إسرائيل تعمّق الحصار المالي على الفلسطينيين باحتجاز أموال المقاصة كافة
بوابة اقتصاد فلسطين
للمرّة الأولى منذ توقيع بروتوكول باريس الاقتصادي عام 1994، تحتجز حكومة الاحتلال الإسرائيلي للشهر الثالث على التوالي كافة عائدات الضرائب الفلسطينية (المقاصة)، في خطوة وصفها مراقبون بأنها الأشد قسوة ضمن سياسة الحصار المالي الممنهجة، والمترافقة مع حرب الإبادة في قطاع غزة والعدوان المستمر على الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة.
تشكل أموال المقاصة نحو 65% من الإيرادات العامة للخزينة الفلسطينية، وتُجبى عبر إسرائيل بحكم سيطرتها على المعابر والحدود، مقابل عمولة إدارية قدرها 3%. ورغم ارتفاع قيمة هذه الإيرادات من 1.7 مليار دولار عام 2013 إلى 3.2 مليار دولار عام 2023، إلا أن إسرائيل استخدمتها كأداة ابتزاز سياسي، حيث تحتجز منذ عام 2019 نحو 9.5 مليار شيقل بشكل غير قانوني، منها رسوم معابر تقدر بـ 250 مليون دولار، إلى جانب اقتطاعات سنوية تزيد على مليار شيقل بحجة فواتير الكهرباء والمياه، واقتطاعات شهرية تصل إلى 500 مليون شيقل تشمل مخصصات الأسرى والشهداء وحصة غزة.
هذه الاقتطاعات دفعت الحكومة الفلسطينية، منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2021، إلى صرف رواتب منقوصة لموظفيها. ومع احتجاز المقاصة بالكامل منذ أيار/مايو الماضي، باتت الحكومة تعتمد فقط على الإيرادات المحلية والمنح الخارجية، في وقت لا يتجاوز فيه دخلها المحلي 250 مليون شيقل شهرياً، وهو رقم لا يغطي حتى 30% من الالتزامات المالية، فيما بلغت الديون والالتزامات العامة نحو 13 مليار دولار.
الحكومة الفلسطينية حذرت، في جلسة طارئة مؤخراً، من أن استمرار الأزمة قد يؤدي إلى تقليص الدوام الحكومي أو حتى إغلاق بعض الدوائر، بما يهدد قطاعات حيوية، وفي مقدمتها الصحة التي تعاني نقصاً خطيراً في الأدوية والمستلزمات، إلى جانب التعليم والحماية الاجتماعية، وسط مخاطر متصاعدة على الاستقرار المجتمعي نتيجة ارتفاع معدلات الفقر والبطالة.
وفي مواجهة هذه الأزمة، لجأت الحكومة إلى حزمة من الإجراءات، بينها ترتيبات مع شركات الكهرباء والمياه والاتصالات لتخفيف الأعباء عن الموظفين، وخطط لإصدار سندات سيادية لتسديد الديون وتوفير السيولة، فضلاً عن إجراءات تقشفية وإصلاحات في ملفات مثل التحويلات الطبية وصافي الإقراض. غير أن خبراء، بينهم مؤيد عفانة، يرون أن هذه الحلول لن تكفي لتعويض غياب المقاصة، مشددين على ضرورة تحرك سياسي ودبلوماسي وقانوني واسع، إلى جانب تفعيل شبكة الأمان العربية وحشد دعم دولي عاجل، لتجنب انهيار مالي يهدد "الكيان الفلسطيني برمته".
من جهتها، تواصل القيادة الفلسطينية، برئاسة الرئيس محمود عباس، اتصالاتها المكثفة مع الولايات المتحدة وفرنسا وسائر الأطراف الدولية، للضغط على إسرائيل من أجل الالتزام بالاتفاقيات الموقعة وإعادة الأموال المحتجزة، باعتبار أن استمرار هذا الوضع لم يعد مجرد أزمة مالية، بل خطر مباشر على مقومات الصمود والخدمات الأساسية للشعب الفلسطيني.