اتفاق جدولة ديون "كهرباء الجنوب" يثير تساؤلات حول مسارات الإصلاح المالي
بوابة اقتصاد فلسطين
يثير الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه بين الحكومة الفلسطينية وشركة كهرباء الجنوب – والذي يقضي بجدولة ديون بقيمة 250 مليون شيكل على مدار 12 عامًا – تساؤلات جدية حول جدوى مثل هذه التسويات طويلة الأمد، في ظل بيئة سياسية واقتصادية غارقة في عدم اليقين.
وينص الاتفاق على أن يبدأ السداد بمعدل مليون شيكل شهريا، على أن يرتفع تدريجيا ليصل إلى أكثر من مليوني شيكل شهريا فيما تواصل الحكومة الفلسطينية ضمن برامجها الإصلاحية تنفيذ تسويات مالية مع الهيئات المحلية حيث جرى حتى الآن إجراء تقاص مالي مع 90 هيئة.
هل يعقل تقسيط دين 12 عامًا في ظل غياب أفق سياسي مستقر؟
في المشهد الفلسطيني، لا يمكن التعامل مع الزمن كأنه مضمون. فهل من الواقعية أن تفترض الحكومة – أو شركة كهرباء الجنوب – أن السلطة الفلسطينية ستظل قادرة على جباية هذه الأموال حتى العام 2036؟
وهل من المنطقي أن يبنى الاتفاق على فرضية أن هيكل الدولة ومصادر تمويلها وبقاءها الإداري سيبقى مستقرا لـ12 سنة متواصلة، رغم ما نشهده من أزمات مالية خانقة وضغوط إسرائيلية متصاعدة لتقويض السلطة؟
إن هذا النمط من التسويات لا يخلو من الطابع التسكيني، وقد يعكس ذهنية "الترحيل لا المعالجة"! لأن من الآن إلى 12 سنة قد شركة كهرباء الجنوب خارج الصورة، وقد تكون السلطة كذلك "، ما يجعل الاتفاق خاليًا من أدوات الضمان الجدي.
لماذا لم يتم الضغط لتسديد الدين بوتيرة أسرع او الذهاب للبنك؟
بدلاً من تمديد السداد لأكثر من عقد، ألم يكن الأجدر بالحكومة أن تربط التسوية بخطة جدولة قصيرة الأجل؟
مثلًا، 3–5 سنوات، مع أدوات رقابة وتشجيع على الالتزام، وربما اشتراط توجه الشركة للحصول على قرض مصرفي كما حدث سابقًا مع شركة كهرباء القدس عام 2019 التي اضطرت للاقتراض البنكي لتسديد ديونها لصالح كهرباء اسرائيل لانهاء ازمة الكهرباء بالضفة الغربية.
لو تم الضغط بهذه الآليات لكانت الحكومة ستحصل على مستحقاتها بشكل فوري أو على الأقل خلال فترة زمنية منطقية، وتمنع تكرار السلوكيات التي تتسبب بتراكم المديونية.
غياب رؤية لحل جذري… أم تسوية محاسبية فقط؟
المشكلة الأكبر أن الاتفاق لا يبدو أنه يعالج جذر أزمة التحصيل في قطاع الكهرباء، بل هو تسوية مالية بحتة تُرضي الطرفين مؤقتًا: الحكومة تُسجل دينًا مضمونًا (نظريًا)، والشركة تُخفف الضغط المالي عن نفسها دون إجراءات تصحيحية ملموسة.
ما المطلوب؟
على الحكومة أن تعيد النظر في منطق الاتفاقات طويلة الأجل، خصوصا في ملفات الديون. في ظل الأزمة، لا يكفي "ترتيب الدفاتر"، بل يجب ضمان التدفقات المالية المستمرة، وتحصيل حقوق الحكومة بما يحافظ على استمرارية تغذية الهيئات المحلية.
- الضغط لتوجيه الشركات نحو الاقتراض عبر البنوك وتسوية ديونها فورًا قد يكون أكثر أمانا ومردودا.
- ربط أي تسوية بخطط إصلاحية داخل الشركات (الجباية، الهيكلة، الإدارة) وليس فقط التقسيط.