هل الشيكل أقوى من اللازم؟

مترجم- بوابة اقتصاد فلسطين
في لحظةٍ يبدو فيها الشيكل الإسرائيلي واحدًا من أقوى عملات العالم، خرج بنك "سيتي" الأمريكي عن الإجماع السائد، محذرًا من أن العملة الإسرائيلية مبالغ في تقييمها بنحو 19%، وأن سعرها "العادل" يجب أن يدور حول 3.87 شيكل مقابل الدولار، أي أقل بنحو 20% من مستواها الحالي.
هذا التقدير، الذي صدر خلال عطلة نهاية الأسبوع، لم يأتِ مدعومًا بتفصيلات سياسية أو اقتصادية دقيقة، بل استند – بحسب البنك – إلى نموذج داخلي خاص وإلى "طلب المستثمرين". ومع ذلك، كان كافيًا لإثارة جدل واسع في أسواق المال الإسرائيلية، خاصة أنه يتناقض مع اتجاهات السوق ومع تقييمات بنك إسرائيل نفسه.
إجماع السوق… وكسر القاعدة
منذ مطلع العام، ارتفع الشيكل بنحو 12% أمام الدولار، مدفوعًا بمزيج من العوامل المالية والاستثمارية، ليصل إلى مستويات تُصنّفه بين أقوى العملات عالميًا. ويستند هذا الأداء، وفق محللين، إلى ما يُعرف بـ"القوى الأساسية":
ارتفاع أسواق الأسهم الأمريكية، تدفقات الاستثمارات الأجنبية، وتحوّل عائدات صادرات التكنولوجيا – المسعّرة بالدولار – إلى الشيكل داخل السوق المحلية.
لكن "سيتي" يرى الصورة من زاوية مختلفة: قوة مفرطة، تتجاوز القيمة الحقيقية، وقد تنعكس لاحقًا بتصحيح حاد.
تشكيك محلي… ونموذج تحت المجهر
ردّ الفعل في إسرائيل لم يتأخر. اقتصاديون بارزون وصفوا تقديرات "سيتي" بأنها غير منسجمة مع واقع السوق، معتبرين أن هكذا تراجع لا يمكن أن يحدث إلا في سيناريوهات صادمة، مثل انهيار حاد في وول ستريت أو مواجهة عسكرية إقليمية واسعة مع إيران.
ويُلفت هؤلاء إلى أن النماذج النظرية لسعر الصرف – ومنها نموذج "سيتي" – تتحرك ببطء، بينما يتسم السعر الفعلي بتقلبات حادة. فخلال عامين فقط، تنقل الشيكل بين مستويات قاربت 4.08 شيكل للدولار بعد 7 أكتوبر، ثم عاد إلى ما دون 3.25 خلال فترة قصيرة.
بنك إسرائيل… اللاعب الوحيد القادر على التدخل
وسط هذا الجدل، يبرز بنك إسرائيل بوصفه الجهة الوحيدة القادرة فعليًا على كبح ارتفاع الشيكل، في حال اعتُبر ذلك ضروريًا. فالبنك يمتلك احتياطيات أجنبية قياسية تبلغ 231 مليار دولار، وقد استخدمها سابقًا للتدخل في سوق الصرف، سواء عبر البيع أو الإعلان عن برامج شراء تصل إلى 30 مليار دولار.
ووفق تقديرات رسمية سابقة، فإن الشيكل – لولا تداعيات الإصلاحات القضائية والحرب – كان مرشحًا لمزيد من الارتفاع، مستفيدًا من الزخم المالي العالمي.
قوة نقدية بعد صدمة عميقة
الارتفاع الحالي للشيكل لا يمكن فصله عن سياقه الزمني. فالعملة الإسرائيلية جاءت من انخفاض حاد خلال عامي 2023–2024، نتيجة الاضطرابات السياسية الداخلية ثم الحرب، قبل أن تعود بقوة مع تحسن المعنويات الاستثمارية وتراجع المخاطر في نظر الأسواق.
ويشير اقتصاديون إلى أن "سيتي" لا يستهدف الشيكل وحده، إذ يصنّف أيضًا الدولار الكندي والين الياباني كعملات "مبالغ في تقييمها"، ما يضع تحذيره ضمن إطار نمذجي عام، لا حكمًا خاصًا على إسرائيل.
ما الذي يعنيه ذلك اقتصاديًا؟
بالنسبة لإسرائيل، استمرار قوة الشيكل يعني:
ضغطًا على الصادرات التقليدية
استفادة للمستوردين
وتحديات للقطاع الصناعي المحلي
أما في السياق الفلسطيني، فإن قوة الشيكل تعني عمليًا تعميق الارتباط النقدي القسري، وزيادة حساسية الاقتصاد الفلسطيني لتقلبات لا يملك أدوات التحكم بها، سواء صعودًا أو هبوطًا، في ظل غياب سياسة نقدية مستقلة.
تحذير "سيتي" لا يبدو – في المدى المنظور – سيناريوًّا مرجحًا، لكنه يفتح نقاشًا أعمق حول سؤال قديم متجدد:
هل يعكس سعر الشيكل قواه الاقتصادية الحقيقية، أم أنه نتاج تدفقات مالية عابرة قد تنقلب بسرعة؟
حتى الآن، تميل الأسواق إلى الرهان على استمرار القوة، فيما يبقى بنك إسرائيل هو الحكم الأخير… والاقتصاد الفلسطيني، كعادته، المتأثر الصامت بكل حركة في ميزان الصرف.
غلوبس