدارية وتشريعية، إضافة إلى عوامل سياسية مرتبطة بالتطورات الوطنية.
وشدد على أن الأزمة المالية لا يمكن اختزالها في ملف غزة وحده، بل إن هناك خللًا هيكليًا في منظومة الرواتب والتقاعد يتطلب معالجة شاملة على مستوى السياسات والتشريعات والإدارة العامة.