الرئيسية » الاخبار الرئيسية » في دائرة الضوء »
 
14 أيلول 2025

القطاع الصناعي الفلسطيني: إنتاجية متراجعة وخسائر متزايدة

حنين غالب- بوابة اقتصاد فلسطين

يشهد القطاع الصناعي الفلسطيني تحديات متواصلة تؤثر بشكل مباشر على الإنتاجية والربحية. الحرب والعدوان الإسرائيلي المستمر على الأراضي الفلسطينية، إلى جانب القيود على حركة البضائع وفرض سياسات اقتصادية مقيدة، أدت إلى تراجع كبير في النشاط الصناعي. إغلاق المعابر والبوابات بين مدن الضفة الغربية وقطاع غزة، والسيطرة الإسرائيلية على الموانئ والحدود، وتدمير جزء من البنية التحتية، كل هذه العوامل أثرت سلبًا على قدرة المصانع على الإنتاج والتوزيع، وزادت من تكلفة المواد الخام والنقل.

أزمة قطاع البلاستيك

قطاع البلاستيك في فلسطين تعرض لأضرار كبيرة بسبب الحرب الأخيرة. بحسب عرين ناصر الدين، مديرة مشتريات في مصنع الوفاء للبلاستيك، فقد انخفض عدد الماكينات المشغلة من 35 ماكينة إلى 10 فقط نتيجة توقف الطلب على بعض أنواع العبوات البلاستيكية المخصصة لمصانع محددة، وعدم قدرة العملاء على الشراء. كما واجه المصنع صعوبات كبيرة في التوزيع نتيجة إغلاق المعابر والبوابات الحديدية المنتشرة في الضفة الغربية، ما أثر على قدرة المصنع على الوصول إلى شمال الضفة الغربية بسهولة.

وأضافت ناصر الدين أن "أصعب التحديات كانت استيراد المواد الخام، فقد تأخرت الشحنات القادمة من الهند بسبب تعقيدات النقل البحري، لتصل بدل شهرين إلى ستة أو ثمانية أشهر، ما أدى إلى زيادة تكلفة المواد الخام وبالتالي ارتفاع تكلفة المنتج النهائي، وهو ما قلل القدرة الشرائية للمستهلكين". وأضافت أن المصنع حاول الحفاظ على جميع الموظفين عبر تقليص ساعات العمل ورفع الكفاءة التشغيلية، مؤكدة أن "الحفاظ على العمالة كان تحديًا كبيرًا في ظل انخفاض الإنتاجية والقيود اللوجستية المستمرة".

تحديات قطاع الصناعات الجلدية

قطاع الصناعات الجلدية يعاني من صعوبات مماثلة، حيث يوضح غالب منصور، مدير مصنع أحذية في الخليل، أن غياب الدعم الحكومي الكافي وصعوبة الوصول إلى الأسواق الدولية يجعل الاستثمار في هذا القطاع محفوفًا بالمخاطر. هذه الظروف تزيد من احتمالية فقدان الوظائف وتراجع مساهمة القطاع في الناتج المحلي، إلى جانب تكبد الخسائر المتكررة. القيود الإسرائيلية المستمرة تجعل من الصعب على المصانع تلبية الطلب المحلي والخارجي على حد سواء، ما يضع مزيدًا من الضغوط على استدامة هذا القطاع الحيوي.

دور التمويل الخارجي في دعم الصناعات

يبرز دور التمويل الخارجي في دعم بعض القطاعات الحيوية للحفاظ على استدامتها، خصوصًا في مواجهة تداعيات الحرب والسيطرة الإسرائيلية على الموارد الأساسية. قطاع المياه مثال رئيسي على ذلك، إذ يعتمد على الدعم الدولي لتطوير البنية التحتية وحل مشكلات الإمداد. يشير الدكتور عبد الرحمن التميمي إلى أن "أكثر من 80٪ من المصادر المائية في الضفة الغربية تخضع للسيطرة الإسرائيلية، بينما يحصل المستوطن الإسرائيلي على 600 لتر مياه يوميًا للفرد، مقابل 120 لترًا للفلسطيني، ما يعكس فجوة كبيرة في العدالة المائية". وأضاف أن أسعار المياه للفلسطينيين تتضاعف ثلاث مرات مقارنة بالمستوطنين، ما يزيد العبء المالي على الأسر ويضع ضغوطًا إضافية على الاقتصاد المحلي.

في قطاع غزة، أدى القصف الإسرائيلي إلى تدمير شبكات المياه والصرف الصحي، ما تسبب في اختلاط مياه الشرب بمياه المجاري وتدهور نوعيتها، بينما انخفض معدل توريد المياه من 12 لترًا يوميًا قبل الحرب إلى أقل من لتر واحد، ما يشكل أزمة حقيقية في الوصول إلى مياه صالحة للشرب. هذه الظروف توضح أن التمويل الخارجي أصبح ضرورة ملحة لدعم القطاعات الحيوية، بما في ذلك تطوير محطات التحلية، إصلاح شبكات التوزيع، وتحسين نوعية المياه.

إعادة ترتيب الأولويات الاقتصادية

في الوقت ذاته، هناك فجوة كبيرة في تخصيص الموارد الحكومية، إذ تُخصص نسبة كبيرة من موازنة السلطة الفلسطينية لقطاع الأمن، بينما المواطن يفتقر إلى الأمن الإنساني من حيث الغذاء والمياه والخدمات الأساسية. هذا التفاوت يعكس الحاجة الملحة لإعادة ترتيب الأولويات الاقتصادية، بحيث يتم توجيه التمويل نحو القطاعات الحيوية التي تحقق أكبر أثر اقتصادي واجتماعي، مثل التعليم، الصحة، المياه، والحماية الاجتماعية لدعم الأسر الأكثر هشاشة، خاصة بعد الحرب.

يؤكد الدكتور عبد الرحمن التميمي أن إعادة ترتيب أولويات التمويل وفق هذه القطاعات الحيوية يُعد خطوة استراتيجية لتعظيم الأثر التنموي وضمان استقرار الاقتصاد الفلسطيني، خاصة مع ارتفاع نسبة الفقر في غزة إلى حوالي 80٪، وفي الضفة الغربية إلى 35٪ نتيجة توقف العمالة الفلسطينية والقيود المفروضة على النشاط الاقتصادي.

استراتيجيات لتعزيز استدامة القطاع الصناعي

تحقيق استدامة النمو والكفاءة الاقتصادية يتطلب تركيز الاستثمار على القطاعات ذات الأثر الاجتماعي المباشر، وتعزيز القدرة التنافسية للصناعات المحلية، وتبني سياسات مالية مرنة تستجيب لتغيرات السوق والحرب والحصار المستمرين. كما يجب أن يوازن التخطيط الاقتصادي بين دعم القطاعات الإنتاجية والاستثمار في البنية التحتية الحيوية لضمان استقرار اقتصادي طويل الأمد وتحسين مستوى المعيشة للفلسطينيين، بعيدًا عن الحلول المؤقتة أو التمويل العشوائي.

 

كلمات مفتاحية::