الماء والنفط والضغط على أنقرة: إسرائيل تعترف بـ"ارض الصومال "لتعزيز نفوذها الإقليمي

بوابة اقتصاد فلسطين
يمثل الاعتراف باستقلال أرض الصومال تحولاً جذرياً في الاستراتيجية الإقليمية الإسرائيلية. فبعد أن كانت إسرائيل تكتفي بالرد على التهديدات الكبرى من إيران وتركيا، باتت تتجه نحو مبادرة مبتكرة، تُظهر لأنقرة أن القدس تستخدم أدواتها ضدها، وفق صحيفة "غلوبس" العبرية تابعها موقع بوابة اقتصاد فلسطين.
وفقا للصحيفة، دفعت طموحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، التي تُحاكي النظام العثماني الجديد، إلى استغلال الفرص المتاحة في مختلف المجالات لاستخدام أسلوب الوكالة، وهو أسلوب أكثر فعالية بكثير من الأسلوب الإيراني.
فبينما استثمر نظام آية الله في منظمات "إرهابية" كوكلاء، حددت أنقرة ساحات مُدمّرة، وحوّلت حكوماتها إلى وكلاء "حدث هذا في ليبيا، التي لم تتعافَ تمامًا من الحرب الأهلية؛ وفي الصومال، الدولة الأكثر تخلفًا في أفريقيا" وبالطبع في سوريا.
تقع أرض الصومال في موقع استراتيجي في القرن الأفريقي، جنوب باب المندب، بوابة البحر الأحمر، الذي تصدّر عناوين الأخبار بسبب هجمات الحوثيين. في عام ١٩٩١، انهار النظام في العاصمة الصومالية مقديشو، مما أدى إلى انفصال أرض الصومال عنها. ولأكثر من ثلاثة عقود، سعى قادة أرض الصومال جاهدين لنيل الاعتراف بمواطنيهم البالغ عددهم ستة ملايين نسمة، ولذا فليس من المستغرب أن يؤدي الاعتراف الإسرائيلي إلى احتفالات عارمة هناك.
وبدرجة أو بأخرى، تمارس إسرائيل ضغوطًا في القرن الأفريقي ضد المصالح الإيرانية والتركية مستخدمةً أدواتها الخاصة: فكما أن تركيا هي الدولة الوحيدة التي تعترف باستقلال جمهورية شمال قبرص التركية، تعترف إسرائيل بأرض الصومال.
أقرب من أي وقت مضى إلى الحوثيين
يُظهر تقريرٌ نُشر في "ميدل إيست مونيتور" قبل نحو عام، مدى أهمية هذه الخطوة بالنسبة لإسرائيل، حيث أشار إلى دراسة اقتراحٍ يقضي باعتراف إسرائيل باستقلال أرض الصومال مقابل إنشاء قاعدة بحرية على أراضيها.
من شأن هذا الانتشار أن يُتيح شنّ ضرباتٍ أكثر فعاليةً وأقرب إلى مواقع الجماعات الحوثية، وكلاء إيران في اليمن، كما سيُشكّل ضغطاً على أردوغان. وقد أعلنت أنقرة مؤخراً عزمها بدء التنقيب عن الغاز الطبيعي والنفط في المياه الاقتصادية الخالصة للصومال.
لا تأتي إسرائيل إلى أرض الصومال بمفردها، بل تنضم إلى الإمارات العربية المتحدة، المتواجدة هناك منذ زمن طويل. ففي عام 2017، فازت شركة موانئ دبي (DP) الإماراتية بعقد مدته 30 عامًا، مع خيار التمديد لعقد آخر، لتشغيل ميناء بربرة الاستراتيجي في أرض الصومال، وقد قامت بتطويره. وتملك الإمارات الحصة الأكبر 51 بالمئة بينما تشاركها في إدارة الميناء حكومة أرض الصومال (30%)، وإثيوبيا، حليف إسرائيل الآخر 19 بالمئة.
نجح رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في يناير 2024، بطريقة مبتكرة، في تأمين منفذ بحري لبلاده: إذ وقّعت أديس أبابا مذكرة تفاهم مع هرجيسا لاستئجار شريط ساحلي بطول 20 كيلومتراً في منطقة ميناء بربرة لمدة 50 عاماً . وإلى جانب الاستخدام التجاري، يهدف الإثيوبيون أيضاً إلى نشر قوات بحرية دائمة في هذا الموقع الاستراتيجي. وتشمل تعويضات أرض الصومال التزاماً باعتراف إثيوبيا، في وقت ما، باستقلالها، ومنحها حصصاً معينة في الخطوط الجوية الإثيوبية.
