الرئيسية » الاخبار الرئيسية » آخر الأخبار » في دائرة الضوء » أقلام اقتصادية »
 
31 كانون الأول 2025

8 أشهر من سرقة المقاصة… هل يكون 2026 عام الحسم؟

بقلم: عماد الرجبي
صحفي اقتصاد

بوابة اقتصاد فلسطين

مع اكتمال أول يوم من عام 2026، تدخل أزمة قرصنة الاحتلال لأموال المقاصة شهرها الثامن على التوالي، في مشهد لم يعد يُمكن قراءته كأزمة مالية عابرة، بل كسياسة ممنهجة تحاول من خلالها إسرائيل تقويض السلطة الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية.

ثمانية أشهر من قرصنة إيرادات هي حق خالص للخزينة الفلسطينية، دون أفق واضح للحل، ودون أي التزام إسرائيلي بالاتفاقيات المالية الموقعة، في ظل صمت دولي مريب، وتصريحات فضفاضة لا تُترجم إلى أفعال على الأرض.

حتى اللحظة، لا تتجاوز بوادر الحل ما تناقلته وسائل إعلام عبرية عن نقاشات دارت بين مستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، أُثيرت خلالها مخاوف من انهيار السلطة الفلسطينية، وتصاعد عنف المستوطنين، وتفاقم الاستيطان في الضفة الغربية.

لكن هذه المخاوف لم تُترجم إلى أي تغيير ملموس، بل اكتفى ترامب بالقول إنه ناقش الأوضاع في الضفة، وإنه "على يقين بأن نتنياهو سيفعل الشيء الصحيح"، دون أي توضيحات إضافية ولا ضغط واضح وحقيقي.

الابتزازات الاسرائيلية

في المقابل، جاءت تصريحات وزير مالية الاحتلال بتسلئيل سموتريتش أكثر وضوحًا وصراحة. فالرجل لم يُخفِ أن حجز المقاصة يأتي، بحسب ادعائه، في إطار الضغط على السلطة الفلسطينية لـ“نبذ الإرهاب”، في إشارة إلى مخصصات الأسرى والشهداء والجرحى.

لكن الأخطر من ذلك، أن سموتريتش صرّح مرارًا أن هدفه الاستراتيجي هو تفكيك السلطة الفلسطينية، ما يجعل من الضغط المالي أداة مركزية في هذا المشروع، لا مجرد خلاف محاسبي أو مالي، وهو الذي اعلن عن خطته للحسم في الضفة الغربية.

مصادر فلسطينية أكدت أيضًا أن سموتريتش يستخدم ورقة المقاصة بذرائع متبدلة، من بينها الادعاء بأن حجز الأموال يأتي عقابًا للفلسطينيين بعد فرض أوروبا عقوبات عليه وعلى مسؤولين إسرائيليين بسبب الحرب على غزة وتصاعد الاستيطان.

وهنا، لا تعود المقاصة حقا ماليا، بل تتحول إلى رهينة سياسية تُستخدم لمعاقبة الفلسطينيين على مواقف دولية لم يتخذوها أصلًا.

وزير المالية الفلسطيني أشار بدوره إلى أن الاحتلال بات يربط أي حل مالي بملف غزة، مشترطًا أن تُحوّل أموال القطاع عبر آليات أو مجالس تُنشأ خصيصًا، دون أن تعود إلى السلطة الفلسطينية، وهو ما ترفضه السلطة باعتبار هذه الأموال حقًا سياديًا غير قابل للتصرف.

هذا الاشتراط لا يعكس فقط نية التفاف مالي، بل محاولة لفصل غزة ماليًا وإداريًا عن الضفة، وإفراغ السلطة من أي دور وطني جامع.

على مستوى الضغط الدولي، تؤكد مصادر فلسطينية أن الضغوط الأوروبية لم تُفضِ إلى أي نتيجة، فيما تُوصَف الضغوط الأمريكية بأنها موجودة “نظريًا”، لكنها غائبة تمامًا عن أرض الواقع.

وفي هذه الفجوة بين الخطاب والفعل، يستمر النزيف المالي بلا رادع.

كل ذلك يشير بوضوح إلى أن المقاصة تحولت إلى أداة ابتزاز مفتوحة الأهداف:

مرة بذريعة  الإصلاحات

ومرة بذريعة  العقاب السياسي

ومرة بذريعة غزة،

وفي كل مرة، تتغير الرواية الإسرائيلية، ويبقى الهدف واحدًا: إنهاك السلطة ماليًا، وإبقاؤها في حالة عجز دائم.

الحكومة الفلسطينية استنفذت الخيارات

ماليا، يمكن القول إن الحكومة الفلسطينية استنفذت معظم خياراتها. خلال الشهرين الأخيرين، صرف الحكومة الرواتب بشق الأنفس، مع اعتماد واضح على المساعدات الخارجية.

مصرفيا، تبدو الصورة أكثر قتامة. فالبنوك الفلسطينية، في معظمها، باتت ترفض إقراض الحكومة، مع تجاوز سقوف الاقتراض، وغياب أي أفق سياسي أو اقتصادي يضمن السداد.

 الخدمات مهددة

أما على صعيد الخدمات العامة، فقد بدأت آثار الأزمة تتسلل بوضوح إلى حياة المواطنين. موظفون يعملون ثلاثة أيام في الأسبوع أو أقل، وموردون يلوحون بوقف تقديم الخدمات في حال استمرار عدم تحويل مستحقاتهم.

وهنا، تتحول الأزمة من أرقام في الموازنة إلى تراجع فعلي في جودة الحياة والخدمات الأساسية.

نحن، بكل وضوح، أمام خطر انهيار حقيقي، إذا ما استمرت أزمة المقاصة على هذا النحو، وواصل الاحتلال قرصنتها دون كلفة سياسية أو قانونية.

لكن الأوضح من ذلك كله، أن ما يجري ليس مجرد ضغط مالي، بل مشروع ابتزاز سياسي شامل.

مشروع يهدف إلى إضعاف السلطة إلى الحد الذي يمنعها من المطالبة بدولة، أو التوجه إلى المحافل الدولية لمحاسبة إسرائيل، أو حتى امتلاك قرار سياسي مستقل.

وفي خلفية هذا المشهد، يبرز بُعدا أكثر خطورة: خنق اقتصادي ممنهج للفلسطينيين، في غزة والضفة على حد سواء، كأداة غير مباشرة لدفعهم نحو الهجرة القسرية، عبر جعل الحياة نفسها عبئًا لا يُحتمل.

هكذا، لم تعد المقاصة مسألة مالية، بل أصبحت سؤالًا وجوديا للفلسطينيين.

 العام القادم

يبدو أن الاستراتيجية الإسرائيلية قائمة على تقويض السلطة الفلسطينية، وهو ما يجعل أي حلول مالية محتملة سطحية ومؤقتة، وليست جذرية، ما يعني أننا بعيدون كل البعد عن أي "انفراجة مالية" حقيقية.

وإذا استمر تعليق أموال المقاصة دون حل سريع، فقد يذهب الاحتلال إلى انتخابات إسرائيلية مبكرة، ما يعني أن الضغط على الفلسطينيين لن يتراجع، بل سيزداد كأداة دعاية انتخابية، تتحول خلالها الأزمة المالية إلى سلاح سياسي .

هل تتفق مع ما جاء في هذا المقال؟