زار رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إثيوبيا قبل نحو أسبوع ونصف، وهو شخصية مثيرة للاهتمام تربطه علاقة وثيقة برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وخلال هذا اللقاء الاستثنائي، اتفق الطرفان على تعزيز العلاقات بين البلدين، في إطار توجه الهند نحو توطيد نفوذها وحضورها في القرن الأفريقي ومنطقة الشرق الأوسط عموماً.
يرجع اختيار الهند الواضح لإثيوبيا، القريبة من أرض الصومال، إلى ثلاثة أسباب رئيسية: أولاً، تُعدّ الإمارات العربية المتحدة ثالث أكبر شريك تجاري للهند، حيث بلغ حجم التبادل التجاري رقماً قياسياً قدره 100 مليار دولار في السنة المالية 2024-2025. ثانياً، تُعتبر تركيا منافساً قوياً لمودي، نظراً لكون أردوغان من أقرب حلفاء باكستان. ثالثاً، تصل البضائع الهندية بكميات كبيرة إلى أرض الصومال، التي تشهد وجوداً هندياً محدوداً ولكنه فعّال.
أسلحة، ونفط، وكميات كبيرة من الماء
إن تعزيز التحالف الرباعي بين القدس ونيودلهي وأبو ظبي وأديس أبابا (بل وحتى التحالف الخماسي إذا ما أُضيفت إليه ارض الصومال) يُدخل إسرائيل بقوة كلاعب في الصراعات الهائلة التي تشهدها منطقة شمال شرق أفريقيا، والتي تشمل، من بين أمور أخرى، الحروب الأهلية، والأسلحة الأجنبية، والنفط، والغاز، فضلاً عن كميات كبيرة من المياه.
يُعدّ سد النهضة، وهو مشروع رائد مثير للجدل على النيل الأزرق، جوهر الصراع الإقليمي حول هذه القضية. وقد أطلقته إثيوبيا في سبتمبر الماضي باستثمار بلغ حوالي 4.2 مليار دولار . صُمم السد لتزويد إثيوبيا بنحو 5.1 جيجاوات من الطاقة الكهرومائية في ذروة إنتاجه، إلا أنه بُني متجاهلاً تماماً احتياجات دولتي المصب، السودان ومصر، اللتين تعتمدان على مياه النيل في حوالي 96% من استهلاكهما للمياه.
جنود مصريون في مقديشو
حذّر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وسلفه محمد مرسي، على مدى أكثر من عقد من الزمن خلال بناء سد النهضة، من أن القاهرة لن تتردد في معارضة بناء أكبر سد في أفريقيا وثامن أكبر سد في العالم من جانب واحد. وقد جرت جولات عديدة من المفاوضات بين الطرفين، انتهت إلى طريق مسدود، فلجأت مصر - بدلاً من مهاجمة ممتلكات أديس أبابا - إلى حل مبتكر: توسيع الوجود العسكري المصري في الصومال، المتاخمة لإثيوبيا.
وقّعت الحكومة الصومالية، بقيادة الرئيس حسن شيخ محمود، اتفاقية مع السيسي في أغسطس من العام الماضي لإرسال 10 آلاف جندي مصري إلى مقديشو. أُضيف هؤلاء إلى ألف جندي تركي منتشرين بشكل دائم في الصومال، والذين قد يرتفع عددهم إلى نحو 2500 جندي العام المقبل. وتقوم أنقرة بنشر قوات دائمة في الصومال وليبيا، وفي سوريا في المستقبل القريب، تحت ذريعة "التفويض". وقد دأب نظام أردوغان، مؤخراً، على تمديد تفويضه لنشر قوات دائمة خارج البلاد، عبر تصويتات هزيلة في البرلمان، تمنحه "السلطة" للقيام بذلك مراراً وتكراراً.
باختصار، تهدف الخطوة الإسرائيلية في أرض الصومال إلى خدمة ثلاثة أغراض رئيسية: رسالة مفادها أن إسرائيل قوة إقليمية لا تتردد في اتخاذ خطوات لتوضيح ذلك؛ وتوضيح لإيران وتركيا أن إسرائيل مستعدة لمحاربتهما بأدواتهما الخاصة؛ ومثل أي نظرية بالوكالة، إزالة التهديدات من أراضي البلاد، مع إنشاء بنية تحتية مستقبلية محتملة لمواجهة عسكرية أفضل مع المتمردين الحوثيين في اليمن.